- بقلم : رزان بنت خالد الحارثية
في عصر التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، قامت العديد من القطاعات بتطويع الذكاء الاصطناعي لخدمتها، ومواكبة التطورات لأجل الاستفادة القصوى منه، كلٌّ في مجاله؛ ومن أبرز القطاعات التي أسهمت في الاستفادة منه قطاع التعليم. وكشخصٍ لطالما نظر إلى التكنولوجيا الحديثة بنظرة حياد، وبنظرة مشككة، خاصة تجاه الذكاء الاصطناعي حتى نهاية المسيرة الجامعية، إلا أني مؤخرًا بدأتُ أنظر بموضوعية إلى الذكاء الاصطناعي كأي وسيلة، وأي شيء جديد قد قوبل بالرفض في البداية. ولكن، إلى متى؟
هل الذكاء الاصطناعي نقمة على طلبة الجامعة حقًا؟ هل هو ذو وجه واحد؟ هل يسهم فقط في تراجع الإبداعية والإنتاجية والاستقلالية للطلاب؟ ألا يمكن أن يكون عملة ذات وجهين؟ وجه سلبي وآخر إيجابي؟
وللمؤسسات حرية الاختيار في استخدام واستغلال الذكاء الاصطناعي بشكلٍ آخر، بحيث يخدمها ويساعدها في دفع عجلة التنمية والتطوير في قطاع التعليم، بدلًا من اتخاذ موقف المحاربة والقلق أحيانًا؟
لطالما مررنا كطلبة جامعيين بالكثير من التعليقات المستهجنة من قبل الدكاترة الأكاديميين في الجامعة على الذكاء الاصطناعي، ويمكن تفهم وجهة نظرهم لما عاينوه من واقع تعاملهم مع الطلبة، ومعايشتهم للجانب المظلم للاستخدام الخاطئ للذكاء الاصطناعي من قبل الطلبة الجامعيين، مثل: الغش الأكاديمي، وتراجع مهارات التفكير النقدي والتحليلي والاستقلالية عند بعض الطلاب بسبب الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، ونشر معلومات غير دقيقة واستخدامها في تكاليفهم بسبب سوء استخدامهم أو حتى عدم تتبع المعلومات ونقدها والبحث عن صحتها، مما سبَّب تحديات في تقييم الأداء الأكاديمي، وصعوبة التمييز بين الأعمال الطلابية والأعمال التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، وصعوبة تقييم الأكاديميين لأداء الطلبة.
وكم دخلتُ في محاورات عديدة مع الطلبة أنفسهم، بين مؤيد ومحايد لنفع وفاعلية الذكاء الاصطناعي، ويمكن تفهم نظرة كل الأطراف؛ فالذكاء الاصطناعي كأي شيء آخر في الحياة له إيجابياته وسلبياته، والمعروف أن استخدام الذكاء الاصطناعي في البحوث الأكاديمية يُعدّ غشًّا ويُعاقب عليه في الجامعات. وهذا التشريع لم يأتِ من فراغ، بل لأجل مصلحة الطلاب. ولكن، ألا يمكن تجاوز هذه الصراعات السلبية التي قد لا تفيد على المدى البعيد؟
المعروف أن الذكاء الاصطناعي لن يتراجع أو يختفي في المستقبل، بل سيكتسح الكثير من المجالات مستقبلًا، وسيزداد استعماله، وهذا ما قد يتنافى مع التشريعات أو القوانين التي تُشكّك بفاعلية الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية بدلًا من أن تستفيد منه.
فمما لا شك فيه أن الأجيال التي نشأت وستنشأ وتفتح أعينها على الذكاء الاصطناعي، كما حدث مع الأجيال التي نشأت على الإنترنت، لن تمتنع عن استخدام الذكاء الاصطناعي، بل سيصبح استخدامه أمرًا اعتياديًا وشائعًا.
ويمكن ملاحظة مدى هيمنة الذكاء الاصطناعي على حياة الإنسان اليومية، واللجوء إليه حتى في المسائل الشخصية أو القرارات البسيطة اليوم، ناهيك عن استخدامه في الدراسة.
في هذه الحالة، لن تستفيد المؤسسات من الوقوف في وجه استخدام الذكاء الاصطناعي، بل عليها أن تُطوِّعه لأجل الأجيال القادمة، وذلك بإدخاله في المنظومة التعليمية. وبدلًا من المخاوف، عليها التفكير في الطرق والوسائل الصحيحة التي تستطيع تعليمها للأجيال القادمة، وذلك للاستخدام الأمثل للذكاء الاصطناعي، وتوعيتهم باستخدام الذكاء الاصطناعي للبحث العلمي، والتعلُّم، والنمو، والتطوير، والاستقلالية، وتنمية الشخصية، عن طريق تطبيق متطلب جامعي يُعلِّم الطلبة الطريقة المثلى لاستخدام هذه التقنية في النجاح، وتنمية قدرات الطالب الجامعي ومهاراته، وحتى إبداعاته، دون أن يلجأ إليها ويستخدمها بطرق غير صحيحة وبتوجس وبتكاسل واعتماد تام ومُبتذل.
أي خلق التوازن وتقليل الفجوة الحاصلة بين الطلبة والدكاترة الجامعيين والذكاء الاصطناعي، لخدمة الطالب الجامعي، ومساعدته على توفير الوقت والجهد، وتحقيق أعلى استفادة من التطور التكنولوجي، ومساعدة الأكاديميين في استغلال هذه الوسيلة لتصبح رابطًا بينهم وبين الطلبة الجامعيين.
ختامًا، تتقدم الأمم بمدى انفتاحها على التطورات الإيجابية التي تخدمها، وهذا ما لمسه المواطن العماني منذ عصر النهضة، القائمة على فكرة الحفاظ على التراث مع الانفتاح على العالم بشكل إيجابي.
ولابد أن تثق المؤسسات التعليمية بعقول الطلبة، التي يُفترض بها أن تنشغل بما هو أسمى من التحايل على الدكاترة أحيانًا لأجل إنجاز تكاليف تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بل بدلًا من هذا، يُفترض أن تتعلم كيف تستخدم هذه الوسيلة بطرق صحيحة وإيجابية، وكيف تميز بين المعلومات الموثوقة وغير الموثوقة، وكيف يستخدمون الأساليب النقدية في الحصول على أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي في الفهم والتعلم واكتساب مهارات تساعدهم في سنواتهم الجامعية، ثم في بيئة العمل والحياة.
لأنه، وكما قرأتُ ذات مرة: “أحيانًا يكون الثبات سقوطًا، والزمن لا يلتفت للثابتين”.
وهذه هي الفكرة التي قد يكون على الجامعات إعادة النظر فيها: الشجاعة في مواجهة الذكاء الاصطناعي، بدلًا من الانصياع للمخاوف المرتبطة بهذه التقنية، عن طريق إشراك الذكاء الاصطناعي في العمليات التعليمية، وتحديث السياسات الأكاديمية المرتبطة بتحديد استخدام الذكاء الاصطناعي في الأعمال الأكاديمية، وتوضيح ما يُعتبر مشروعًا وما يُعدّ غشًّا، وتقديم ورشات ودورات تدريبية عن الطريقة الصحيحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الأعمال الأكاديمية، وتوعيتهم بمدى أهمية النزاهة الأكاديمية.