إعداد طالبة الدكتوراه أحلام بنت حمود بن مبارك الجهورية إشراف: أد. أسمهان سعيد الجرو قسم التاريخ، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية
جاء اهتمام عدد من المؤرخين بكتب الفقه عامة، وكتب الفَتاوى خاصة في سياق الاهتمام بتجديد الكتابة التاريخية التي تستدعي تنويع المصادر، لاسيما وأنها غنية بمادة تاريخية ذات أهمية كبيرة، كما أشاد الكثير من الباحثين بكتب الفَتاوى وبيَّنوا أهميتها في الدراسات الخاصة بالمجتمع وحياة الناس اليومية؛ لأنها تُقدم صورة المجتمع الإسلامي في خصوصياته وفي مشاكله وتعقيداته، وتُعد سجلًا حافلًا لجوانب متعددة من حياة الأفراد والجماعات. وهي بصفة عامة مرآة تعكس البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية للمجتمعات.
من هذا المنطلق، جاء الاهتمام بكتاب بيان الشرع الجامع للأصل والفرع لمحمد بن إبراهيم الكندي (ت 10 رمضان 508هـ/ 7 فبراير 1115م)، لمحاولة رسم صورة للمجتمع العُماني في القرنين (4-5هـ/ 10-11م) من خلال كتاب فقهي، وذلك في ظل ندرة المصادر التاريخية العُمانية المؤرخة للحياة الاجتماعية في الفترة موضوع البحث.
وتنبع أهمية دراسة المجتمع العُماني في القرنين (4-5هـ/ 10-11م)، من خلال كتاب بيان الشرع الجامع للأصل والفرع للشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الكندي؛ في التركيز على أحد المصنفات الفقهية الذي كان حوله مدار الفتوى في عُمان طوال قرون عديدة، حيث اعتمدت عليه المصنفات الفقهية التي أُلفت بعده، ورغم هذه الأهمية إلا أنه لم يحظ بدراسة مُركّزة من الناحية التاريخية. وقد جاء اختيار كتاب بيان الشرع لهذه الدراسة، وذلك لعدة اعتبارات، منها: غزارة كتاب بيان الشرع بالمسائل في الجوانب الاجتماعية، كما يُعد مؤلف الكتاب من المعاصرين للأحداث التي تطرقت إليها المسائل، إضافة إلى تنوع المصادر التي استند إليها الكندي كمًا ونوعًا، وشمولية كتاب بيان الشرع، حيث يُعد أكثر كتاب فقهي من حيث عدد الأجزاء في الفترة الزمنية موضوع الدراسة.
وبصفة عامة، تهدف هذه الدراسة إلى رصد جوانب من الحياة الاجتماعية في عُمان في القرنين (4-5هـ/ 10-11م)، من خلال كتاب بيان الشرع الجامع للأصل والفرع للشيخ الفقيه محمد بن إبراهيم الكندي (ت: 508هـ/ 1115م)، والتعرف على الأدوار المختلفة للفئات الاجتماعية، إضافة إلى مكانة المرأة الاجتماعية ودورها الاقتصادي وحضورها العلمي في المجتمع، وأهم القضايا الأسرية والمجتمعية، ورصد صور من العادات والتقاليد المختلفة في المجتمع العُماني.
وبحكم طبيعة الدراسة المستندة على مصدر فقهي، تم التعامل مع الفَتاوى كأساس، إضافة إلى الاستعانة بمصادر أخرى لدعم الدراسة والإعانة على تكامل الموضوع، حيث اتبعت الباحثة المنهج التاريخي التحليلي للمادة العلمية، من خلال قراءة أجزاء كتاب بيان الشرع الإحدى والسبعين لاستخراج وتصنيف وتحليل الفتاوى والمسائل الفقهية المتعلقة بالجوانب الاجتماعية. وقد اعتمدت الباحثة على النسخ المطبوعة من كتاب بيان الشرع والبالغ عددها إحدى وسبعون جزءًا، والتي طُبعت تحت إشراف وزارة التراث والثقافة في الفترة (1984-2006م).
وتم استهداف الفَتاوى ذات الطابع الاجتماعي، من خلال الاستعانة بالعناصر الثلاثة الرئيسة: التاريخ أو المكان أو الشخصيات؛ لمعرفة تاريخ الفتوى. كما أن المظاهر الاجتماعية لها صفة التراكمية بمعنى أن بعض الفَتاوى لا تحتوي على أي من العناصر الآنفة الذكر ولكن من خلال تتابع الفَتاوى وحديثها عن نفس الموضوع يمكن استنتاج مدى ارتباطها بغيرها من الفَتاوى. كما أن الجوانب الاجتماعية يصعُب بأي حال من الأحوال تجزئتُها حسب السنوات لأن الأحداث الاجتماعية تتداخل مع بعضها البعض فلا يحدها زمان ولا يفصلها عام، وتغيرها وتطورها يحتاج إلى فترات تاريخية طويلة متداخلة.
وقُسِّمت الدراسة إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، حيث تناولت المقدمة نبذة عن طبيعة الدراسة وأهميتها وأهدافها وتقسيماتها، وتوضيح الإطار الزماني والمكاني، والمنهجية المستخدمة فيها. وتناول الفصل الأول المكانة العلمية للشيخ الفقيه محمد بن إبراهيم الكندي، والأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية السائدة في عصره، كما ناقش أهمية كتاب بيان الشرع من خلال التعرف على آلية جمعه ونسخ مخطوطاته ومحتوى أجزائه وأهميته التاريخية؛ أما الفصل الثاني فأوضح فئات المجتمع العُماني في ضوء مسائل بيان الشرع. وخُصص الفصل الثالث للحديث عن الأُسرة والمجتمع، ورصد بعض الصور الاجتماعية المتنوعة في: المأكل والملبس والترفيه والتداوي.
وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج، منها: التأكيد على أهمية المصنفات الفقهية العُمانية في دراسة التاريخ العُماني بصفة عامة، ودراسة التاريخ الاجتماعي بصفة خاصة، والكشف عن الأهمية التاريخية لكتاب بيان الشرع بين المصنفات الفقهية العُمانية، والمكانة العلمية لمؤلفه الشيخ محمد بن إبراهيم الكندي، وتوضيح أدوار فئات المجتمع، وإبراز مكانة المرأة الاجتماعية ودورها الاقتصادي في المجتمع، والتعرف على أهم القضايا الأُسرية والمجتمعية، ورصد التنوع في مظاهر التكافل الاجتماعي في المجتمع، من خلال العناية ببعض الفئات المجتمعية، والمرافق العامّة، والتعرف على بعض مظاهر الحياة الاجتماعية في المأكل والملبس والترفيه والتداوي.
وتُوصي الدراسة بتوجيه البحث العلمي نحو دراسة تحليلية لكتب التراث العُماني بشكل عام، والتراث الفقهي بشكل خاص، من خلال تحقيق وطباعة الكثير من تلك الكتب التي لا تزال مخطوطة، إضافة إلى توجيه الباحثين نحو دراسة الكثير من الموضوعات البحثية من خلال كتاب بيان الشرع، كدراسة مؤسسة القضاء وتتبع تطورها التاريخي، والحياة الاقتصادية من خلال المسائل الفقهية.