X638311283768843821

 



BosherHallInSide

  

 

حكاية مدينة

يُعدُّ إدراج مدينة قلهات الأثرية في محافظة جنوب الشرقية على قائمة التراث العالمي إنجازًا كبيرًا ومكسبًا ثقافيًّا عالميًّا آخر للسلطنة تفتخر به وتعتز. إذ تمكنت السلطنة قبل ذلك من إدراج أربعة معالم تراثية مهمة ضمن قائمة التراث العالمي خلال العقود القليلة الماضية، هي: قلعة بهلا وسورها، المواقع الأثرية في بات والخطم والعين، أرض اللبان، أنظمة الري – الأفلاج في محافظة الداخلية.

عن مدينة قلهات الأثرية نتحدث مع الدكتور خالد دغلس رئيس قسم الآثار بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية.

 

على قائمة العالم

يوضح الدكتور خالد دغلس المزايا التي أهّلت مدينة قلهات لتكون على قائمة التراث العالمي، إذ اعتمدت اليونسكو عشرة معايير لإدراج المعالم التراثية في أي دولة ضمن قائمة التراث العالمي، واشترطت على المواقع المرشحة أن تكون ذات “قيمة عالمية استثنائية” وتستوفي على الأقل أحد المعايير العشرة. ومن العوامل المهمة التي ذكرها الدكتور دغلس والتي أهلت مدينة قلهات لتكون ضمن قائمة التراث العالمي هي: محافظة المدينة على مستوى عالٍ من الأصالة وعدم تعرضها للتشويه أو التدمير بعد هجرها في القرن السادس عشر للميلاد، كذلك الدور المهم الذي لعبته في تاريخ المنطقة إذ تُعدُّ مدينة قلهات الأثرية أوَّل عاصمة اتخذها مالك بن فهم الأزدي مقرًا له، كما أنها كانت العاصمة الثانية لمملكة هرمز خلال الفترة بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر الميلاديين. وقد لعبت المدينة خلال الفترات المختلفة من استيطانها دورًا كبيرًا في تنشيط الحركة التجارية في الخليج العربي والمحيط الهندي، كما تعدُّ المدينة نموذجًا مميزًا لعمارة وتخطيط مدن الموانئ التي نشطت في العصور الوسطى.

 

ما لا تعرفه عن قلهات


يذكر الدكتور دغلس بعض المعلومات التي لا يعرفها الغالبية عن هذه المدينة، إذ إنه بعد هجرها في القرن السادس عشر للميلاد لم يعد الاستيطان إليها أبدًا، فغطت الرمال والأتربة بقاياها لمئات السنين، وسلمت المدينة وما تركه أهلها فيها من عبث العابثين. ويؤكد الدكتور دغلس أن هذه ميزة نادرة في علم الآثار إذ إن معظم المواقع الأثرية تتعرض للتشويه والتخريب بفعل عوامل طبيعية أو بشرية أو كلاهما، ومن النادر جدًّا أن يبقى موقع أثريّ سليم دون تخريب. وحالة مدينة قلهات تشبه عددًا قليلًا جدًّا من المواقع العالمية المشهورة مثل مدينة طروادة.
ويشير الدكتور أن قلهات عرفها المؤرخون في البداية من خلال ما كتبه عنها الرحالة الذين زاروها، وبقيت قصتها الحقيقية مطوية بين ثنايا الركامات الحجرية المنتشرة في جميع أرجاء المدينة المهجورة حتى بدأ علماء الآثار حديثًا في إماطة لثامها وكشف أسرارها وخباياها، لتحكي لنا قصة مدينة عريقة سطر أهلها قيمًا حضارية عالية تشهد عليها بقايا عمائرها وجوامعها ونفائسها. وسيتمكن الزائر لها من السير عبر شوارعها بين مبانيها من العودة إلى الماضي ومحاكاة معيشة أهلها وكأن المدينة بُعثت من جديد في متحف كبير مفتوح.

 

 

قالو عنها..


