X638311283768843821

 



BosherHallInSide

  

 

الفحم الحيوي حل مستدام يحقق الأمن الغذائي

حاورته/ مشارق بنت حمدان الصبيحية

في ظل التغيرات المناخية، يعد الفحم الحيوي حل مستدام لتحسين خصوبة التربة، إدارة موارد البيئة، ودعم الاقتصاد الأخضر على المستوى المحلي والدولي. هذا ما أكد عليه الدكتور أحمد الربيعي خريج دكتوراه من كلية العلوم الزراعية والبحرية بجامعة السلطان قابوس في دراسته البحثية حول استغلال الفحم الحيوي. حيث استقطع المشروع مرحلته الثالثة ويعمل في المرحلة الرابعة الآن. يحدثنا الدكتور أحمد الربيعي عن الدوافع التي جعلته يقوم بالدراسة عن الفحم الحيوي وفوائده.

يقول الدكتور أحمد الربيعي " إن ملوحة التربة تمثل تحديًا بيئيًا وزراعيًا كبيرًا في سلطنة عمان، خصوصًا في مناطق شمال وجنوب الباطنة، حيث تؤثر على 44% من الأراضي. هذا التحدي يشكل تهديدًا مباشرًا على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في البلاد. عالميًا، تمتد آثار ملوحة التربة لتشمل أكثر من 1,128 مليون هكتار من الأراضي الزراعية. وقد استُلهمت أبحاثي من الحاجة الملحّة لمعالجة هذه القضية بطريقة مستدامة وشاملة."

 

استغلال الفحم الحيوي

ويضيف "ركزت دراستي على استغلال الفحم الحيوي (والذي يعرف على أنه مادة صلبة غنية بالكربون تُنتج من خلال التحلل الحراري للكتلة الحيوية في غياب الأكسجين. تُعرف هذه العملية باسم الانحلال الحراري، وتؤدي إلى تحويل المخلفات الزراعية، مثل سعف النخيل والخشب والنفايات العضوية، إلى مادة ذات خصائص مفيدة للتربة. يتميز الفحم الحيوي بقدرته العالية على تحسين خصوبة التربة، زيادة احتفاظ الماء، وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة من خلال تخزين الكربون في التربة لفترات طويلة.)، وهو يُعدّ إحدى التقنيات الواعدة لتحسين جودة التربة، من خلال دمجه مع الكبريت العنصري والسماد العضوي، بهدف تطوير حلول عملية ومتكاملة تتناسب مع خصائص التربة المالحة والجافة في سلطنة عمان. كان الهدف الأساسي هو تحسين خصوبة التربة، تعزيز الإنتاج الزراعي، وتقديم وسيلة مستدامة ومجدية اقتصاديًا للمزارعين لاستصلاح الأراضي المتدهورة وتحقيق عوائد زراعية طويلة الأمد".

 

أربع مراحل للمشروع

وعن مراحل المشروع يوضح الدكتور الربيعي "مر المشروع بأربع مراحل رئيسية، شملت المرحلة الأولى تخصيص المواد الأولية للفحم الحيوي وتحديد درجات حرارة التحلل الحراري المناسبة، وقد ركزت هذه المرحلة على تقييم الفحم الحيوي الناتج عن ثلاثة أنواع من المواد الأولية: مخلفات النخيل، وأشجار المسكيت، وسماد الحمأة، والتي خضعت للتحلل الحراري عند درجات حرارة 450°C، 600°C ، و750°C. أسفرت هذه المرحلة عن تحديد أفضل مزيج من المواد الأولية ودرجات الحرارة المناسبة لتربة المناطق الجافة. بناءً على الخصائص الفيزيائية والكيميائية وتأثير الفحم الحيوي على الميكروبات، حيث تم اختيار الفحم الحيوي من مخلفات النخيل عند درجة انحلال حراري 600°C  كخيار مثال. 

فيما جاءت المرحلة الثانية لتتم معالجة قلوية الفحم الحيوي من خلال التنشيط البيولوجي والكبريت، في هذه المرحلة تم اضافة الكبريت العنصري إلى الفحم الحيوي كمادة تعمل على تقليل الطبيعة القلوية للفحم. وتمت عملية دمج الفحم الحيوي مع السماد العضوي أو السماد الدودي لفترة تنشيط بيولوجي واحتضان استمرت 50 يومًا. ساهم هذا التنشيط في خفض درجة الحموضة للفحم الحيوي، وزيادة توفر العناصر الغذائية الأساسية، ما جعله أكثر فاعلية للتربة المالحة. 

