لطالما تعلق الإنسان بالطيران، ومن أجل ذلك كان اختراع الطائرات هو الثورة التكنولوجية التي اختصرت الزمان والمكان، واليوم تقود الطائرات ثورة تقنية جديدة ولكن هذه المرة من دون طيار وبأقل التكاليف.. الطائرات بدون طيار أو ما يعرف باسم “الدرون”، باتت تحلق اليوم في سمائنا وأصبحنا نعتمد عليها ليس في مجال التصوير فحسب بل في الجوانب الاقتصادية والعلمية والمناخية وأخطرها العسكرية، وفي هذا الموضوع نحلق مع “الدرون” إلى زوايا علمية بحتة، تحاول الجامعة أن تستشرف بها المستقبل باستخدام تقنيات تحلل خصائص أشجار النخيل واللبان. التفاصيل مع الدكتور ياسين الملا، مدير مركز الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية.
الدرون.. علوم متعددة
بداية يقول الدكتور ياسين الملا: في مركز الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية بجامعة السلطان قابوس، نحاول أن نواكب آخر ما توصل إليه العلم ومن ضمنه استخدام الطائرات بدون طيار (الدرون)، وفي هذا الصدد قمنا بالتواصل مع الجمعية الدولية للاستشعار عن بعد ونظمنا ملتقى دوليًّا حول تطبيقات الاستشعار عن بعد، وبعدها تم اختياري كسفير في هذه الجمعية الدولية وممثلًا للسلطنة وللجامعة.
وبالنسبة للطائرات بدون طيار أو (الدرون) فإن لها العديد من المزايا والاستخدامات العلمية والبحثية، ومن ضمن مزايا (الدرون) أنها تعطينا جودة عالية في الصور سواء كانت الصور عادية أو تحت الحمراء، وكلما كانت جودة الصورة عالية كان التحليل لدينا أدق. ومن ضمن المزايا أيضا اختيار الوقت المناسب للتصوير خلاف الأقمار الصناعية التي تعطينا الصور حسب الوقت الذي تمر فيه على المنطقة، إضافة إلى التكلفة العالية. وأما من ناحية السلبيات فنجد أن (الدرون) مدة طيرانها مرتبطة بمدة معينة حسب البطاريات الكهربائية.
وبشكل عام فإن مجالات استخدام (الدرون) مجالات عديدة ومتنوعة، مثل: الزراعة والبيئة والطرق والمجالات العسكرية والتعداد والخرائط والتعدين والجيولوجيا وعلوم الأرض، ولها مجالات ومتعددة يصل عددها إلى أكثر من 200 مجال.
النخيل في مواجهة التملح
وحول تطبيقات (الدرون) يقول الدكتور ياسين الملا: إن تطبيقات (الدرون) تطبيقات كثيرة وهي تعتمد على حاجاتنا والهدف من استخدامها، ومن ضمن تطبيقاتها المهمة عندنا في مجال الزراعة، ما قامت به طالبة الدكتوراه سوسنة بنت هلال الرحبية من كلية العلوم الزراعية والبحرية، إذ استخدمت تقنية “الطائرات بدون طيار” في رسالة الدكتوراه الخاصة بها.
وتهدف الدراسة إلى معالجة مشكلة متفاقمة في سهل الباطنة وهي تداخل مياه البحر مع المياه الجوفية، ولا شك أن هناك عوامل مختلفة منها الاستنزاف الزائد للمياه، وعزوف الناس عن المزارع مما أدى إلى تملّح كبير في التربة والمياه لدرجة أننا نجد بعض المزارع بها نسبة الملوحة أكبر من البحر نفسه! وهذا أثّر بشكل كبير على أشجار النخيل.
وبواسطة “الدرون” قمنا بعمل تقييم وتحليل لمدى تأثر أشجار النخيل بالتملّح وذلك بمقدار بُعدِها عن الشاطئ، وباستخدام تحاليل الصور الجوية عن طريق الكاميرات عالية الدقة، والكاميرات تحت الحمراء وغيرها، استطعنا أن نميز الأشجار عن بعضها بعضًا وعن بقية الأشياء الأخرى، وقمنا بعمل خوارزميات بحيث دمجنا هذه التقنيات لاستخلاص النتائج.
وأضاف الدكتور ياسين: ومن أجل تنفيذ الدراسة اخترنا مزارع عشوائية في ولاية السويق وقمنا بدراسة مدى تأثر أشجار النخيل بمقدار بعدها عن البحر، واكتشفنا من خلال الدراسة بأن نخلة ما يسمى محليًّا ” أم السلة” تعد من أكثر أصناف النخيل مقاومة للملوحة، ولذلك قمنا باختيارها لتطبيق الدراسة عليها ومن ثم مقارنة النتائج ببقية أصناف النخيل المعروفة.
واستخدمنا في ذلك برنامج في (الحاسوب) يقوم بتحليل الصور التي تم التقاطها بواسطة (الدرون) وكانت النتائج المستخلصة دقيقة ومفيدة. وبشكل عام تعد النخيل من أكثر الأشجار مقاومة للملوحة، ولدينا في السلطنة ما يقارب من ثمانية ملايين نخلة ولهذا يجب المحافظة على هذه الثروة الزراعية ودراسة الجوانب التي قد تؤثر عليها في المستقبل.
خارطة لأشجار اللبان
ومن جانب آخر قال الدكتور ياسين: لقد قمنا باستخدام (الدرون) أيضا في محافظة ظفار من أجل التعرف إلى أنواع أشجار اللبان وأماكن زراعتها.
وتحظى شجرة اللبان بأهمية اقتصادية كبيرة في المنطقة، وللبان العماني عدة فوائد واستخدامات، ومثل أشجار النخيل فإن لأشجار اللبان أيضا عدة أصناف وأنواع وأفضلها ما يسمى محليا (الحوجري)، والدراسة التي نقوم بها هي من أجل التعرف إلى أنواع أشجار اللبان، وتحديد أماكن انتشاره، والتعرف إلى العوامل البيئية المحيطة به كخصائص الجو ودرجة الحرارة والمياه المحيطة، إضافة إلى خصائص التربة والملوحة.
وفي نهاية الدراسة سنقوم بإعداد خريطة متكاملة لأشجار اللبان وأماكن وجودها في محافظة ظفار، وبالتأكيد سنقوم باستخدام صور (الدرون) وكذلك صور الأقمار الصناعية، وباستخدام برامج (الحاسوب) و(اللوغاريتمات) من أجل التوصل إلى نتائج مميزة ومهمة.