أخذت قلهات بالنمو والازدهار بعد تراجع دور مدينة صحار الحضاري، لتحل بموقعها التجاري محل صحار كعاصمة سياسية واقتصادية لإقليم عُمان. ويذكر الدكتور دغلس أن الرحالة ابن المجاور قام برسم مخطط للمدينة يظهر من خلاله أن شكلها كان أقرب إلى مثلث قاعدته على البحر، مشيرًا إلى أن مالك بن فهم أحاط المدينة بسور من الجص والحجر.
ويؤكد الدكتور دغلس هذا التحول في تاريخ مدينة قلهات بذكر ما أورده ياقوت الحموي الذي أشار إلى أن عمارة المدينة كان بعد سنة خمسمائة للهجرة، حيث قال: “هي مدينة بعُمان على ساحل البحر إليها ترفأ أكثر سفن الهند، وهي الآن فرضة تلك البلاد، وأمثل أعمال عُمان عامرة آهلة وليست بالقديمة في العمارة”.
وقد ظلت قلهات مركزًا تجاريًّا مهمًا حتى القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) وهذا ما أكّده الرحالة الإيطالي ماركو بولو الذي زار عُمان في طريق عودته من بلاد المغول، وقال الدكتور دغلس أن ماركو بولو ذكر المدينة باسم قلاياتي، وذكرها في أخبار رحلاته ووصف ميناءها الكبير، الذي يستقبل السفن التجارية القادمة من الهند بسب أهمية موقعه كميناء تجاري وسيط لنقل مختلف البضائع والسلع.
كما يذكر الدكتور دغلس أن الرحالة المغربي ابن بطوطة زار المدينة وأظهر انبهاره بها وبازدهارها التجاري، كما أظهر إعجابه بتنظيم السوق فيها، وكان أكثر ما لفت انتباهه مسجدها الجامع والذي وصفه بقوله “ولها مسجد من أحسن المساجد حيطانه بالقاشانيّ وهو شبه الزلّيج، وهو مرتفع ينظر منه إلى البحر والمرسى، وهو من عمارة الصّالحة بيبي مريم”.
ومع نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، بدأت قلهات بالتراجع إلى أن وصلت حالتها إلى التدهور الواضح. وذلك بسبب الدمار الجزئي الذي أصاب المدينة في الربع الأخير من القرن الخامس عشر الميلادي بسبب زلزال. وفي عام 1508م حاصر الأسطول البرتغالي بقيادة البوكيرك مدينة قلهات من البحر ووجه مدافعه نحو المدينة وأهلها “وبعد معركة ضارية مع سكانها توجه البوكيرك إلى شاطئ المدينة وأمر بإضرام النيران في بيوتها بما كان فيها من السكان وأحرق الجامع الكبير”. ويقول الدكتور دغلس: “في مذكرات البوكيرك التي كتبها حفيده، وصف يدل على الهمجية التي تعامل بها البرتغاليون مع المدينة وأهلها، لكنه حفظ لنا وصفًا لبعض معالم المدينة التاريخية كالمسجد الجامع وبعضٍ من تفاصيله المعمارية، التي تدل على الطراز المعماري المتميز خلال تلك الفترة”.

 

 

اعتراف بالدور الحضاري العالمي للسلطنة


يؤكد الدكتور خالد دغلس على أهمية تسجيل أكبر عدد ممكن من المواقع والمعالم التراثية ضمن قائمة التراث العالمي باعتبارها شهادة عالمية يقر ويعترف بها العالم بالدور الحضاري الكبير الذي لعبته السلطنة في تاريخ تطور الثقافات البشرية عبر العصور المختلفة، كما يساهم هذا في لفت انتباه العالم إلى العمق الحضاري للسلطنة مما يشجع على جلب أعداد كبيرة من السياح لمشاهدة تلك المواقع على أرض الواقع. ويشير الدكتور دغلس إلى الأعداد الكبيرة من المواقع الأثرية والتراثية والطبيعية والكثير من العادات والتقاليد التي تزخر بها السلطنة والتي يمكن إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي، منها مدينتي البليد وخور روري (سمهرم) في محافظة ظفار إضافة إلى كثير من المعالم الطبيعية المميزة والرقصات والفنون الشعبية.

 

 

About the Author

ايمان الحسنية

ايمان الحسنية

محرر محتوى