X638311283768843821

 

جهينة المقبالية: شغف البحث الطبي يجسّد تمكين المرأة العُمانية في ميادين الصيدلة الإكلينيكية

 

في مسيرةٍ حافلةٍ تجمع بين الدقة العلمية والعطاء الإنساني، تبرز الفاضلة جهينة بنت سالم المقبالية نموذجًا مُلهِمًا للمرأة العُمانية التي اختارت أن تجعل من البحث الطبي رسالةً لخدمة الإنسان والمجتمع. بين جدران مستشفى جامعة السّلطان قابوس - المدينة الطبية الجامعية، تقف جهينة بصفتها أخصائية أولى صيدلة إكلينيكية وباحثة في العلوم الصحية، حيث تنسج بخبرتها وعلمها خيوط التميّز في تطوير البروتوكولات العلاجية والبحوث الوطنية، مجسّدةً رؤية القيادة الحكيمة في تمكين المرأة العُمانية علميًّا ومهنيًّا، ولنتعرف عليها أكثر، كان لنا معها هذا الحوار...

 

 

من هي؟

اسمي جهينة بنت سالم المقبالية، صيدلانية إكلينيكية وباحثة في مجال العلوم الصحية، أعمل أخصائية أولى صيدلة إكلينيكية في مستشفى جامعة السّلطان قابوس - المدينة الطبية الجامعية. حصلت على بكالوريوس الصيدلة مع مرتبة الشرف من كلية عُمان الطبية عام 2011))، ثم نلت درجة الماجستير في الصيدلة الإكلينيكية بامتياز من جامعة السّلطان قابوس عام 2014))، وكذلك حلصت على شهادة الاعتماد الأمريكي في العلاج الدوائي السريري من الكلية الأمريكية للصيدلة السريرية عام 2023. كما حصلت على شهادة القيادة والإدارة من كلية هارفارد للأعمال-الإفتراضية عام 2025. وأُتابع حاليًّا دراسة الدكتوراه في قسم الصيدلة الإكلينيكية والفارماكولوجي في الجامعة ذاتَها (2025-2026).

 

 

  • ماذا يعني لكِ يوم المرأة العُماني وأنتِ باحثة تُمثلين نموذجًا للمرأة العُمانية في المجال الطبي؟

يوم المرأة العُماني هو محطة فخر واعتزاز لكل امرأة أسهمت في نهضة الوطن، ويُجسّد الرؤية السامية لجلالة السّلطان في تمكين المرأة العُمانية في جميع المجالات. بالنسبة لي كباحثة، يُمثل هذا اليوم فرصةً للتأمل في حجم التقدّم الذي وصلت إليه المرأة في العلوم الصحية والبحث الطبي، ولتجديد العهد على مواصلة العمل والعطاء بما يخدم المرضى والمجتمع. إنّ وجود المرأة في مواقع القيادة البحثية والأكاديمية اليوم هو نتاج ثقة وطنية ورسالة مسؤولية نحو تمكين أجيال جديدة من الباحثات.

 

  • ما الذي دفعكِ لاختيار تخصص الصيدلة الإكلينيكية، وكيف ترين دوره في تطوير المنظومة الصحية في عُمان؟

اخترت الصيدلة الإكلينيكية رغبةً مني في ربط الجسر الحيوي بين المعرفة الدوائية والممارسة الطبية. هذا التخصص لا يقتصر على صرف الدواء، بل يُشارك في اتخاذ القرار العلاجي ومتابعة فعالية وسلامة العلاج داخل أجنحة المستشفى. من خلال عملي كصيدلانية إكلينيكية في المستشفى الجامعي، شاركت في تطوير بروتوكولات علاجية وطنية مثل بروتوكول علاج فرط سكر الدم، وضبط الجرعات العلاجية للأدوية عالية الخطورة مثل الفانكومايسين والوارفارين. هذه المبادرات أسهمت في تحسين جودة الرعاية وتقليل الأخطاء الدوائية، ما يُعزز دور الصيدلة الإكلينيكية كركيزة في تطوير المنظومة الصحية في سلطنة عُمان.

