إعداد/ مروة أمبوسعيدية وإيمان الحسنية
يتطلع مركز أبحاث الاتصالات والمعلومات إلى تحويل حرم جامعة السلطان قابوس إلى حرم جامعي ذكي مع حلول عام 2022م، وكخطوة أولى يتم قريبًا افتتاح مختبر المدن الذكية بدعم وتمويل من الشركة العمانية للاتصالات وشركة “ممكن” لإنترنت الأشياء، وستتم الاستفادة من المختبر كمصدر رئيسي للحلول الذكية التي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وآخر مستجدات التقنيات الرقمية الحديثة، كما سيتم استخدام هذا المختبر لتطوير واختبار وعمل الدراسات وإجراء البحوث حول المدن الذكية من أجل دعم وتطوير وتحسين جودة الحياة في مختلف المدن العمانية.
مصطلح المدن الذكية هو تسخير لجميع التقنيات الجديدة في الثورة الصناعية الرابعة لكل ما يخصُّ الإنسان ويفيده ويرفع من مستوى جودة الحياة لديه، فالهدف هنا هو استدامة رفاهية الإنسان أينما كان باستخدام التقانة الحديثة بشكل عام وأي أسلوب آخر من شأنه تقليل المصاريف وتعزيز التوظيف الصحيح للمصادر. هكذا فسّره الدكتور حافظ بن إبراهيم الشحي، أستاذ مساعد بقسم نظم المعلومات، والمدير التنفيذي لمنصة المدن الذكية.
مستقبل بلا جامعات
لو اخترنا منظومة التعليم للحديث عنها في ظل طفرة التحول إلى مدن ذكية، فإن الدكتور حافظ يوضح أن التطور التقني يشير إلى أن المستقبل سيكون ربما بلا جامعات، كما سيكون هناك حصص افتراضية، ومدارس افتراضية، فما حاجتنا للجامعات والمدارس في ظل توفُّر معظم المعارف ومصادرها في شبكة الإنترنت؟
فالجامعات والمدارس حاليًّا، نحتاجها كمصادر لصقل المهارات وكسب المعرفة ولكننا نستطيع الحصول على الكثير من ذلك أيضًا من خلال الإنترنت، فأكبر جامعة اليوم تُسمى “يوتيوب” وأكبر مكتبة للمعارف المختلفة تسمى “جوجل”، وما نحتاجه اليوم لكسب أي مهارة أو معرفة هو فقط رغبة صادقة في ذلك وجهاز موصل بالإنترنت!
ويوضح الدكتور الشحي أن أغلب المحاضرات في الجامعات تُقدَّم بشكل نظري، وتشكِّل المحاضرات العملية نسبة أقل من ذلك، وإذا ما تأملنا في المحاضرات النظرية فإن أغلبها متوفر على الإنترنت من خلال برامج (MOOC) في الكثير من جامعات العالم وغيرها من الدروس المتوفرة بشكل مجاني أيضًا في مواقع مختلفة. وقد بدأ بالفعل العديد من الطلبة اليوم الاستعانة بمثل هذه المصادر الإلكترونية عند مواجهة صعوبة في فهم المواد داخل فصول الجامعات والمدارس. ليس الطلبة فقط فكثير من المدرسين أيضًا بدأوا بالاعتماد على مثل هذه الدروس الإلكترونية لفهم جديد العلوم والمعارف ومحاولة الاستفادة منها في العملية التعليمية.
التعلُّم في اللحظة
وعن نظام التعليم في المدارس يقول الدكتور حافظ: إن المدارس في الوقت الحالي تقوم بتدريس الطالب جميع المواد من مبدأ (Just in case)، بمعنى أننا ندرِّسه ما يمكن تدريسه لعله يحتاج أغلبها في المستقبل وعند التخصص. فلو تساءلنا عن الأشياء التي درسناها في كثير من المواد إن كنا بالفعل استفدنا منها في تخصصاتنا أو حياتنا العملية، لوجدنا أنها قليلة جدًّا أو معدومة.
لذلك يشجع الدكتور الشحي أن نُعيد النظر في الأسلوب الحالي في التعليم ونتفكر في أساليب حديثة كمنهج “التعلم في اللحظة” (Just in time) على سبيل المثال، والذي يهدف إلى إكساب الطلبة مهارة التعلُّم الذاتي السريع عند الحاجة لذلك. كما أن تطور التعليم لا يجب بالضرورة أن يكون تقليدًا لمناهج تعليمية من دول أخرى، فما قد يصلح في بيئة ومجتمع معين قد لا يصلح في بيئة ومجتمعات أخرى. لذلك يشجع الدكتور حافظ التربويين والمتخصصين في مناهج التعليم لابتكار مناهج جديدة تستأنس بالتطور العالمي في هذا الجانب وتُقدِّم ما يُراعي الخصوصية المحلية والحاجة التنموية في البلد. فما هو الخطأ في ابتكار منهج جديد للتعليم مع مراعاة التطور التقني اليوم ونتائج أهم البحوث المتخصصة والتجارب الدولية؟
توجهات مدروسة
من جانب آخر يؤكد الدكتور الشحي أهمية وضع إستراتيجية واضحة للبلد، يستطيع من خلالها القائمون على التعليم المدرسي والعالي وضع خطط ومناهج تتماشى مع توجهات واحتياجات الدولة. ففي ظل عدم وضوح رؤية وإستراتيجية بعيدة الأمد للبلاد وعدم نضوج سوق العمل المحلي، تسعى مؤسسات التعليم العالي إلى ربط مناهجها بالتوجهات العالمية والتي قد لا تمس بعضها الاحتياجات المحلية. أضف إلى ذلك أن التخصصات الأكاديمية تحتاج عادة لسنوات من التخطيط والإتمام، وهذا الامتداد الزمني قد لا يتناسب مع احتياجات سوق العمل الآنية السريعة والمتغيرة.
وكذلك فإنه في ظل غياب سياسة وطنية تُحدِّد لمؤسسات التعليم المختلفة المهارات المطلوبة في سوق العمل، ليس الآن فقط بل أيضًا في المستقبل تماشيًا مع رؤية البلاد بعيدة الأمد، تقوم مؤسسات التعليم بمحاولة اكتشاف أهم المهارات المطلوبة عالميًّا ومحاولة إدراجها في أهدافها التربوية والتعليمية، الأمر الذي قد لا يتماشى مع احتياجات الدولة الآنية أو المستقبلية.
لذلك فإن الدكتور الشحي يرى بأن تطور التعليم مرهون بنضوج الاقتصاد الوطني وسوق العمل في ظل وجود رؤية/ إستراتيجية واضحة المعالم للبلاد. فإن تمَّ تحديد رؤية البلاد مثلا حول قطاعات الغذاء والسياحة كقطاعات تنافسية وقطاعات النقل واللوجستيات كقطاعات داعمة، فسيسهل الأمر على مؤسسات التعليم العالي تحديد البرامج والمهارات الواجب التركيز عليها. ليس ذلك فحسب، فحتى مناهج التعليم المدرسي سيمكن إعادة تطويرها حول مثل هذه التوجهات، الأمر الذي قد يترتب عليه إلغاء بعض المواد أو التخصصات والتي لن تكون ذات أهمية مما سيقلل من نسبة الباحثين عن عمل بتخصصات غير مطلوبة.