- د. نبهان بن حارث الحراصي/ كلية الآداب والعلوم الاجتماعية.
يتسابق العالم اليوم نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، وهو اقتصاد قائم على استغلال الطاقات البشرية في توليد المعرفة المعتمدة أساسًا على الإبداع البشري، وتحويلها إلى منتجات قابلة للاستخدام والتطبيق، وإلى استثمارها كمصادر للدخل، ولتحقيق هذا المسعى، تطور الحكومات خططها الإستراتيجية والتنفيذية التي تهدف إلى الوصول لهذه الغاية، ويعد التعليم والبحث العلمي أهم ركائز الاقتصاد القائم على المعرفة.
التطورات التي حدثت في العقدين الماضيين في بنية البحث العلمي في السلطنة تكللت بإنشاء مجلس للبحث العلمي، وقد ساهم بعد سنوات من نشأته في وضع السياسات والتشريعات المتعلقة بالبحث، كما نجح في إقامة علاقات مع مجموعة من بيوت الخبرة الدولية، فضلا عن دوره في مجال تدريب الباحثين، ورفع الوعي بأهمية البحث العلمي.
رغم التقدم الذي تحقق، والتجربة التي قادها مجلس البحث العلمي في دعم الأبحاث العلمية، وسد الفجوة القائمة بين البحث العلمي وواقع الحياة، تفاجأ الوسط العلمي خلال السنتين الماضيتين بمحدودية موازنة المجلس المخصصة للأبحاث العلمية، وتوقف تقديم المنح البحثية، الأمر الذي نتج عنه تباطؤ في تحقيق الأهداف المرسومة، ووجود حالة من الإحباط في وسط مجتمع الباحثين، وبخاصة الأكاديميون في الجامعات والكليات العمانية.
تزامن توقف المنح البحثية المقدمة من مجلس البحث العلمي مع إيقاف الترقيات الأكاديمية في معظم المؤسسات الأكاديمية بالسلطنة، وهي ترقيات لا تخضع لتراكم السنوات بل إلى النشاط البحثي، والتدريس، وخدمة المجتمع، أي أن استحقاقها يخضع لتقارير المحكمين واللجان العلمية، وتقتصر على النشطاء والمتميزين في مجال البحث العلمي. التخوف القائم الآن من تأثُّر نشاط البحث العلمي بسبب هذا الإجراء نظرًا لأن الترقية تعد حافزًا لمواصلة الجهد، وينظر إليها على أنها مرتبة علمية مستحقة تحقق الكثير من المكاسب المعنوية على الصعيد الشخصي والمؤسسي.
كل هذه التحديات التي واجهت منظومة وبيئة البحث العلمي في السلطنة يمكن تداركها متى ما ارتبط البحث العلمي بالتخطيط الإستراتيجي، والتوجه نحو تنويع مصادر الدخل، واستثمار العقول البشرية المتميزة، ومتى ما كان هناك إدراك ووعي بأهمية البحث العلمي في إنتاج المعرفة، وفهم السلوك البشري، وابتكار وتطوير وسائل تسهل حياة الأفراد والشعوب، وتضمن استمرارية التقدم والتطور.