سد فجوة المهارات الرقمية
- تمكين القوى العاملة في سلطنة عُمان تحقيقًا لرؤية 2040
- د. خالد حسين أستاذ مساعد بقسم التسويق، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية
ترسم رؤية عُمان 2040 مسارًا واضحًا نحو اقتصاد قائم على المعرفة، ومدفوع بالابتكار وريادة الأعمال والتحول الرقمي القوي. تعتمد هذه الخطة الاستراتيجية على عنصر حيوي حاسم: قوة عاملة ماهرة مزودة بالمهارات للتنقل بسلاسة خلال محطات المشهد الرقمي المتطور باطّراد.
ورغم ذلك، فإننا نجد فجوة كبيرة في المهارات اللازمة، مما يشكل عقبة محتملة في طريق تقدم سلطنة عمان على خارطة الطريق الرقمية هذه.
يتطلب سد هذه الفجوة اتباع نهج متعدد الجوانب والمسارات، يُتيح تمكين الأفراد، ويدعم الاستفادة من الموارد التعليمية المتاحة، ويعزز ثقافة الطلاقة الرقمية.
تصور الأهداف المحددة في رؤية 2040 صورة واضحة لتطلعات عُمان الرقمية، فإن الهدف من وراء كل هذه الجهود دفع أمتنا إلى مصاف أفضل 20 دولة من حيث الابتكار العالمي والمهارات والقدرة التنافسية. وإضافة إلى ذلك، فإن الخطة تبرز أهمية فاعلية الحكومة ونجاحها، وتضع السياحة كقطاع مستهدف ذي أولوية قصوى.
وتحقيقًا لهذه الأهداف ففي سلطنة عمان حاجة إلى قوة عاملة ماهرة رقميًا ومجهَّزة بمهارات متنوعة تخدم شتى المجالات، وتماشيًا مع تلك المهارات المفصلية تأتي مهاراتي "التسويق الرقمي" و"خبرة وسائل التواصل الاجتماعي".
يُعَد فهم تعقيدات استراتيجيات التسويق عبر الإنترنت، وتكتيكات مشاركة وسائل التواصل الاجتماعي، وإنشاء المحتوى، أمرًا بالغ الأهمية للشركات من جميع الأحجام و توجهاتها في بيئة البيع الرقمي بالتجزئة، وتعد القدرة على بناء وإدارة المتاجر عبر الإنترنت، والتنقل بسهولة لتخطي تعقيدات ومصاعب منصات التجارة الإلكترونية المختلفة، ودعم واستغلال قنوات التسويق الرقمي بمثابة حجر الزاوية في بناء النجاح الرقمي.
يوفر عالم التجارة الإلكترونية منفذًا إلى الفرص المتنوعة لكل من الخريجين الجدد والأفراد الباحثين عن عمل على حد سواء. وباستثمار ضئيل يمكن للأفراد الاستفادة من المنصات السهلة والصديقة للمستخدم مثل: "إنستغرام" و"شوبيفاي" و"سوق فيسبوك" و" أمازون" لبناء متاجر خاصة بهم على الإنترنت.
كذلك يمكن الحصول على عدد من المنتجات من الأسواق الإلكترونية الرائدة عبر الإنترنت مثل "علي بابا" و"علي اكسبريس" و "تيمو"، ومن تجار الجملة المحليين، الذين يوفرون احتياجات لأسواق متخصصة محددة. كل هذا يُمَكِّن الأفراد من التحكم في مسار حياتهم المهنية واستغلال الإمكانات الهائلة للاقتصاد الرقمي.
وبينما تعد المهارات الأساسية مثل التسويق الرقمي وخبرة وسائل التواصل الاجتماعي أمرًا مهمًا، فإن المشهد الرقمي يمتد إلى أبعد من ذلك. وتعمقًا في ذلك، يمكن للأفراد تزويد أنفسهم بمعرفة التقنيات الناشئة مثل: العملات المشفرة، وسلسلة الكتل "بلوك تشين blockchain"، واكتساب المهارات التنافسية في القطاع المالي المتطور باستمرار.
إن فهم مبادئ المحاسبة والمراجعة والتدقيق في السياق الرقمي يعزز الوعي المالي ويعزز الآفاق الوظيفية. تقدم التكنولوجيا المالية "الفينتك Fintech" -عبارة عن اندماج الاقتصاد مع التكنولوجيا- مجالا مزدهرًا لأولئك الماهرين في العمل والتنقل بسلاسة بين التعقيدات. تحليلات الأعمال تُمَكن الأفراد من تفسير وترجمة البيانات المتاحة لهم إلى رؤى قابلة للتنفيذ، وهي مهارة قيمة في أي منظمة.
يظل تطوير الويب جزءاً أساسياً للعالم الرقمي، والإلمام بهذا المجال يفتح الأبواب لبناء البنية التحتية الرقمية والحفاظ عليها، حيث يمكنها أن تقود مجال الأعمال الحديثة إلى الأمام.
إضافة إلى ضرورة وجود هذه المهارات المتخصصة، يمكن للشباب حماية مستقبلهم المهني من خلال إتقان بعض المهارات والأدوات الأساسية.
تسمح جداول البيانات مثل إكسل، ومنصات تصور البيانات مثل :"باور باي" و "تابلو" بتحليل البيانات وتفسيرها، وهي مهارة مطلوبة بشدة في عالم اليوم المبني كليًا على البيانات.
