- تقرير: سالمة بنت علي الهاشميّة
في أجواء يملؤها الشغف العلمي وروح الابتكار، تواصل جامعة السلطان قابوس فعاليات “المهرجان العلمي 21”، الذي يُعد منصة سنوية تحتفي بالإبداع الطلابي، وتجمع العقول الشابة لعرض نتاجهم البحثي والتطبيقي في مختلف التخصصات العلمية. ويهدف المهرجان إلى إبراز المشاريع الطلابية التي تجمع بين الجوانب العلمية والتقنية والبيئية والصناعية، وتقديمها بصورة احترافية تواكب متطلبات السوق والمجتمع، في بيئة تفاعلية تسهم في بناء قدرات الطلبة وتوسيع آفاقهم المهنية والبحثية.
وقد تحوّلت أروقة المهرجان إلى فضاء ديناميكي يعجّ بالأفكار المتجددة والتجارب الطموحة، وسط حضور واسع من المهتمين والزوار، حيث تنوعت المعروضات بين مشاريع تخرج مبتكرة، وتقنيات بيئية وصناعية، وتطبيقات رقمية تعكس مستوى التفكير الإبداعي لدى الطلبة.
تنظيم محكم وجهود طلابية كبيرة
وعن تفاصيل الإعداد للمهرجان، أوضحت منار بنت راشد الكلبانيّة – نائبة رئيس لجنة المعرض – أن الاستعدادات لـ “المهرجان العلمي 21” انطلقت منذ نوفمبر الماضي، حيث بدأت باختيار الهيكل الإداري من قِبل إدارة الكلية وجماعة العلوم، عبر مقابلات شخصية لاختيار الكفاءات الطلابية المناسبة. وأضافت أن اللجان المختلفة عملت على وضع خطة شاملة لكل تفاصيل المهرجان، بدءًا من التصور العام وحتى التطبيق على أرض الواقع.
وأشارت منار إلى أن تنظيم المهرجان يشرف عليه أكثر من 60 طالبًا وطالبة موزعين على 12 لجنة تشمل: الإدارة العليا، المشاريع، المعرض، الافتتاح والختام، التنظيم، المسرح، الديكور، العلاقات، المشتريات والمطبوعات، المالية، الإعلام، والأنشطة والترفيه، حيث تعاونت هذه اللجان لضمان تقديم نسخة متميزة من المهرجان هذا العام.
وفي حديثها عن لجنة المعرض، أوضحت أنها تتولى تنسيق حركة الزوّار وتنظيم الدخول والخروج، إلى جانب جدولة زيارات طلاب المدارس في يومي الإثنين والثلاثاء، بما يضمن تجربة متكاملة لجميع فئات الجمهور. ويضم المعرض هذا العام 35 مشروعًا طلابيًا، إلى جانب أركان تفاعلية، ومنصة حوارية تحمل عنوان “التسويق الرقمي: من الفكرة إلى النمو”، مستهدفةً الطلبة والمهتمين وروّاد الأعمال.
وتختم منار حديثها بقولها: “رؤية تفاصيل المهرجان تتحقق على أرض الواقع بعد خمسة أشهر من العمل المتواصل تجربة لا تُنسى، وأدعو جميع الطلبة إلى خوض هذا المسار الغني الذي ينمّي المهارات الشخصية والمهنية وتمنحهم تجربة عملية مثرية خلال سنواتهم الجامعية”.
نماذج من الإبداع الطلابي
من قسم مشاريع التخرج، قدّمت الطالبة سليمة بنت عامر السيابيّة مشروع “Senseway”، وهو قفاز ذكي موجّه لذوي الإعاقة البصرية، يساعدهم على التعرف إلى العناصر المحيطة وتحديد مواقعها، إضافة إلى خاصية التنبيه عند وجود خطر. تقول السيابيّة: “يتميّز المشروع بقدرته على تسهيل حياة المكفوفين باستخدام تقنيات حديثة، وقد شكّل المهرجان منصة مهمة لعرض المشروع بعد عام كامل من العمل، مما يجعل المشاركة تجربة مُرضية ومثرية لنا”.
