عدم اليقين ومحفظتك
- د. أحمد وصال الرخ – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية
كيف تؤثر ظروف عدم اليقين في السياسات الاقتصادية العالمية على الطلب على النقد في دول الخليج؟
في عالمنا المتغير بسرعة، غالبًا ما يتساءل الأفراد: هل أحتفظ بالنقد، أم أستثمر في العقارات، أم أضع أموالي في البنك؟ هذه القرارات اليومية، وإن بدت بسيطة، إلا أنها جزء من مفهوم اقتصادي أوسع يُعرف باسم الطلب على النقود - أي مقدار النقد الذي يرغب الأفراد في الاحتفاظ به في أي وقت. إن فهم دوافع الطلب على النقود ليس مجرد تمرين أكاديمي، بل هو أمر بالغ الأهمية لتصميم سياسة نقدية فعّالة.
يعتقد الاقتصاديون أن الطلب على النقود يعتمد بشكل رئيسي على عاملين: الدخل وأسعار الفائدة. إذا ارتفع دخلك، فأنت على الأرجح بحاجة إلى المزيد من النقد لمعاملاتك اليومية. من ناحية أخرى، إذا ارتفعت أسعار الفائدة، يصبح الاحتفاظ بالنقد أقل جاذبية، ويفضل الأفراد الادخار أو الاستثمار. لكن في السنوات الأخيرة، ظهر عامل جديد وهو ظروف عدم اليقين في السياسات الاقتصادية العالمية.
يتتبع مؤشر عدم اليقين في السياسة الاقتصادية العالمية التقلبات في الاقتصادات الكبرى استنادًا إلى التغييرات العالمية فيما يتعلق بالضرائب، أو الجمارك، أو الإنفاق الحكومي، أو أسعار الفائدة، أو غيرها من المتغيرات الاقتصادية. وتتأثر دول مجلس التعاون الخليجي إلى حد ما بظروف عدم اليقين في السياسة الاقتصادية العالمية نظراً لارتباط سعر صرف عملاتها بالدولار الأمريكي، كما أن اقتصاداتها تعتمد بشكل كبير على التجارة العالمية وصادرات النفط. لذلك، عندما يزداد ظروف عدم اليقين في الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة أو الصين أو أوروبا، يمكن أن يؤثر ذلك على السلوك الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي.
أظهرت نتائج دراسة حديثة أجراها الكاتب تأثير ظروف عدم اليقين في السياسات الاقتصادية العالمية على الطلب على النقود في دول مجلس التعاون الخليجي. واشارت النتائج إلى وجود دليل على "عدم التماثل" في سلوك الافراد تجاه الطلب على النقود؛ بمعنى أن الافراد لا يتفاعلون بالطريقة نفسها مع تزايد عدم اليقين كما يتفاعلون مع تراجعه. يعني هذا "عدم التماثل" أن الأفراد قد يُقللون بسرعة من حيازاتهم النقدية عند تزايد عدم اليقين، لكنهم قد لا يزيدون حيازاتهم النقدية مرة أخرى عندما تهدأ الأمور.
ففي دولة الكويت، وسلطنة عُمان، ودولة قطر، هناك دليل على تزايد احتفاظ الافراد بنقود أقل مع تزايد ظروف عدم اليقين الاقتصادي العالمي، ولكن مع انخفاض حالة عدم اليقين، لا ينتعش الطلب على النقود بسرعة. بينما يستجيب الطلب على النقود في المملكة العربية السعودية عند انخفاض حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي. وفي الإمارات العربية المتحدة يُقلل الافراد من حيازاتهم النقدية عندما يرتفع مستوى عدم اليقين، ولكن لا يحدث تغيير يُذكر عند انخفاضها. وفي دولة البحرين يبدو إن الطلب على النقود مستقرًا، مع استجابة محدودة للتغيرات في حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي. هذه النتائج تُسلّط الضوء على كيفية تغيير الأفراد في دول مجلس التعاون الخليجي لسلوكهم تجاه الاحتفاظ بالنقد بناءً على مدى الاستقرار الاقتصادي العالمي.
فمع سعي دول مجلس التعاون الخليجي نحو استراتيجيات تنويع اقتصادية، فإنها تزداد اندماجا مع القوى الاقتصادية العالمية مما يتطلب إدراك كيفية تأثير ظروف عدم اليقين في السياسات الاقتصادية العالمية على السلوك الاقتصادي المحلى مما يساعد بدوره صانعي السياسات الاقتصادية على توقع التحولات الاقتصادية العالمية وحماية الاستقرار المالي المحلي.
About the Author