اكتشاف أثري هنا أو هناك كفيل بأن يجد له مكانا مهما على خارطة اهتمامات العالم المتحضر، ولا يمكن لوكالة أنباء تحترم جمهورها والمهنية الصحفية أن تغض الطرف عنه، لكن ماذا عن مكتشفي هذه الكنوز الأثرية التي لا تقدر بثمن؟ هل يجدون التقدير والاهتمام نفسه؟ الإجابة جاءت من جامعة بريطانية عريقة، تعد ثالث أقدم جامعة بعد جامعتي أكسفورد وكامبردج، فقد رفعت قبعتها العلمية لخبير آثار عُماني هو الدكتور ناصر بن سعيد الجهوري أستاذ مشارك بقسم الآثار بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية أما سر ذلك، فهذا ما يُنقب عنه هذا الحوار.
ـ زمالة فخرية من جامعة بريطانية لأكاديمي عُماني خبر يثلج صدورنا ويشجعنا على معرفة ما وراءه؟
ـ بابتسامة مغلفة بتواضع العلماء يجيب الجهوري: منحتُ لقب الزمالة الفخرية من مجلس جامعة درهم بالمملكة المتحدة؛ تقديراً واعترافاً من هذه الجامعة العريقة بمساهماتي العلمية والخدمية في مجال تخصصي وهو علم الآثار، مما يؤكد أهمية هذه المساهمات وفائدتها للمؤسسات العلمية والبحثية بشكلٍ عام، وجامعة درهم بشكلٍ خاص.
– نسمع كثيرا عن الزمالة الفخرية ونعلم عنها القليل فأرجو تسليط الضوء عليها؟
الزمالة الفخرية من الجوائز الشرفية المرموقة التي تمنحها المؤسسات الأكاديمية والبحثية، ويتم منحها على أساس الاستحقاق والجدارة للفرد الذي قدم خدمة طويلة ومتميزة في مجال تخصصه إذ تكون مساهماته وإنتاجه البحثي والعلمي يخدم المؤسسات الأكاديمية والبحثية والباحثين في ذلك المجال التخصصي، وهي ممارسة موجودة في كثير من المؤسسات الأكاديمية الدولية، ومنها على سبيل المثال المملكة المتحدة التي حصلت منها على هذا اللقب، وعادةً ما تُمنح الألقاب الفخرية أو الشرفية سواء في جامعة درهم أو غيرها من المؤسسات الأكاديمية للباحثين أو العلماء ذوي التميز المتفرد، الذين يتمتعون بسمعة دولية بارزة، ولعبوا دوراً مهماً في تأسيس مجال تخصصهم من خلال مخرجاتهم وإنجازاتهم ومؤشرات التقدير.
– حدثنا أكثر عن المعايير التي تمنح من خلالها المؤسسات الأكاديمية مثل هذه الألقاب؟
تهتم هذه المؤسسات الأكاديمية بشكلٍ خاص بمن تمنحه مثل هذه الألقاب، وذلك لأن الأفراد الذي يحصلون عليها هم من ذوي التميز والمكانة الوطنية / الدولية في مجال تخصصهم، وذلك بعد النظر في مجموعة المعايير التي يجب أن تتوافر فيهم لمنحهم اللقب الذي يعكس إنجازاتهم الوطنية والدولية في مجال التخصص وخاصة البحث والتعليم، أو غيرها من الخدمات التي قدموها لخدمة المؤسسات التعليمية والبحثية والمجتمع. وقد تشمل هذه الإنجازات على سبيل المثال لا الحصر الإنتاج العلمي من حيث قيادة المشاريع البحثية في مجال التخصص، ونشر نتائجها في كافة أوعية النشر العلمية المحكمة مثل أوراق بحثية في مجلات علمية محكمة، والكتب المحكمة، وفصول في كتب، ووقائع مؤتمرات، إضافةً إلى الحصول على المنح البحثية على كافة المستويات، وخاصةً الدولية ، وتشمل كذلك الحصول على الاعتراف المهني كأن تكون خبيراً قيادياً لدى المنظمات والمؤسسات المحلية والإقليمية والدولية، إضافةً إلى النشاط الريادي في التخصص، ونشر المعرفة، إلى غير ذلك من الإنجازات ؛ ونظراً لتحقق الكثير من هذه المعايير لدي فقد قررت جامعة درهم منحي لقب الزمالة الفخرية تقديراً واعترافاً بهذه المساهمات العلمية في مجال علم الآثار.