 

وفي المرحلة الثالثة تمت المقارنة بين الفحم الحيوي المعالج مسبقًا والإضافة المباشرة للتربة، وعملية التطبيق المباشر مع الكبريت والسماد العضوي في التربة. وتم تقييم الطريقتين بناءً على تأثيرهما على خصائص التربة، إدارة الملوحة، وتحفيز نمو النباتات.

أما المرحلة الرابعة والأخيرة فتم التطبيق العملي للفحم الحيوي المعالج مسبقا والاضافة المباشرة، حيث تم تنفيذ الطريقتين في الحقول المفتوحة ضمن ظروف التربة المالحة. وقد أظهرت النتائج العملية فوائد كبيرة لتكامل الفحم الحيوي، سواء في تحسين جودة التربة أو زيادة الإنتاجية الزراعية، مما يوفر نتائج ملموسة يمكن للمزارعين الاستفادة منها مباشرة.

ويشير الدكتور أحمد الربيعي إلى أن المشروع وصل الآن إلى مرحلة التطبيق الميداني في البيئات الزراعية الحقيقية. حيث أظهرت النتائج زيادة بنسبة 200% تقريبًا في محصول القمح في التربة المالحة، بالإضافة إلى تحسن ملحوظ في خصوبة التربة وصحتها.

 

كيف يساعد الفحم الحيوي في المناطق الجافة؟ 

يلعب الفحم الحيوي دورًا محوريًا كوسيلة متعددة الاستخدامات لمعالجة المشكلات الرئيسية التي تواجه التربة في المناطق الجافة، وذلك من خلال عدة محاور يذكرها الدكتور أحمد الربيعي وهي:

إدارة ملوحة التربة، حيث يعمل الفحم الحيوي على تعزيز عملية غسل الأملاح من التربة بفضل تحسين بنيتها وزيادة نفاذية الماء. وعند دمجه مع الكبريت، يساهم في خفض درجة الحموضة (pH) وتقليل الملوحة، مما يجعل العناصر الغذائية أكثر توفّرًا للنباتات.

كذلك تحسين خصوبة التربة وقدرتها على احتفاظ الماء،  فبفضل تركيبته المسامية، يعزز الفحم الحيوي قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء، ويساعد على تخزين العناصر الغذائية الأساسية، وهو أمر بالغ الأهمية في المناخات الجافة التي تعاني من ندرة المياه.

بالإضافة إلى تحفيز النشاط الميكروبي، إذ يعزز الفحم الحيوي، خاصة عند تنشيطه بيولوجيًا، تنوع وكثافة النشاط الميكروبي في التربة. هذا النشاط ضروري لإعادة تدوير العناصر الغذائية وتحسين البيئة الحيوية للتربة.

وكذلك الاستدامة والجدوى الاقتصادية، فمن خلال الاستفادة من المواد الأولية المحلية، مثل مخلفات النخيل، يُمكن إنتاج الفحم الحيوي بشكل مستدام وبأسعار معقولة للمزارعين. إلى جانب تأثيراته طويلة الأمد، يقلل الفحم الحيوي الحاجة إلى الأسمدة الكيماوية والتعديلات المكلفة للتربة.

علاوة على ذلك، يشير الدكتور الربيعي أن الفحم الحيوي يُعتبر وسيلة فعالة لاحتجاز الكربون، مما يجعله أداة مهمة في مكافحة تغير المناخ. حيث يساهم في تخزين الكربون في التربة لفترات طويلة، مما يقلل من انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي. هذا التوجه يتماشى بشكل كبير مع رؤية عمان 2040 التي تركز على الاستدامة البيئية والتنمية المستدامة للقطاع الزراعي.

 

تحسين جودة الفحم الحيوي

وأخيرًا يقول الدكتور أحمد الربيعي "فيما يتعلق باستمرار العمل البحثي، أعمل حاليًا كخبير في خصائص الفحم الحيوي لدى شركة نت زيرو للحلول البيئية، حيث أساهم في تطوير وتحسين جودة منتجات الفحم الحيوي لتلبية الاحتياجات الزراعية والصناعية. هذه الجهود تهدف إلى تعزيز استخدام الفحم الحيوي كحل مستدام لتحسين خصوبة التربة، إدارة الموارد البيئية، ودعم الاقتصاد الأخضر على المستويين المحلي والدولي. في المجمل، يمثل الفحم الحيوي حلًا مبتكرًا وشاملًا لتحسين خصوبة التربة، تعزيز إنتاجية المحاصيل، ودعم الممارسات الزراعية المستدامة في البيئات الجافة والمالحة، مما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية البيئية لسلطنة عمان.

 

 

About the Author

ايمان الحسنية

ايمان الحسنية

محرر محتوى