 

  • بحكم دراستك الحالية لدرجة الدكتوراه، ما أبرز محاور بحثك، وما الذي تطمحين إلى تحقيقه من خلاله على مستوى المرضى والمجتمع؟

يتركز بحث الدكتوراه الذي أعمل عليه في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة السّلطان قابوس على العلاقة بين المغنيسيوم وأمراض السكري من النوع الثاني، من خلال دراسة عشوائية مزدوجة التعمية (RCT)  تهدف إلى تقييم أثر مكمّلات أكسيد المغنيسيوم على التحكم في سكر الدم والمضاعفات القلبية الوعائية. الطموح من هذا المشروع ليس فقط تقديم نتائج بحثية عالية الأثر، بل بناء قاعدة بيانات وطنية تُسهم في تحسين بروتوكولات علاج مرضى السكري في سلطنة عُمان وإقليميًّا ومن ثم عالميًّا، وتعزيز الممارسة القائمة على الأدلة في الرعاية الإكلينيكية من خلال مكمل غذائي لا يشكل عبئًا أو خطرًا، وقليل التكلفة.

 

  • حصلتِ على عدة جوائز بحثية مرموقة، مثل جائزة أفضل باحثة شابة وجوائز وطنية في الأبحاث الطبية. كيف أسهمت هذه الجوائز في تعزيز مسارك الأكاديمي والمهني؟

تُمثل الجوائز البحثية التي حصلت عليها - منها جائزة أفضل باحثة شابة لعام 2022))، وكذلك حصول الفريق البحثي المشارك على جوائز وطنية في مجال الأبحاث الطبية لعامي - (2023-2024) دافعًا قويًّا للاستمرار في المسار البحثي وتعزيز التميز الأكاديمي. هذه الجوائز كانت بمثابة اعتراف مؤسّسي بجهود الفريق البحثي، وأدّت إلى توسيع نطاق التعاون البحثي، والحصول على منح تمويلية من وزارة التعليم العالي والبحث والابتكار وأخرى من الجامعة، ما أسهم في تطوير أبحاث ذات أثر ملموس على مستوى الممارسة السريرية.

 

  • برأيك، كيف يمكن للمرأة العُمانية في المجال الصحي أن تكون عنصرًا فاعلًا في خدمة المجتمع وتعزيز الوعي الصحي؟

المرأة في المجال الصحي تمتلك قدرة فريدة على الجمع بين المعرفة العلمية والتواصل الإنساني. من خلال تمثيلها في الرعاية الإكلينيكية والتعليم والبحث، يمكنها أن تكون صوتًا مؤثرًا في نشر الوعي الصحي وتصحيح المفاهيم الطبية في المجتمع. شاركتُ في بعض الحملات التوعوية والمقابلات الإعلامية تحت مظلة جامعة السّلطان قابوس، لتبسيط نتائج الأبحاث للجمهور، مما يُعزز مفهوم "البحث لخدمة المجتمع".

 

  • أنتِ عضو في العديد من اللجان الطبية والبحثية وساهمتِ في تطوير بروتوكولات علاجية وطنية. كيف تقيّمين أثر هذه المبادرات على تحسين جودة الرعاية الصحية في عُمان؟

المشاركة في إعداد ستة بروتوكولات علاجية كان لها أثر واضح في رفع جودة الرعاية الصحية، إذ أسهمت في توحيد الممارسات السريرية وتعزيز سلامة استخدام الأدوية في المستشفى الجامعي وخارجه، حيث تم نشر بعضها في مجلات عالمية. شملت هذه البروتوكولات مجالات محورية مثل الوارفارين، والفانكومايسين، وعلاج فرط سكر الدم، والانسحاب الكحولي، وعلاج الملاريا، إضافةً إلى تطوير إرشادات للقسطرة بالمضادات الحيوية.

هذه الجهود انعكست إيجابًا على تقليل الأخطاء الدوائية وتحسين نتائج المرضى، كما رسّخت ثقافة العمل الجماعي والتكامل بين الصيادلة والأطباء والممرضين، وهو ما أراه جوهر التطوير الحقيقي في منظومة الرعاية الصحية بعُمان.

كما شاركت في إعداد وتطوير الامتحانات المهنية للصيادلة بالتعاون مع المجلس العُماني للاختصاصات الطبية (OMSBضمن لجنة متخصصة تهدف إلى توحيد معايير الكفاءة والتقييم المهني في القطاع الصحي. تضمّنت مساهمتي إعداد أول امتحان عُماني لمختصّي الصيدلة عام (2020)، والمشاركة لاحقًا في مراجعة امتحان مساعدي الصيدلة عام2021) ).

