X638311283768843821

 





بنر انوار638809914890247596



  

 

بعد خمسة أعوام…” مدى” يعود بحصاد من الابتكار

23 Apr, 2025 |

 

تقرير: سالمة بنت علي الهاشميّة

 

شهدت القاعة الكبرى بجامعة السلطان قابوس فعاليات النسخة الثالثة عشرة من المهرجان الزراعي “مدى”، والذي تنظمه جماعة العلوم الزراعية والبحرية خلال الفترة من 20 إلى 23 أبريل 2025، تحت شعار “من أعماق الجذور إلى الآفاق”. وقد شكّل المهرجان هذا العام مساحةً علميةً ملهمة، جمعت بين المعرفة والابتكار، وقدّمت رؤىً طموحة لتعزيز مفاهيم الاستدامة في البيئة العُمانية، بما يتماشى مع أهداف رؤية عمان 2040.

يُعد مهرجان “مدى” فعالية سنوية ينتظرها طلاب الجامعة والمهتمون بالعلوم الزراعية والبحرية على حد سواء. وبعد انقطاع دام خمس سنوات، عاد هذا العام بصورة أكثر شمولًا، مستعرضًا 25 مشروعًا علميًا، شارك فيها أكثر من مئة مشارك ومشاركة من مختلف المؤسسات داخل السلطنة وخارجها.

لم يكن المهرجان مجرد معرض تقليدي، بل تجربة متعددة الأبعاد؛ حيث توزعت الفعاليات بين أركان المشاريع البحثية، وركن الهوية البصرية للمهرجان، وأركان تعليمية تخصصية، وورش تطبيقية وجلسات حوارية، اختُتمت بأمسية فنية ثقافية جمعت بين الجمال والمعرفة. وقد لعبت اللجان الطلابية دورًا محوريًا في تنظيم المهرجان، بدعم من الشركات الراعية: شركة المطاحن العُمانية، ذا ميرياد مسقط، الشركة الخليجية لإنتاج الفطر، شركة فودافون، وعمّار استوديو.

 

جهود طلابية متكاملة

تحدّثت جِنان بنت عيسى الرياميّة، نائبة رئيس جماعة العلوم الزراعية والبحرية، عن الدور التنظيمي للجان الثلاث تحت إشرافها، قائلة: “يأتي هذا المهرجان لتأصيل مفهومي الاستدامة والابتكار في المجالين الزراعي والبحري. لقد استقبلنا ما يزيد عن 80 مشروعًا من داخل السلطنة وخارجها، وشملت المشاركات باحثين أفرادًا وشركات ومشاريع طلابية. بعد عملية تصفية دقيقة، استقر العدد على 25 مشروعًا تم تقديم ورش تطبيقية لهم قبل انطلاق المعرض.”

وأضافت عن الجانب الإعلامي: “صممنا ثلاث هويات للمهرجان - بصرية وسمعية وشمية - لنوفر للزائر تجربة حسّية متكاملة تعمّق ارتباطه بالمكان والحدث.” وختمت: “هذه التجربة غيّرتني كثيرًا. بدأت منذ أغسطس الماضي، وقد ساعدتني في تطوير مهاراتي الإدارية والتنظيمية، كما قرّبتني أكثر من الكلية وأكاديمييها.”

من جانبها، أوضحت هديل بنت يوسف البطاشيّة، رئيسة لجنة الفعاليات: “قدّمنا ثلاث ورش متخصصة: الابتكار واستثمار الأفكار، التحليل والتسعير، والتسويق الإلكتروني، ونظّمنا جلسة حوارية بعنوان ‘الاستدامة في المجال الزراعي والبحري’، بمشاركة أكاديميين قدموا أوراقًا بحثية مهمّة. “كان شعوري أننا نرسم الواقع أمام أعيننا، بمساندة رائعة من الجماعة والإدارة والعائلة.”

كما استعرض عماد بن أحمد النبهاني، رئيس لجنة التنفيذ، تفاصيل عمل لجنته: “عملنا على تصميم الأركان وتنسيقها بما يتناسب مع أهداف المهرجان، مع مراعاة الجانب الجمالي والعملي. اليوم، نفتخر بما تحقق من مشهد بصري متناغم يليق بروح ‘مدى’.”

 

مشاريع تثري المشهد العلمي

في قلب المهرجان، تمازجت المعرفة بالمشاعر، حيث عرض المشاركون مشاريعهم العلمية بروحٍ تحمل الحماسة والشغف، ورووا تجاربهم من زاوية إنسانية أثرت الحضور وأعطت للمشروعات بعدًا يتجاوز الجانب العلمي.

فمن قسم علوم التربة والماء والهندسة الزراعية، قدّم عبد الله بن سليم البلوشي، الطالب بالكلية العسكرية التقنية، مشروع “نظام الري الذكي بالطاقة الشمسية”، وهو نظام يعتمد على حساسات دقيقة تقيس رطوبة التربة وحرارتها وحموضتها، لتُبرمج آليًا عمليات الري باستخدام الذكاء الاصطناعي ودون تدخل بشري، ويعمل المشروع بالكامل بالطاقة الشمسية. وقد تحدّث عبد الله عن تجربته قائلاً: “كأول مشاركة لنا بهذا المشروع، أضاف لنا المهرجان الكثير مما يفيدنا في تطوير الفكرة ودمجها ضمن مشروعنا الأكبر. كما استفدنا من تبادل الخبرات مع بقية المشاريع المشاركة.”

