X638311283768843821

 



Banner-02

هدىً للشباب: علاقة الجيل الصاعد بالقرآن الكريم في العصر الحالي

04 May, 2025 |

 

حاوره: الوليد محمد الشقصي

 

في زمن تتقاطع فيه التحديات الفكرية والاجتماعية والنفسية مع تسارع العصر الرقمي، يقف الشباب أمام أسئلة مصيرية تتعلّق بالهوية، والقيم، والمستقبل، وفي ظل هذا الواقع المتقلب، يظل القرآن الكريم كتابًا خالدًا لا يفقد حضوره، بل يزداد حاجةً وضرورة، فهل يدرك شباب اليوم عظمة هذا الكتاب؟ وهل يستطيعون أن يتعاملوا معه كمنهج حياة؟ وكيف يمكن أن يكون القرآن مصدر إلهام عملي في حياتهم الجامعية واليومية؟

 

في هذا الحوار نسلّط الضوء على علاقة الشباب بالقرآن الكريم، ومدى إدراكهم لأبعاده التربوية والنفسية والسلوكية، من خلال رؤية علمية وتأملية يقدمها لنا البروفيسور الدكتور سعيد راشد الصوافي، الأستاذ المتخصص في الدراسات القرآنية والفكر الإسلامي، والذي ينقل لنا بفكر تحليلي دقيق كيف يمكن أن يعود القرآن ليكون النور الهادي لجيل يبحث عن المعنى والبوصلة.

 

القرآن ككتاب حياة

حول سؤالنا الأول بشأن كيفية فهم الشباب للقرآن الكريم على أنه كتاب حياة لا يقتصر على الشعائر فقط، يقول الدكتور سعيد:

"القرآن الكريم هو دستور الحياة، ليس كتاب عبادة فحسب، بل كتاب هداية شاملة، كما قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}. وقد تعبدنا الله بتلاوته وحفظه وتدبّره، لنُيسر على أنفسنا فهمه والعمل به، الشباب اليوم بحاجة لفهم أن هذا الكتاب العظيم ليس للمناسبات فقط، بل ليقود حياتهم، ويكون مرجعهم في القرارات والمواقف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم)".

 

إجابة العصر

ومع تسارع أنماط الحياة وتغيّر الأسئلة التي يطرحها الجيل الجديد، يبرز سؤال محوري: هل لا يزال القرآن قادرًا على الإجابة؟

يؤكد الدكتور سعيد بثقة: "القرآن أنزله الله ليكون صالحًا لكل زمان ومكان، وقد جعله الله مرنًا في ألفاظه، عميقًا في معانيه، قادرًا على مواكبة المستجدات، فالله يقول: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ}، ويقول: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ}، فقط على الإنسان أن يتدبر ويتأمل، وسيجد الجواب حتمًا بين آياته".

 

 

القراءة التقليدية والمعاصرة

حول الفرق بين الفهم التقليدي للنص القرآني وقراءته بروح العصر، يرى الدكتور الصوافي أن:"الفهم لا يجب أن يكون إما تقليديًا أو معاصرًا، بل مزيجًا واعيًا بين الاثنين، وعلينا أن نقرأ النص بعيون معاصرة، دون إلغاء ما توصل إليه السلف الصالح، خاصة الصحابة الذين عاشوا تنزّل القرآن وفهموه مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم، الجمع بين الأصالة والمعاصرة هو طريق الفهم المتوازن".

 

دور الشباب في تدبّر القرآن

وعند سؤاله: هل تدبّر القرآن مقتصر على العلماء فقط؟ يجيب الدكتور سعيد:"القرآن خُوطب به الناس كافة، وأُمروا بتدبّره، لكن قدرات الناس تتفاوت، لذلك على الشباب أن يبدأوا بتدبّره حسب استطاعتهم، مع الرجوع للمتخصصين عند الحاجة، وهكذا تبقى العلاقة حيّة بين الفرد والقرآن".

 

القيم القرآنية داخل الجامعة

وحول القيم التي يدعو إليها القرآن، كالصدق والنزاهة والتسامح، وكيف يمكن ترجمتها داخل البيئة الجامعية، يقول الدكتور الصوافي:"القرآن لا يخص المسجد فقط، بل هو لحياة الإنسان كلها، داخل الجامعة وخارجها، والنموذج الأمثل في ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي وصفته أم المؤمنين عائشة:(كان خلقه القرآن)، وعلى الطالب الجامعي أن يقتدي بالنبي، ويتعامل بأخلاقيات القرآن، في سلوكه، وفي علاقاته، وفي التزامه العلمي".

