حاوره: أصيل عقيل باعلوي.
في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، برز الذكاء الاصطناعي التوليدي كأحد أبرز الابتكارات التقنية التي تعيد تشكيل ملامح العمل والبحث والتعليم على حد سواء. وبينما تتسع تطبيقاته لتشمل مجالات متعددة، يطرح هذا النوع من الذكاء تساؤلات جوهرية حول الدور البشري، وحدود الأخلاقيات، ومستقبل الإبداع الإنساني. في هذا الحوار، نسلط الضوء على أبعاد الذكاء الاصطناعي التوليدي، وإمكاناته وتحدياته، ومدى تأثيره على المشهد الأكاديمي والمعرفي، من خلال آراء وتحليلات مختصين في المجال.
وعبر هذا الحوار، نتعرّف على مدى إدراك الأكاديميين وفهمهم لأبعاد الذكاء الاصطناعي التوليدي، من حيث الإمكانات والتحديات التي يفرضها في الحقل الأكاديمي. وقد كان لقاؤنا مع الدكتور سعيد الشامي، أستاذ مساعد في قسم الأصول والإدارة التربوية، والمتخصص في التخطيط التربوي وسياسة التعليم، حيث قدّم رؤية متعمقة حول تأثير هذه التقنية على منظومة التعليم والبحث العلمي.
التعريف التوليدي
حول تعريف الذكاء الاصطناعي التوليدي من منظور أكاديمي، يخبرنا الدكتور سعيد الشامي: “الذكاء الاصطناعي التوليدي هو فرع من فروع الذكاء الاصطناعي يركّز على تصميم خوارزميات قادرة على إنتاج نصوص وصور وفيديوهات؛ إذ تعتمد هذه الخوارزميات على نماذج ضخمة من البيانات التي تم تدريبها عليها. وكلما كانت جودة وحجم البيانات المقدمة أعلى، ازدادت دقة وفعالية المخرجات، والعكس صحيح. ومن أبرز أمثلة هذه الأدوات التوليدية تطبيقات مثل ChatGPT وElicit وConsensus، التي تحاكي قدرات النموذج البشري في توليد المحتوى بناءً على المعلومات المعطاة لها.”
التطوير البحثي
وحول الدور الذي يمكن أن يؤديه الذكاء الاصطناعي التوليدي في تطوير البحث العلمي، يستعرض الدكتور سعيد بعض الإسهامات التطبيقية فيقول:
“يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي أن تضيف قيمة كبيرة للعمل البحثي منذ اللحظة الأولى لاستكشاف موضوع الدراسة، إذ إنها مدربة على كميات ضخمة من البيانات، مما يسرع صياغة إشكالية البحث وتحليل الأدبيات. فعلى سبيل المثال، يتيح هذا النوع من الأدوات إنجاز مهام تتطلب عادة أكثر من أسبوعين في يومين فقط، مع توليد أفكار وأسئلة بحثية جديدة أثناء سير العمل.
ويُكمل الدكتور سعيد قائلاً: “أما على الصعيد الكمي، فتوجد تطبيقات متخصصة مثل ChartPixel وLexalytics وRows لتحليل البيانات الإحصائية بسرعة ودقة مما تسهل وتزيد من المعلومات في البحث العلمي . كما يُعتبر الإشراف اللغوي والتدقيق في المراجع التي توفرها منصات التوليد التلقائي بمثابة كنز كبير للباحثين ذوي المهارات المحدودة في اللغة الإنجليزية، إذ تتفوق غالبًا على أدوات الترجمة التقليدية مثل Google Translate أو محركات البحث الأكاديمي مثل Google Scholar.”
ويؤكد الدكتور سعيد : “بأنه الباحث هو المتحكم في جودة البيانات ومدى موثوقية النتائج، فالأداة المولدة ما هي إلا أداة مساعدة لا تغني عن المراجعة البشرية الدقيقة.”
