X638311283768843821

 



  

Banner-02638735669713724437

 

الصيام والصحة في رمضان

18 Mar, 2025 |

د/ حسين فاروق صقر أستاذ مشارك بقسم علم وظائف الأعضاء، كلية الطب والعلوم الصحية

إذا كان رمضان هو شهر العبادة والقبول على الله عز وجل فهو أيضا يمثل فرصه مميزة لإعادة ضبط المصنع في مجال الصحة العامة وتعد الصحة الأيضية أو التمثيل الغذائي حجر الزاوية للصحة العامة، إذ تؤثر على كل شيء بدءًا من مستويات الطاقة وحتى الوقاية من الأمراض. لكي نستكشف العلاقة المعقدة بين عوامل نمط الحياة—مثل الصيام، التغذية، التمارين الرياضية، والنوم—والصحة الأيضية. وفي هذه المقالة نقدم بعضا من النصائح العملية حول كيفية تحسين الصحة الأيضية والوقاية من الأمراض المزمنة من خلال الصيام في رمضان، الأكل الواعي، والتمارين الرياضية الاستراتيجية. 

 

  • الصيام: ممارسة قديمة

الصيام (يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) الامتناع الطوعي عن الطعام والشراب - هو تقليد قديم، يعتقد منذ فترة طويلة أنه حيوي لصحة الإنسان الجسدية والروحية. ويمارس منذ آلاف السنين من قبل مختلف الثقافات والجماعات الدينية، كما جاء في نقش مصري قديم يعود إلى 3800 قبل الميلاد: "يعيش الإنسان على ربع ما يأكله، وعلى الثلاثة الأرباع الأخرى يعيش طبيبه." وكما ذكر أبقراط " جميع الامراض تبدأ من القناة الهضمية فاجعل من الغذاء دواء". وظهر في الآونة الأخيرة اهتمام بالصوم في الجامعات الغربية وعندما وجد العلماء ما يحمله الصيام من فوائد متعددة للخلايا والأعضاء وأيضا للجسد كله وخرجت إلى النور مصطلحات علمية مثل الصيام المتقطع وتتراوح في مدة الصيام ودرجة التقييد بالطعام. ‎ وهناك أنواع شائعة من الصيام المتقطع مثل صيام يوم بديل هي طريقة للصيام المتقطع التي يتم فيها تقسيم الصوم والتغذية إلى أيام متناوبة.  والنمط الأكثر شعبية منها هو الأسلوب 36:12. بالنسبة للطريقة 36:12، يمكنك تناول وجبة الإفطار عندما تستيقظ، ثم تستهلك كل الوجبات الأخرى في غضون 12 ساعة. ثم تواصل الصيام لمدة 36 ساعة حتى وقت التغذية التالي. وهناك صيام يوم كامل هي طريقة أخرى لـلصيام المتقطع يتم فيها تحديد أيام معينة من الأسبوع أيام للصيام والبعض الآخر أيام بدون صيام مثل صيام يومي الاثنين والخميس للصوم من كل أسبوع. والأكثر انتشارا حاليا هو الصيام لفترات تتراوح بين تتراوح من 16 إلى 20 ساعة. 

 