ـ ما الفائدة التي ستعود عليك من منحك الزمالة الفخرية؟
يتم في كثير من الأحيان السماح للفرد الذي منح اللقب أن يتمتع بالامتيازات المتاحة للموظفين العاديين التابعين للمؤسسة المانحة للقب، وهذا ما حصلت عليه من جامعة درهم بعد منحي لهذا اللقب، فقد أصبحت أحد أعضائها، ومُنحت الكثير الامتيازات التي يحظى بها موظفوها ومنها على سبيل المثال حق الوصول إلى كافة مرافق الجامعة ومكتباتها ومعاملها مصادرها التعليمية والبحثية، وغيرها من الامتيازات ، كما أن المؤسسات الأكاديمية التي تمنح مثل هذه الألقاب عادة ما تستعين بالفرد الذي منحته اللقب في المساهمة في إنتاج بحوث علمية عالية التأثير بالتعاون مع أقرانه في تلك المؤسسة الأكاديمية، وهذا ما تم بالنسبة لي فقد شاركت زملائي من جامعة درهم في تنفيذ بعض المشاريع البحثية التي حملت اسم جامعة درم وجامعة السلطان قابوس، وقد كان أحدها مشروع دراسة آثار منطقة الرستاق والمناطق المجاورة لها والذي حقق نتائج رائعة ساعدت على فهمنا لأنماط الاستيطان في هذا الجزء من سهل الباطنة الذي لم تتم من قبل دراسته أثرياً ، كما قمت بتقديم بعض الاستشارات العلمية والبحثية، والمحاضرات التخصصية، والمشاركة في تنظيم بعض الأنشطة البحثية داخل قسم الآثار بجامعة درهم.
كما يعتبر هذا اللقب اعترافا عالميا بي كباحث وكخبير في مجال تخصص الآثار، وهو مؤشر على الاعتراف بأساتذة جامعة السلطان قابوس التي انتمى إليها، وتقدير للمساهمات العلمية والفكرية التي نقدمها في مجال تخصصاتنا، وهي مساهمات تستفيد منها المجتمعات الأكاديمية ذات الصلة. كما فتح هذا اللقب لي باب التعاون مع الزملاء الباحثين والعلماء من مؤسسات أكاديمية وبحثية في مختلف أنحاء العالم، وهو ما يؤكد أيضاً الاعتراف العالمي، إضافةً إلى تقدير المؤسسات والمنظمات الدولية للمعرفة التي أمتلكها، وبالتالي اختياري كخبير في بعض من هذه المنظمات مثل المجلس الدولي للمعالم والمواقع الأثرية (الإيكموس) ومقره في باريس.
ـ خبير في ” ” الإيكموس” نتمنى أن تُنقب لنا في عالم الآثار عن ” الإيكموس” ؟
الإيكموس هي اختصار للمجلس الدولي للمعالم والمواقع الأثرية، وهي منظمة مهنية عالمية غير حكومية مرتبطة باليونسكو، ومقرها في باريس بفرنسا. وقد تأسست في عام 1965م كنتيجة للمحادثات الأولية بين مجموعة من الخبراء الدوليين والتي تجسدت في اعتماد ميثاق البندقية في عام 1964م وتعمل هذه المنظمة من أجل حفظ مواقع التراث الثقافي وحمايتها في جميع أنحاء العالم، وتقدم توصياتها عن هذه المواقع العالمية لمنظمة اليونسكو ، وتضم الإيكموس شبكة من الخبراء الأعضاء من ذوي التخصصات المتعددة، ومن بينهم علماء الآثار، والمهندسين المعماريين، والمؤرخون، والجغرافيين، وعلماء الأنثروبولوجيا، والمهندسون ومخططو المدن، وغيرهم. فبالإضافة إلى دورهم الاستشاري في تقييم ملفات الترشح لقائمة التراث العالمي يساهم هؤلاء الأعضاء في تطوير مناهج وطرق الحفاظ على التراث، والمعايير والتقنيات المستخدمة لكل نوع من ممتلكات التراث الثقافي مثل المباني، والمدن التاريخية، والمشاهد الثقافية، والمواقع الأثرية، وغيرها.
– كيف جاء اختيارك خبيراً للتراث العالمي؟
قبل أن يتم اختياري خبيراً للتراث العالمي في منظمة الإيكموس ومقرها الرئيسي في باريس، بدأت عضواً في المجلس الدولي للمعالم والمواقع فرع عمان (إيكموس عمان)، وقد كنت من المؤسسين لهذا المجلس في عام 2011م، وذلك برئاسة معالي عبدالعزيز بن محمد الرواس مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية الذي أتقدم له في هذه المناسبة بالشكر والتقدير على دعمه اللامحدود للباحثين والعلماء وخاصةً في مجال التراث الأثري والطبيعي، وبعد فترة تم ترشيحي من قبل “إيكموس عمان” كواحد من الخبراء لدراسة وتقييم ملفات ترشيح بعض المواقع الأثرية للإدراج ضمن قائمة التراث العالمي وبعد النظر في سيرتي الذاتية وإنجازاتي قدمت لي الدعوة من قبل الإيكموس لأكون خبيراً في تقييم ملفات بعض الدول من خلال زيارات ميدانية لتقييم المواقع على أرض الواقع، ورفع التقارير عن نتائج هذه الزيارات. وبعد نجاح هذه المهام أصبحت أحد خبراء التراث العالمي المعتمدين لدى الإيكموس، وعضواً في لجنتها الخاصة بتقييم الملفات المقدمة من قبل الدول التي ترغب في إدراج ممتلكاتها الثقافية في قائمة التراث العالمي.