هذه التجربة كانت فرصة لتعزيز جودة التدريب والتعليم الصيدلاني، وضمان أن تكون مخرجات التقييم متوافقة مع المهارات الإكلينيكية المطلوبة في الممارسة الواقعية. وأسهمت هذه الجهود في رفع مستوى تأهيل الصيادلة العُمانيين، وإرساء ثقافة مهنية قائمة على الجدارة والكفاءة والالتزام بمعايير السلامة الدوائية.

 

  • إلى أي مدى ترين أنّ جامعة السّلطان قابوس تُتيح للباحثات والطالبات الفرص لقيادة مشروعات علمية وبحثية؟

جامعة السّلطان قابوس تُعد بيئة حاضنة للبحث العلمي، وتوفّر للباحثات الدعم الأكاديمي والتمويلي لتولي زمام المبادرات البحثية. من واقع تجربتي، وجدت أنّ الجامعة تُشجّع على تكوين فرق بحثية يقودها باحثون وباحثات، وتمنح فرصًا للمشاركة في المؤتمرات الإقليمية والدولية، ومنح التمويل والدعم المالي، مما يُعزز تمثيل المرأة العُمانية عالميًّا.

كما تشرّفت بالمشاركة مع أساتذة من الجامعة، وبالأخص من قسم الصيدلة الإكلينيكية، للمساعدة في متابعة أبحاث عدة من طلبة الماجستير في الصيدلة الإكلينيكية، وهو ما يُترجم إيمان المؤسسة بدور الباحثات في بناء المعرفة الوطنية.

 

  • ما رسالتك لطالبات الصيدلة والطب اللواتي يتطلّعن إلى السير على خطاك في البحث العلمي والعمل الأكاديمي؟

رسالتي لهن: ابدأن بخطوة، وامنحن الشغف فرصة أن يقودكن. البحث العلمي ليس طريقًا سهلًا، لكنّه ممتع ومجزٍ لمن يحمل الشغف لخدمة المريض والمجتمع. أنصحهن بالاستفادة من الإشراف الأكاديمي، والمشاركة في المشروعات البحثية مبكرًا، وعدم التردد في طرح الأسئلة العلمية. فكل تجربة صغيرة تفتح بابًا لاكتشاف جديد، وكل مشروع بحثي هو فرصة لترك بصمة في مسيرة الطب العُماني.

 

  • ما التحديات التي واجهتك كامرأة عُمانية في المجال الطبي والأكاديمي، وكيف استطعتِ تجاوزها؟

أبرز التحديات كانت في الموازنة بين متطلبات البحث الأكاديمي والعمل السريري ودوري كربّة منزل، خاصة في بيئة تحتاج إلى الدقة والانضباط العالي. تجاوزت ذلك من خلال إدارة الوقت بفعالية، ودعم أسرتي وزملائي، والإيمان بأنّ التحديات تصقل التجربة ولا تُعيقها.

 

  • أين ترين نفسك بعد إكمال الدكتوراه؟ وهل هناك طموحات لابتكار مشروعات أو أبحاث تخدم البلاد بشكل خاص؟

بعد إتمام الدكتوراه، أطمح إلى مواصلة المسيرة البحثية في مجال التدخلات الدوائية والأمراض المزمنة، بالتعاون مع الطاقم الصيدلي في المستشفى الجامعي ومختلف المؤسسات الصحية في البلاد، مع التركيز على تعزيز التواصل والتكامل مع كليات الصيدلة لتوحيد الجهود الأكاديمية والبحثية على المستوى الوطني.

وانطلاقًا من إيماني العميق بأنّ تأهيل الكفاءات الصيدلانية يمثل حجر الأساس لتطوير الممارسة الصيدلانية الحديثة، أعمل مع الزملاء على تطوير برنامج التدريب في الصيدلة الإكلينيكية بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، بما يُسهم في توحيد منظومة التدريب الوطني بين المستشفيات الجامعية والمراكز التخصصية في مختلف محافظات البلاد.

 

 

About the Author