  • ما الذي يحدث أثناء الصيام؟

أثناء الصيام، يتحول الجسم من حرق الجلوكوز إلى حرق الدهون في عملية تُعرف باسم "الكيتوزيس". هذه العملية توفر العديد من الفوائد
•    فقدان الدهون: يساعد الصيام على حرق الدهون المخزنة، مما يدعم إدارة الوزن.
•    إصلاح الخلايا: يتم تفعيل عملية الالتهام الذاتي (Autophagy)، وهي آلية تنظيف ذاتي للجسم، حيث يتم التخلص من الخلايا والبروتينات التالفة.
•    الوقاية من الأمراض: يقلل الصيام من عوامل خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب، السرطان، والأمراض العصبية.
•    الوضوح الذهني والطاقة: من الشائع أن يعاني الصائمون من مستويات طاقة مستقرة وتركيز ذهني محسن.
لقد أصبح الصيام الآن موضع تقدير على نطاق واسع لآثاره المفيدة على التمثيل الغذائي البشري وفترة العمر الخالية من الأمراض. فبعد تناول وهضم وامتصاص الطعام يرتفع مستوي سكر الجلوكوز في الدم مما يحفز البنكرياس على افراز الانسولين والذي بدوره يعمل على ادخال الجلوكوز إلى داخل الخلايا لاستخدامه في انتاج الطاقة والزائد عن حاجة الخلايا يتم تحويله إلى دهون ثلاثية في الخلايا الدهنية           والعضلات الهيكلية وخلايا الكبد وبالتالي الانسولين يمنع من تكسير الدهون المخزنة في الجسم. وتشير مجموعة متزايدة من الأدلة إلى أنه في حالة عدم وجود إمدادات جاهزة من الجلوكوز والدهون من الوجبات، فإن الصيام يقلب "مفتاحًا أيضيًا" يحدث انخفاض في مستوى الانسولين بالدم وبالتالي يحرر مخازن الدهون عبر أكسدة الأحماض الدهنية وإنتاج الاجسام الكيتونية مع إعطاء الأولوية الشاملة لحماية كتلة العضلات ووظائفها. وعندها يبدأ الدماغ في عمليات التأقلم على استخدام هذه الاجسام كمصدر للطاقة بديل للجلوكوز ومن المعروف علميا أن أفضل غذاء لعضلة القلب هي الاجسام الكيتونية وتستخدم العضلات الهيكلية بعد فترة من التكيف الكيتوني الدهون الثلاثية وعلى هذا النحو، يوفر الصوم آلية لا تعمل على تحسين التكوين العام للجسم فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى تنشيط العمليات الكيميائية الحيوية ومسارات الإشارات التي تعمل على تحسين الأداء البشري والوظيفة الفسيولوجية، مما قد يؤدي إلى إبطاء عمليات الشيخوخة والمرض. ‎

 

  • فسيولوجيا الصيام

•    في أول12 ساعة: يستخدم الجسم الجلوكوز والجليكوجين المخزن للحصول على الطاقة.
•    من 12-24 ساعة: تنخفض مستويات الأنسولين، ويبدأ حرق الدهون مع إنتاج أجسام الكيتونة.
•    من 24-48 ساعة: يتم تفعيل الالتهام الذاتي، إذ يتم تنظيف الخلايا والبروتينات التالفة.
•    أكثر من 48 ساعة: تحدث عمليات إصلاح خلوي عميق وتجديد للجهاز المناعي.
ولقد وجد أن الوصول إلى الحالة الكيتونية أثناء الصيام يساعد في خفض الوزن وتقليل مستوى الدهون الثلاثية في الدم وضبط ضغط الدم الشرياني وزيادة سرعة الاستشفاء بعد النشاط الرياضي وتقليل الالتهابات وزيادة الخصوبة للذكور والاناث ورفع كفاءة الجهاز المناعي والمساعدة في الحصول على نوم منتظم بالإضافة إلى التحكم في الشهية والإحساس بالجوع.
وهنا نأتي إلى الدراسات التي قامت لإيضاح فوائد الصيام فهناك دراسة أسست على محاكاة الصيام الإسلامي بالصيام من الفجر إلى المغرب لمدة أربع أسابيع وفي نهاية المدة وجد الباحثون أن المشاركين قد استفادوا من الصيام بنزول وزن الجسم ومؤشر كتلة الجسم ومحيط الخصر وضبط ضغط الدم الشرياني ومعدلات السكر التراكمي في الدم. ولوحظ أيضا أن هناك بروتينات الدم المقاومة للأورام.
هناك العديد من البحوث الأخرى التي دعمت من قدرة الصيام على علاج التهابات الأمعاء المزمنة وتقليل مؤشرات وعوامل الخطورة للإصابة بالأمراض العقلية مثل الزهايمر والشلل الرعاش من خلال زيادة العوامل الدماغية المساعدة لنمو الخلايا العصبية. 
  