وفي قسم علوم الغذاء والتغذية، عرضت إباء بنت سلطان السعديّة، الطالبة بكلية العلوم، مشروع “Ecobiona”، حافظة طعام مبتكرة تحتوي على طبقة داخلية مستخرجة من مخلفات القشريات البحرية، تساهم في امتصاص الروائح والرطوبة ومنع نمو الميكروبات، بهدف تقليل الاعتماد على المواد الكيميائية. وتحدثت إباء بشغف عن مشاركتها: “المهرجان الزراعي كان منصة مثالية لإيصال منتجنا إلى المجتمع، ورفع الوعي بأهمية البدائل الأحيائية. لقد فتح لنا أبوابًا جديدة نحو التطوير والاستدامة.”

أما في قسم اقتصاد الموارد الطبيعية، فقدّم الطالب أحمد بن خميس الغافري مشروع “Ecozola”، الذي يستهدف إنتاج إيثانول حيوي من نبات "الأزولا" لاستخدامه في صناعات متعددة منها العطور والمنظفات والمختبرات. وأكد أحمد أهمية هذه المشاركة قائلاً: “وفّر لنا المهرجان فرصة الالتقاء بالمستثمرين والأكاديميين، وهو ما لم نجده في فعاليات أخرى. خصوصية المهرجان واهتمامه بالمجال الزراعي جعلا التجربة أكثر عمقًا وفاعلية.”

ومن قسم علوم النبات، قدّمت رضوى بنت محمد الخروصيّة، الطالبة من مدرسة سلمى بنت قيس، مشروع “نَقير”، وهو مبيد نباتي طبيعي مستخلص من نواة التمر، طارد للحشرات ومقوٍ للنباتات، يتميّز بانخفاض تكلفته وفاعليته المثبتة مخبريًا. وتحدثت رضوى عن الأثر الإيجابي للمشاركة: “أفضل ما في المهرجان هو ما يقدمه لنا زواره من المختصين من نصائح وتوجيهات أضافت كثيرًا للمنتج، كما ساعدنا في الوصول إلى جمهورنا الحقيقي من المزارعين والمهتمين بالزراعة.”

وفي قسم علوم البحار، عادت ميثاء بنت سعيد الهنداسية، خريجة الكلية، لتشارك بمشروعها “S4”، إسفنجة بيئية صُمّمت من بقايا قصب السكر، تُستخدم لفصل النفط عن الماء، وتُعد صديقة للبيئة وفعالة في البيئات المائية العذبة والمالحة. تحدثت ميثاء عن تجربتها العاطفية مع المهرجان قائلة: “من نائبة رئيس الجماعة في النسخة الثانية عشر إلى مبتكرة مشاركة اليوم، المهرجان كان دائمًا نقطة تحوّل في مسيرتي، واليوم يعود ليمنحني بعدًا تسويقيًا وتطويريًا جديدًا لمشروعي.”

ومن جهة علوم الحيوان والبيطرة، استعرض معتزّ بن يحيى السيابي، خريج الكلية، دراسته “دراسة وبائية لتفشي داء البيروبلازموزيس في الإبل العربية”، والتي ترصد طفيليات تؤدي إلى تدمير كريات الدم الحمراء وتسبب أنيميا حادة في الإبل، بهدف تقليل الخسائر الاقتصادية وتحسين برامج الرعاية البيطرية. وعن مشاركته أوضح معتزّ: “المهرجان كان فرصة للوصول إلى الفئات المستهدفة من مربي الإبل والباحثين، وساهم بشكل كبير في نشر نتائج البحث وتوسيع نطاق تأثيرها.”

 

ختامٌ على عتبات الأفق

جاء مهرجان “مدى” هذا العام ليجدد الحماس في نفوس الطلبة والمهتمين بالزراعة والبيئة، ويؤكد أن الشباب قادرون على إعادة الحياة للمبادرات الخاملة، حين تتوفر لهم المساحة والدعم. لقد كانت أيام المهرجان أيامًا من الإبداع والحلم والعمل الجماعي، والثمار بدأت تظهر منذ الآن في مشاريع قابلة للتطبيق وطاقات شبابية تعد بالكثير.

لقد تجاوز “مدى” كونه فعالية علمية إلى كونه تجربة تعليمية وإنسانية متكاملة، أعادت الحياة إلى روح العمل الطلابي الجماعي، ورسّخت مفاهيم الاستدامة والمشاركة الفاعلة في بناء مستقبل زراعي وبحري أكثر وعيًا وتأثيرًا، تمامًا كما أراد منظمو هذا المهرجان أن يكون: من الجذور… إلى الآفاق.

About the Author