 

منظومة أخلاقية لبناء الشخصية

في حديثه عن أهمية القرآن في بناء شخصية الطالب الجامعي، يؤكد الدكتور سعيد أن:"الطالب الذي يتمثل أخلاقيات القرآن هو النموذج الحقيقي الذي تحتاجه الأمة اليوم، القرآن هو حبل الله المتين، ومنهج متكامل في بناء النفس والعقل والسلوك، وكل من سار على هديه أصبح إنسانًا متزنًا في مواقفه، ناضجًا في تعاملاته، مؤثرًا في مجتمعه".

 

خطاب الشباب: القلق والهوية والمستقبل

عن قدرة القرآن على مخاطبة قضايا الشباب المعاصرة، كالقلق والهوية والمستقبل، يقول الدكتور الصوافي:"القرآن الكريم هو مرجع روحي ونفسي عظيم، وهو خير من يخاطب الإنسان في قلقه وحيرته، فمن يعيش مع القرآن، يجد الطمأنينة، ويخرج من ظلمات النفس إلى نور السكينة، كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ}، ويبتعد عن الأمراض النفسية والانهيارات التي باتت منتشرة".

 

الحرية والانفتاح من منظور قرآني

وعن سؤالنا المتعلق بقيم الحرية والانفتاح، يوضح الدكتور سعيد:"القرآن لم يعارض الحرية، بل أسس لها على أسس متينة، فهو يدعو إلى التأمل والبحث والتفكر، لكن ضمن إطار الاستخلاف الإلهي، الإنسان حر، نعم، لكنه مسؤول، والحرية في الإسلام ليست انفلاتًا، بل التزامًا بمنهج الله، أما الانفتاح فمرحب به ما دام لا يصطدم بثوابت الدين".

 

تحديات أمام الشباب

وفي تحليله لأبرز التحديات التي تعيق ارتباط الشباب بالقرآن اليوم، يذكر الدكتور الصوافي:"من أخطر التحديات هي الانشغالات الرقمية وثقافة الاستهلاك السريعة، الشباب ينجذب لما هو جديد ومثير، ويبتعد عن التأمل والقراءة والتدبّر، أضف إلى ذلك بعض أنماط التنشئة التي لا ترسّخ حب القرآن، والخطاب الديني التقليدي الذي لا يجيد مخاطبة العصر".

 

ظاهرة العزوف: كيف نواجهها؟

يؤكد الدكتور سعيد أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب استراتيجية شاملة:"لا بد من مؤسسات حاضنة تحتضن الشباب، وتعيد لهم علاقتهم مع القرآن بأسلوب عصري، مشوّق، واقعي، بعيد عن التنفير أو الوعظ الجامد".

 

المنصات الرقمية في خدمة القرآن

وفيما يخص توظيف وسائل التواصل الحديثة، يرى الدكتور سعيد أن:"المنصات الرقمية ليست عدوًا للقرآن، بل يمكنها أن تكون وسيلة رائعة لنشره، بإمكاننا إنتاج محتوى قرآني شبابي، تفاعلي،مبسط، يناسب أذواق الجيل الجديد، وينقل القرآن من المنبر إلى الشاشة، ومن الورق إلى التطبيق".

 

الطالب الواعي قرآنيًا

أما عن متطلبات الطالب الجامعي ليكون أكثر وعيًا بالقرآن، فيوضح الدكتور سعيد:"نحتاج إلى برامج تعليمية مدروسة، تُظهر للطالب كيف يكون القرآن قريبًا من حياته، ووسيلة لترتيب أولوياته، وتقوية شخصيته، وزيادة إدراكه لذاته ومجتمعه".

 

نصيحة ختامية

وفي ختام حديثه، يوجه الدكتور سعيد الصوافي رسالة مؤثرة للشباب، فيقول:"يا شباب، أقبلوا على القرآن بقلب محبّ، وجددوا علاقتكم به؛ فهو حبل الله المتين، وسرّ النجاح في الدنيا، ومفتاح الفلاح في الآخرة. من تمسّك بالقرآن، عاش سعيدًا، وفهم ذاته، وتألق في حياته".

 

About the Author