جودة الأبحاث
يتناول تأثير استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي على جودة الأبحاث الأكاديمية، يرى الدكتور سعيد الشامي أن لذلك وجهين؛ إيجابي وسلبي، يعتمدان تمامًا على مدى معرفة الباحث بأخلاقيات الاستخدام وكفاءة هذه الأدوات. فمن الإيجابيات، يعزّز الذكاء الاصطناعي مستوى اللغة وصقل الأسلوب الأكاديمي، كما يتيح ترجمة دقيقة إلى لغات أخرى ويدعم غير الناطقين بالإنجليزية، فضلاً عن تسريع مراجعة الأدبيات والتأكد من صحتها وتدقيقها. إضافة إلى ذلك، يوفر الباحث معلوماتٍ إضافية دقيقة ترفع من كفاءة البحث وتطوّره.
أما من الناحية السلبية، فإن النماذج التوليدية قد تنتج استشهادات ومراجع وهمية أو غير دقيقة، مما يهدد مصداقية النتائج البحثية. ويشير الدكتور سعيد إلى أن الاعتماد المفرط على هذه الأدوات يبعد الباحث عن القراءة المتعمقة للمصادر، وقد يفقد تدريجيًا مهارات التحليل والإبداع والنقد. كما أنه يجعل البحث العلمي يحتوي معلومات سطحية وغير متعمقة و قد تخلط بين مفاهيم متقاربة وتعرض الباحث لأخطاء منهجية، لذا يؤكد ضرورة التحقق الدقيق من كل معلومة ومصدر يقدمه الذكاء الاصطناعي.
التحديات الأخلاقية
ويستعرض الدكتور سعيد أبرز الإشكالات الأخلاقية فيقول: “من أهمها الانتحال الأكاديمي، حيث يُقدَّم عمل لا يعكس جهد الباحث الحقيقي، بالإضافة إلى عدم الإفصاح عن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في أجزاء من البحث. كما تُعدّ التحيزات الخوارزمية من أبرز التحديات، إذ يمكن أن تؤدي إلى نتائج غير عادلة أو غير دقيقة، ويضاف إليها انتهاك الخصوصية عندما تُخزَّن بيانات الباحثين أو المشاركين وتُحلَّل دون ضمانات واضحة لحمايتها، ما يفتح الباب أمام تسريبها أو استغلالها دون إذن أو معرفة صاحبها.”
ويتابع الدكتور سعيد: “أما الحد الفاصل بين الاستخدام الأخلاقي وغير الأخلاقي فيكمن في الشفافية والإشراف البشري؛ فالإفصاح الصريح عن الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي أصبح شرطًا أساسيًا في معظم المجلات العلمية، كما تشترط هذه المجلات مراجعة بشرية دقيقة للمخرجات للتأكد من دقتها وصحتها وأخلاقيتها قبل النشر.”
السياسات المؤسسية
ويستعرض الدكتور سعيد بعض الجهود الأكاديمية فيقول: “تعمل الجامعات عالميًا على صياغة سياسات لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وقد أصدرت جامعة السلطان قابوس إرشادات واضحة حول توظيفه في التعليم والبحث، غير أن لا توجد حتى الآن سياسة موحدة على المستوى العالمي”.
ويضيف على الصعيد ذاته: “ينبغي للجامعات تعزيز الوعي بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي من خلال اعتماد مقرر إلزامي حول أخلاقيات توظيف التقنية في البحث العلمي، وتنظيم حلقات عمل ومحاضرات متخصصة، ووضع سياسة جامعية واضحة تحدد شروط استخدام هذه الأدوات”.
ويختم الدكتور سعيد بتوجيه نصيحته للباحثين وطلبة الدراسات العليا قائلاً: “تعلموا كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة لا بديلاً عن التفكير البشري، وتحققوا دائمًا من المصادر والمعلومات التي تقدّمها هذه الأدوات لضمان دقة وجودة الأبحاث”.