X638311283768843821

 



Banner-02

السدر: شجرة مباركة متعددة الفوائد

30 Jun, 2025 |
  • أحمد بن خميس السديري-باحث مساعد بمركز الدراسات والبحوث البيئية.

في قلب المناطق الجافة وشبه الجافة في العالم العربي، تبرز شجرة السدر كرمز للحياة والصمود. تنتمي هذه الشجرة إلى جنس (Ziziphus) من الفصيلة النبقية (Rhamnaceae)، وتُعرف محليًا وفي دول الخليج واليمن باسم "السدر"، بينما يُطلق على ثمارها اسم "النبق". لقد أثبتت هذه الشجرة أهميتها البيئية والاقتصادية، خصوصًا في ظل التغيّر المناخي وتدهور الأراضي، حيث تُعدّ من الأنواع المقاومة للجفاف والحرارة والملوحة، ما يجعلها خيارًا استراتيجيًا للزراعة المستدامة في البيئات القاحلة. وتنمو شجرة السدر في مناطق تمتد من غرب إفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية، وصولًا إلى الهند. وتفضل السدر البيئات الصحراوية ذات الأمطار القليلة (50-300 مم سنويًا) لكنها غالبًا ما تنمو في الأودية حيث المياه الجوفية متاحة. في سلطنة عُمان، تنتشر في السهول الجبلية والمناطق الزراعية التقليدية، وتشكل جزءًا من التراث الزراعي المحلي. السدر شجرة دائمة الخضرة، يمكن أن تصل إلى ارتفاع 10 أمتار، وتتميّز بجذور وتدية عميقة تتيح لها امتصاص المياه من أعماق التربة، وهي صفة تجعلها مقاومة للتصحر ومناسبة لمشاريع إعادة التشجير.
ثمرة السدر غنية بالسكريات الطبيعية (كالجلوكوز والفركتوز والسكروز) وتحتوي على كميات مرتفعة من فيتامين C، حيث تبلغ نسبة حمض الأسكوربيك في لب الثمرة المجفف حوالي 98 ملغم/100غم، وهي نسبة تتفوق على العديد من الفواكه الشائعة مثل البرتقال والفراولة. كما تحتوي البذور على نحو 28.5% من الزيوت الغنية بالأحماض الدهنية غير المشبعة مثل حمض اللينوليك (45%) واللينولينيك (20%)، مما يمنحها خصائص مضادة للميكروبات، خاصة ضد Escherichia coli) و(Bacillus subtilis. أما الأوراق، فهي مصدر غني بالكالسيوم (1270 ملغم/100غم) والمغنيسيوم والحديد، ما يجعلها مفضلة كعلف للماشية، خاصة خلال فترات الجفاف.
لطالما شكلت ثمار السدر مصدرًا غذائيًا مهمًا للسكان المحليين، خصوصًا في السودان واليمن وسلطنة عُمان. يتم استهلاك الثمار طازجة أو مجففة، وفي بعض المناطق تُطحن الثمرة المجففة وتخلط مع السمسم أو الزبادي لصنع كرات غذائية تُخزّن لاستخدامها لاحقًا. أما في سلطنة عُمان، فيُطحن كامل الثمر مع النواة لصنع دقيق يستخدم لتحضير وجبات تقليدية، مع أكل الثمرة التي قد تجدها تباع في الأسواق التقليدية. كما يُعدّ عسل السدر من أغلى أنواع العسل في العالم، ويتميّز بطعمه الفاخر وخصائصه العلاجية، ما يضفي قيمة اقتصادية إضافية على هذه الشجرة.
وللسدر تاريخ طويل في الطب الشعبي، حيث يُستخدم لعلاج طيف واسع من الأمراض. في السودان مثلًا، تُستخدم الفواكه لعلاج الإسهال والملاريا، بينما يُستخدم مسحوق الأغصان لعلاج الروماتيزم ولدغات العقارب. وتُستخدم مغليّات القلف والجذور كمضادات للتقلصات المعوية، وكمسهلات أو مهدئات. كما في بعض المناطق من الدول العربية تُغلى الأوراق وتُعطى للنساء خلال الولادة المتعثرة، لدورها في تحفيز التقلصات الرحمية. كذلك تُستخدم في تنظيف المعدة وتنقية الدم. أما في فلسطين ومصر، فتُستخدم الأوراق لعلاج التهابات العين، وآلام الأسنان، والجروح الجلدية. وتؤكد العديد من الدراسات الحديثة خصائص السدر كمضاد للأكسدة، وخافض للسكر والضغط، ومعزز للمناعة. كما أن أوراق السدر الجافة والمطحونة التي تسمى محلياً بالغُسل، تعد غسل أساسي لتنظيف البشرة والشعر، حيث إنه له فوائد في تقليل تساقط الشعر وتعزيز صحة فروة الرأس. وأيضاً يستخدم الغسل في تغسيل جسد المتوفى كما جاء في السنة النبوية الشريفة كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه (حديث رقم 1253) عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: «دخل علينا رسول الله صل الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته، فقال: اغسلنها ثلاثاً أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن، بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني».
وتُستخدم شجرة السدر في مشاريع تثبيت الكثبان الرملية ومكافحة التصحر، بفضل نظامها الجذري العميق والمتشعّب. كما أنها تُزرع كمصدات رياح طبيعية في المناطق الزراعية، وتُساهم في تحسين خصوبة التربة من خلال تعزيز الفوسفور المتاح. في بعض المناطق، تُزرع السدر بين المحاصيل لزيادة الإنتاجية الزراعية بطريقة تكاملية.
مع التوجه العالمي نحو الزراعة المستدامة وتحقيق الأمن الغذائي في البيئات القاحلة، تبرز السدر كخيار مثالي. يمكن إدماجها ضمن نظم الزراعة الحرجية لتحسين إنتاجية المزارع، وتوفير غذاء وعلف ووقود للسكان المحليين، مع تحسين خصوبة التربة وتقليل تآكلها، وخفض الغازات الدفينة المسببة للاحتباس الحراري.  وتشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن منتجات السدر تصنّف ضمن المنتجات الغابية غير الخشبية ذات الأهمية الاقتصادية، مع إنتاج سنوي يصل إلى 8890 طنًا في السودان وحده. وتمثل شجرة السدر أكثر من مجرد نبات بري، فهي كنز من كنوز الطبيعة غني بالفوائد الغذائية والطبية والبيئية، وتحمل بداخلها إمكانيات اقتصادية ضخمة إذا ما استُثمرت بشكل علمي ومدروس. ومن هنا، فإن إدماجها في الخطط التنموية والزراعية، ودعم أبحاثها، والحفاظ على تنوعها الوراثي، يُعدّ خطوة ضرورية نحو تنمية مستدامة شاملة في مناطقنا الجافة.


 

About the Author