تأملات حول العلاقة بين عُمان والولايات المتحدة الأمريكية
بقلم ريتشارد هارود
من المعروف أن الولايات المتحدة والوطن العربي قد تشاركا في تاريخ معقد، وفي الفترات القريبة اتصفت العلاقات بين المنطقتين بالتوتر. ومع ذلك، يقدم التاريخ أمثلة على المصالح والاحترام المتبادل.
كما كتب المؤرخ الأمريكي الفلسطيني أسامة مقدسي في كتبه ومقالاته، فإن المبشرين الأمريكيين احترموا العرب في بلاد الشام واعتبروهم أذكياء وصادقين ولطفاء، وأن تاريخهم كان مجيداً، حتى لو كانوا يحاولون إقناعهم باعتناق الديانة المسيحية (ولا بد من الإقرار بأن المبشرين فشلوا في هذه الجهود بشكل عام).
من ناحية أخرى، اهتم كثير من الرحالة العرب بأمريكا، وهاجر بعضهم إليها. على سبيل المثال، اليمنيون في مدينة نيويورك، واللبنانيون في ولاية داكوتا الشمالية، والسكان العرب الكبار في مدينة ديربورن في ولاية ميشيغان مشهورون في الولايات المتحدة والشرق الأوسط بلا أدنى شك.
وفوق هذا، تبين دراسة العلاقات بين الأمريكيين والعُمانيين تحديدًا أن العلاقات الجيدة ليست ممكنة فقط، بل إنها كانت موجودة في معظم تاريخنا المشترك. في هذا الصدد، اشترك العُمانيون والأمريكيون في المصالح التجارية قبل عصر النفط بوقت طويل. وقد كتب المؤرخ ماثيو هوبر أن التجار الأمريكيين استوردوا أكثر من عشرة ملايين رطل من التمر العُماني سنوياً عام 1875م. وطوال أواخر القرن التاسع عشر، أبحرت السفن التجارية الأمريكية من أماكن مثل "سالم" في ماساتشوستس من أجل هذه السلعة الثمينة والمرموقة.
ومن الجدير بالذكر أن هذه التجارة المربحة كانت نتيجة للعلاقات التجارية بين رجال الأعمال العُمانيين والأمريكيين العاديين، واستفاد الطرفان من هذه التبادلات. ووفقًا للمؤرخ هوبر، عندما وصلت السفينة الأمريكية من مدينة سالم، واسمها "غليد"، إلى ميناء مسقط عام 1865، استغرق تحميل التمور على متن السفينة حوالي 20 يومًا. وفي نهاية العملية، احتفل الأمريكيون والمسقطيون – وهم خليط غير متجانس من العرب والهنود – معًا على سطح السفينة حتى الرابعة صباحًا وتبادلوا الهدايا. ويمكننا أن نتخيل أن عددًا من التبادلات والخبرات مثل هذه حدثت مرات كثيرة وكانت من ركائز العديد من العلاقات التجارية.
ولا حاجة للبيان أن بداية هذه العلاقات كانت على الأرجح الرحلة المشهورة للسفينة "سلطانة" من مسقط إلى أمريكا عامي 1839/1840. فإنني متأكد أن الأحداث العامة واسم أحمد بن النعمان معروفة لدى كل الطلبة العُمانيين. ولكن اللافت في الأمر أن الوثائق التاريخية تبين تقديرًا متبادلًا بين قائدي البلدين. فمثلًا، أحضر ابن النعمان هدايا ورسالة من السلطان سعيد بن سلطان للرئيس مارتن فان بيورين. ومع أن الرئيس الأمريكي لم يستطع قبول الهدايا لأن الدستور الأمريكي كان وما زال يمنع الرئيس من قبول الهدايا والمساهمات من القادة الأجانب، رد الرئيس فان بيورين إلى السلطان سعيد برسالة كريمة ولطيفة.
وقد ذكر الرئيس الأمريكي في هذه الرسالة أن أحمد بن النعمان استلم الرسالة من سعيد بن سلطان، وقال إنها كانت "مصدر فرح كبير بالنسبة لي، ولرغبتي أن يُؤسَّس تفاعل جيد بين بلدينا. وإن رؤية سفينة ترفع عَلَمكم ترسوا في ميناء بالولايات المتحدة يعطيني الأمل أن علاقاتنا ستكون قوية وطويلة الأمد". وذكرت الجرائد الأمريكية أن مهندسين من جامعة هارفارد جاءوا إلى ميناء نيويورك فيما بعد وساعدوا العُمانيين في إصلاح سفينتهم، فقد عانت من التدهور نتيجة لرحلتها الطويلة.
يتذكر التاريخ أسماء القادة و"الرجال الكبار" في الماضي، ولكنني أعتقد أنه من المفيد التركيز على الناس العاديين كذلك. فإن التعاون بين العُمانيين والأمريكيين في ميناء نيويورك يشكّل حوارًا حقيقيًا بين الحضارات.
بالإضافة إلى ذلك، تاريخ الجمعية التبشيرية الأمريكية في عُمان معروفة في عُمان. ومع أن المبشرين لم ينجحوا في الغاية الأهم، قاموا بعدد من المشروعات الأخرى. فمثلًا، قدموا التعليم والخدمات الطبية للشعب العُماني قبل عام 1970. وخلال هذه الفترة، ارتحل بعض العُمانيين من مناطق بعيدة لزيارة الطبيب الأمريكي في مسقط، إذ اقتصرت الخدمات الطبية آنذاك على عدد قليل من العيادات والمستوصفات، وذلك في أواخر الستينيات فقط. واليوم، تواصل خليفة هذه الجمعية عملها بشكل مركز "الأمانة" في مطرح، الذي لا يبشّر بالديانة على الإطلاق الآن، بل يركز على الحوار بين الأديان وتعزيز التسامح الديني.
إن المشاكل السياسية التي توجد بين الولايات المتحدة والوطن العربي حقيقية وتشكل عائقًا لتطور السلام في الشرق الأوسط الأكبر، ولكن من واجبنا تذكر أن إمكانية التعاون والتسامح والصداقة بين الشعوب موجودة. والعلاقات بين الأمريكيين والعُمانيين تقدم مثالًا مفيدًا في هذا السياق.
About the Author