  • دور التغذية في الصحة الأيضية

في عصرنا الحالي أصبح مصطلح مقاومة الانسولين منتشرا بين جميع الفئات العمرية وظهرت لدى الأطفال أمراض لم تكن بمثل هذا الانتشار من قبل منها التهابات الكبد الدهنية والسكري من النوع الثاني الناتجين من مقاومة الانسولين التي تشكل سببا جذريا في الإصابة بالشيخوخة المبكرة والأمراض المزمنة مثل أمراض القلب، السكري من النوع الثاني، والسرطان. وهنا أود أن الفت انتباه القارئ على أهمية فهم مقاومة الأنسولين وما تسببه من خلل للتمثيل الغذائي. 
مقاومة الأنسولين والنظام الغذائي
تحدث مقاومة الأنسولين عندما تصبح الخلايا أقل استجابة للأنسولين، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم. تشمل العوامل المساهمة في مقاومة الأنسولين اتباع نمط حياه غير صحي مثل الافراط في تناول سكر الفركتوز، الموجود في الأطعمة المحلاة بسكر المائدة والمشروبات الغازية والعصائر ودقيق القمح الذي يستخدم على نطاق واسع في إعداد المخبوزات والمعجنات. كما أن استهلاك الزيوت المستخرجة من البذور مثل الذرة ودوار الشمس في الطهي والقلي يؤدي إلى ارتفاع الالتهابات في الجسم والإصابة بالسمنة ومقاومة الانسولين التي من أعراضها الضعف و ضبابية الذهن وقلة التركيز وزيادة الوزن بسهولة والرغبة الشديدة في تناول السكر بعد الوجبات والإصابة بعدوى متكررة والعطش والتبول المفرط. 
يتم تشخيص مقاومة الانسولين من جانب الأطباء بتواجد 3 من 5 مؤشرات تشمل زيادة محيط الخصر عن 40 بوصة (101.6 سم) عند الرجال و35 بوصة (88.9 سم) عند النساء، ووجود زوائد جلدية أو بقع جلدية داكنة ناعمة الملمس تسمى الشواك الأسود، وقراءة ضغط الدم من 130 على 80 أو أكثر، وبلوغ مستوى الجلوكوز أثناء الصيام 100 ميليغرام لكل ديسيلتر أو أكثر. أو بلوغ مستوى السكر في الدم 140 ميليجرامًا لكل ديسيلتر أو أكثر بعد ساعتين من اختبار حِمل الغلوكوز. ومن المؤشرات أيضًا أن يتراوح مستوى الهيموغلوبين السكري بين 5.7% و6.3%، وزيادة مستوى الدهون الثلاثية أثناء الصيام عن 150 ميليجرامًا لكل ديسيلتر، وانخفاض مستوى كوليسترول البروتين الدهني مرتفع الكثافة عن 40 ميليجرامًا لكل ديسيلتر عند الرجال و50 ميليجرامًا لكل ديسيلتر عند النساء. 
 

  • الصيام لعلاج مقاومة الانسولين

الصيام من أنجح العلاجات أو الطرق لعلاج مقاومة الانسولين من خلال قدرته على خفض احتياج الجسم للأنسولين للشخص الطبيعي غير المصاب بمرض السكري من النوع الأول بالتالي تقليل مستوي سكر الجلوكوز في الدم للحدود الطبيعة.  لكن كيف نتحكم في سكر الدم في فتره الإفطار من أهم النصائح التي قد تساعد في الحفاظ على سكر الدم الاتي:  
•    البروتين الأمثل: البروتين الحيواني الغني بالأحماض الأمينية الأساسية، تناول كميات من البروتين (1.2 إلى 1.6 جرام لكل كيلوجرام من الوزن المثالي للفرد يوميا) من التوصيات القياسية للحفاظ على الكتلة العضلية وسرعه التمثيل الغذائي والتحكم بالجوع والمساعدة في فقدان الدهون من الجسم.
•    البدء بالخضروات: إضافة الخضروات الخضراء إلى الوجبات يمكن أن يساعد في تنظيم مستويات السكر في الدم.
•    ترتيب تناول الوجبة: تأخير النشويات إلى نهاية الوجبة بعد الخضروات والبروتينات يساعد في تنظيم مستويات سكر الجلوكوز بالدم 
•    خل التفاح: إضافة ملعقة من خل التفاح إلى كوب من الماء وتناوله قبل الوجبات الغنية بالسكريات والنشويات يمنع الارتفاع الشديد في سكر الدم بعد الوجبة.
•    الفاكهة تحلية وليس وجبه خفيفة: من الأخطاء الشائعة لدى البعض أن الفاكهة قد تكون وجبه خفيفة وصحية ولكن الفاكهة مثل الأناناس والموز والتمر والمانجو غنية بسكر الفركتوز الذي يتم تمثيله غذائيا في الكبد فقط وتحويله إلى دهون 

