كتبت: دعاء الوردية
أجاب عن هذا السؤال المستعرب الفرنسي الدكتور إغناثيو فيراندو في محاضرة له بعنوان: “اللغة العربية في إسبانيا” تحدّث فيها عن عربية الأندلس وامتزاجها باللغة الإسبانية، مقدمًا بذلك نموذجًا واضحًا لتفاعل الثقافتين المختلفتين.
وقد أقيمت هذه المحاضرة بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية وبحضور عدد من الأكاديميين والطلبة والموظفين بالكلية.
وخلال تناوله للسياق التاريخي الشارح لوصول اللغة العربية للأراضي الإسبانية ذكر فيراندو أنه لم يشارك في الحملة العسكرية الأولى التي وصلت إلى جزيرة أيبيريا الإسبانية (الأندلس) من المسلمين سوى بضع مئات من العرب وآلاف الأمازيغ من غير العرب، وفيما بعد تمكّن عدد ليس بالكثير من الناطقين باللغة العربية وهم بضعة آلاف في أقل من قرنين من تعريب 3 ملايين من السكان الأصليين حتّى أصبحت اللغة العربية لغة سائدة ومنتشرة آنذاك ليس كلغة للعلم والثقافة فحسب، وإنما أيضًا كلغةٍ للتواصل اليومي.
وأشار إلى أن المسلمين الباقين في إسبانيا بعد سقوط الأندلس تحت السيطرة المسيحية كان لهم الدور في نقل الألفاظ عربية الأصل إلى اللغة الإسبانية، كما أشار أيضًا إلى جهود المسيحيين من مستعربي طليطلة، وهي مدينة تقع قرب العاصمة الحالية مدريد وكانت تحت السيطرة العربية لأربعة قرون قبل أن تصلها الجيوش المسيحية، قائلًا أنهم استمروا في كتابة الوثائق الرسمية كعقود البيع والشراء والإرث باللغة العربية لمدة قرنين، وقد ذكر هذا في سياق حديثه عن قوة اللغة العربية وقدرتها على المقاومة من جهة، وعن عدم جاهزية اللغة الإسبانية آنذاك لتكون لغة ثقافية مُمكّنة تستخدم لتحرير العقود من جهة أخرى.
وحول طريقة دخول الألفاظ العربية في اللغة الإسبانية وضّح أن هنالك طريقتين اثنتين، أولهما عن طريق المسيحيين المستعربين الذين هاجروا إلى شمال إسبانيا خلال قرون حروب الاسترداد أو إعادة الفتح، والطريقة الأخرى عبر المسلمين وغيرهم من الباقين في أراضي إسبانيا بعد سقوطها في أيدي النصارى، إذ كان لهم دور مهم في نقل الألفاظ العربية إلى اللغة الإسبانية، مشيرًا إلى أن الكلمات الإسبانية المشتقة من اللغة العربية يقدر عددها قرابة ألفي كلمة، إلا أن عددًا كبيرًا منها أصبحت غير متداولة في إسبانيا العصرية، إما لكون بعضها تقنية أو مهجورة، أو لأنه حلّت محلّها ألفاظ مأخوذة من لغات أخرى كاللاتينية مثلًا.
وأضاف أن الامتزاج بين لغتين متباعدتين ترك آثارًا لغويةً لافتة للنظر، وخصوصًا أن اللغة العربية لغة سامية، بينما الإسبانية لغة لاتينية الأصل منتمية إلى عائلة الهندوأوروبية.
أورّد الدكتور خلال ردِّه على سؤال أحد الحاضرين أن مكانة اللغة العربية في إسبانيا في الوقت الحالي غير مستقرة، إذ إن بعض الإسبان يملكون رغبة قوية في تعلم اللغة العربية ولكن هذه الرغبة تصطدم لاحقًا بحاجز عدم سهولة اللغة العربية بالنسبة لهم لأسباب مختلفة أهمها المسافة اللغوية الكبيرة بينها وبين اللغة الإسبانية فيقعون في خيبة أملٍ كبيرة، وهنا يكمن دور المستعربين في تحفيز الطلبة وتشجيعهم على دراسة العربية، وعلى كلٍّ فإن ما يبعث على التفاؤل أن عدد الجامعات التي تقدم تخصص اللغة العربية ودراساتها في ازدياد، إذ إنه قبل عشرين سنة كان عددها لا يتجاوز الأربع جامعات، أما الآن فإن عددها بلغ 10 جامعات على الأقل.
يذكر أن المستعرب الإسباني إغناثيو فيراندو هو أستاذ كرسي الدراسات العربية والترجمة بجامعة قادس في إقليم الأندلس، ومهتم بأمهات الكتب الأندلسية، وأيضًا مهتم بالدراسات العربية وترجمة مقدمات المصادر الأندلسية إلى اللغة الإسبانية، كما أنه أنهى الدكتوراه في 1994م وكان بحث الدكتوراه خاصته عن دور مستعربي طليطلة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر من خلال الوثائق التي كتبوها باللغة العربية.