وفي المجال البيئي، عرضت الطالبة مروة بنت محمد الهنائيّة مشروع “Hydrodatecore”، الذي يركّز على معالجة المياه الجوفية من المعادن الثقيلة باستخدام نوى التمر بعد معالجتها مخبريًا. تقول الهنائية: “نسعى من خلال المشروع إلى توفير وسيلة تنقية طبيعية وآمنة تسهم في الاستدامة البيئية، وقد منحنا المهرجان فرصة لتطوير مهاراتنا العلمية والتواصلية من خلال التفاعل المباشر مع الزوار”.
ومن المشاريع ذات الطابع المحلي، تحدثت نبراس بنت حمدان الشكيليّة، الرئيس التنفيذي لمشروع “Verthalene”، عن منتج طبيعي بديل للنفثالين الكيميائي، مكوّن من نباتات عمانية مثل النيم، اللبان، الريحان، والليمون. تقول: “تلقينا تفاعلًا إيجابيًا من الزوّار والمحكّمين، ما أضاف قيمة لتجربتنا، وفتح أمامنا آفاقًا لتطوير المنتج بشكل أكبر”.
أما في القسم الصناعي، فقدّمت إيمان بنت حمد الدوحانيّة مشروع “Hydrofuel”، الذي يعمل على تحويل نفايات الطعام العضوية إلى مصدر طاقة مستدام يقلل الانبعاثات الضارة. وتعلّق إيمان: “نهدف إلى الإسهام في التحول نحو الطاقة المتجددة، ومشاعرنا تتراوح بين حماس المنافسة وتوتر التحكيم، ونأمل أن يتوج هذا الجهد بنتائج إيجابية”.
في ذات السياق، استعرضت اليمامة بنت سعود الراجحيّة مشروع “Eniva”، الذي يقدّم بديلًا آمنًا لبطاريات الليثيوم باستخدام مواد طبيعية. تقول: “نسعى لتقديم حلّ مبتكر يسهم في تحقيق أهداف الاستدامة ورؤية عمان 2040، وهذه المشاركة تمثل أول انطلاقة فعلية لمشروعنا في السوق”.
ومن القسم التقني، تحدّث صلاح سليمان عن منصة “طالب”، التي توفّر خدمات متكاملة لطلبة الجامعات والكليات، تشمل النقل، السكن، والمصادر التعليمية. وأوضح أن الفريق المكوّن من 20 شخصًا يعمل على تطوير المنصة إيمانًا بأهمية التخصصية، وأضاف: “المهرجان العلمي يشكّل مساحة حقيقية لاختبار أفكارنا وتطويرها من خلال التفاعل مع جمهور متنوع”.
وفي مشروع تقني آخر، تحدّث جاسم بن محمد الحبسيّ عن “Floostech”، وهو تطبيق يساعد الأفراد على إدارة ميزانياتهم وتحقيق وعي مالي أوسع. يقول: “نطمح إلى رفع الثقافة المالية وتعزيز الاقتصاد المحلي عبر تمكين الأفراد من تنظيم نفقاتهم بذكاء”، مشيرًا إلى أن التحدي الأكبر في المشروع يتمثل في حماية بيانات المستخدمين، وهو ما عمل الفريق على تطوير حلول خاصة له.
ويختتم “المهرجان العلمي 21” فعالياته حاملاً في طيّاته صورة ملهمة لما يمكن أن تصنعه العقول الطلابية حين تُمنح الفرصة والمساحة للإبداع في ربوع هذه الجامعة العريقة. فقد شكّلت المشاريع المعروضة نموذجًا واقعيًا لما يمكن أن تسهم به الطاقات الشابة في دعم التوجهات الوطنية نحو الابتكار والاقتصاد المعرفي، وأثراء رؤية عُمان 2040 وسط بيئة علمية تفاعلية تحفّز على التطوير والتعاون بين مختلف التخصصات العلمية. ومع تزايد أعداد الزوار وتنوّع فئاتهم، يُؤمل أن يستمر هذا الحدث السنوي في احتضان المبادرات الطلابية وتحويلها إلى قصص نجاح حقيقية في المستقبل القريب.