  • أهمية الإيقاع اليومي والنوم

ترتبط العمليات الأيضية ارتباطًا وثيقًا بالإيقاع اليومي، أو الساعة البيولوجية للجسم. يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات النوم وتوقيت الوجبات إلى خلل في تنظيم الجلوكوز ومقاومة الأنسولين. 
نتائج رئيسية حول النوم والتمثيل الغذائي
اشارت العديد من البحوث على أن انتظام ساعات النوم وتوازنها مع الساعة البيولوجية يساعد علي ضبط معدلات التمثيل الغذائي فقد لوحظ أن فقدان النوم البسيط وحتى الحرمان البسيط من النوم يمكن أن يسبب مقاومة حادة للأنسولين لدى البالغين الأصحاء. وأن اختلال الإيقاع اليومي مثل تغيير أوقات النوم والوجبات بنسبة 12% يمكن أن يزيد مستويات الجلوكوز بنسبة 6% ومستويات الأنسولين بنسبة 22%. وتناول الوجبات في وقت متأخر من الليل يعطل إنتاج الميلاتونين، الذي يلعب دورًا في تنظيم الأنسولين.
نصائح عملية
•    تزامن الوجبات مع النهار في غير رمضان: تناول وجبات أكبر في النهار عندما تكون حساسية الأنسولين أعلى.
•    تجنب الوجبات المتأخرة: يمكن أن يؤدي الأكل في وقت متأخر إلى إضعاف تنظيم الجلوكوز والصحة الأيضية.

  • تمارين سريعة: طريقة بسيطة لتعزيز الصحة الأيضية

لا يجب أن تكون التمارين الرياضية طويلة أو مرهقة لتكون فعالة.
فوائد التمارين السريعة
•    تحسين تنظيم الجلوكوز: فترات قصيرة من النشاط، مثل 10 تمرينات قرفصاء كل 45 دقيقة، يمكن أن تعزز تنظيم الجلوكوز.
•    تقليل العبء على البنكرياس: تحسن التمارين السريعة حساسية الأنسولين، مما يقلل من عبء العمل على البنكرياس.
•    تنظيم الجلوكوز بعد الوجبات: التمارين السريعة الموقتة بشكل استراتيجي (30-60 دقيقة قبل أو بعد الوجبات) يمكن أن تحسن بشكل كبير التحكم في مستويات السكر في الدم.

  • كيفية دمج التمارين السريعة

•    روتين مثال: قم بأداء 10 تمرينات قرفصاء كل 45 دقيقة خلال فترات الجلوس الطويلة.
•    التوقيت مهم: حاول ممارسة التمارين قبل أو بعد الوجبات مباشرة للحصول على فوائد أيضية مثالية.

  • نهج شامل للصحة الأيضية

تتأثر الصحة الأيضية بمجموعة من العوامل، بما في ذلك الصيام، التغذية، النوم، والنشاط البدني. من خلال فهم العلم وراء هذه الخيارات المتعلقة بنمط الحياة، يمكن للأفراد اتخاذ خطوات استباقية لتحسين "فترة الصحة"—عدد السنوات التي يعيشونها بصحة جيدة. سواء من خلال الصيام المتقطع، الأكل الواعي، أو دمج التمارين السريعة في الروتين اليومي، يمكن للتغييرات الصغيرة أن تؤدي إلى تحسينات كبيرة في الصحة الأيضية والرفاهية العامة.
 

About the Author