تتيح تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدية الفرصة لإحداث ثورة في مجال إنشاء المحتوى، ويعد فهم إمكاناتها المتشعبة أحد الأصول القيمة التي يُفضل حيازتها.
كذلك أدوات مثل “سيمرش “Semrush و “كانفا “Canva على التوالي تعملان على تمكين الأفراد من تحسين وجودهم عبر الإنترنت، أو إنشاء صور مذهلة.
من هذا المنطلق، فإن تعلم برامج التصميم التقليدية مثل الفوتوشوب واستعانةً بقوة تسويق المحتوى المدعوم من الذكاء الاصطناعي يؤهل الأفراد لتطوير حملات تسويقية ذات تأثير كبير وصدًى واسع.
ومن خلال إتقان هذه المجموعة المتنوعة من المهارات والأدوات، يمكن للشباب العماني أن يجعلوا من أنفسهم أصولًا عالية القيمة ولا تقدر بثمن في فضاء الاقتصاد الرقمي.
علاوة على ذلك، تحتاج الشركات وقطاعات الأعمال المختلفة دائمًا لخبراء ماهرين في مجالات تطوير وإدارة الاستراتيجيات الرقمية، والإشراف على العمليات عبر الإنترنت، وتحليل البيانات الرقمية لتحسين وجود مجالات هذه الأعمال في السوق الرقمية. ومما لا شك فيه أن هذه الخبرة تندرج تحت مظلة تطوير وإدارة الأعمال الرقمية، وهو مجال يشهد حاليًا طلبًا متزايدًا وكبيرًا.
رؤية 2040 لا تتصور اقتصادًا رقميًا قويًا فحسب، بل تسعى أيضًا لنشر وتنمية ثقافة نابضة بالحياة في مجال ريادة الأعمال الرقمية بين جموع الشعب العماني، ويلزم تعزيز المهارات التي تستهدف تحديد فرص الأعمال الرقمية القابلة للتطبيق من حولنا، وبناء المشاريع والشركات الرقمية وتوسيع نطاقها، وتأمين التمويل اللازم لتمكين هذه المشاريع من حصد ثمار أهدافها.
أما قطاع السياحة، الذي يتمتع بأولوية قصوى في إطار رؤية 2040، فيمكنه الازدهار من خلال قوة المحتوى المُقنِع على وسائل التواصل الاجتماعي.
حيث يعد إنشاء محتوى جذاب مصمم لمنصات التواصل الاجتماعي خصيصًى أمرًا بالغ الأهمية لجذب السياح، وعرض النسيج الثقافي الآسر، والمناظر الطبيعية الخلابة التي يمكن أن تقدمها عمان لزائريها وضيوفها، عليه فأن تجهيز كل منا نفسه بهذه المهارات الأساسية أصبح أكثر سهولة ووصولًا من أي وقت مضى.
تُقدم مجموعة كبيرة من المنصات عبر الإنترنت فيضًا من الدورات التدريبية والشهادات المجانية من كبار وعمالقة التكنولوجيا مثل: جوجل، وأمازون، وميكروسوفت، وفي الصدد نفسه توفر منصات مثل "سيمرش" و " هب سبوت" و" كورسيرا" و "بينانس" موارد قيمة وفرص تعلم منظمة.
وفضلًا عن ذلك يمكن عد كلا من "يوتيوب" و"ميتا (فيسبوك)" كنوزًا دفينة من البرامج والمواد التعليمية المتنوعة، حيث تمكن هذه الموارد الأفراد من تعزيز آفاقهم المهنية بشكل أكبر، وتفتح لهم الأبواب أمام المزيد من فرص العمل الشيقة في المجال الرقمي، وتزودهم بالأدوات اللازمة لإطلاق مشاريعهم وشركاتهم الريادية الخاصة.
قد شهد العصر الرقمي بداية عصر الاقتصاد الحر، حيث تعمل منصات مثل" أبورك" و "فايفر" على تمكين الأفراد للاستفادة من مهاراتهم المكتسبة حديثًا وتوفر لهم المجال لتقديم خدماتهم للعملاء العالميين. وهذا لا يعزز الاستقلال المالي فحسب، بل يسمح أيضًا للأفراد باكتساب خبرات قيمة في العالم الحقيقي وبناء حقيبة قوية لعرض خبراتهم.
غالبًا ما يصطدم الخريجون الجدد بفجوة بين معرفتهم وخلفيتهم الأكاديمية والحقائق العملية التطبيقية للعالم المهني، واستنادًا إلى ذلك يأتي دور التدريب الداخلي في سد هذه الفجوة من خلال توفير تجربة عملية ثمينة في العالم الحقيقي، من خلال التقصي النشط لفرص التدريب هذه.
ويمكن للخريجين استثمار الفرص لتطبيق معارفهم في بيئة عملية تطبيقية بحتة، والتواصل مع مختصي الصناعة، وتعزيز سيرهم الذاتية، بشكل يجعلهم أكثر قدرة على المنافسة في سوق العمل.
واستخلاصًا إلى ما سبق، سد فجوة المهارات الرقمية يتطلب جهدًا تعاونيًا من الأفراد والجهات الحكومية والمؤسسات التعليمية المختلفة مهيأ عُمان لتمكين القوى العاملة لديها ودفع نفسها نحو تحقيق الأهداف المحددة في رؤية 2040، من خلال تبني واستثمار فرص التعلم بعيدة الأمد، والاستفادة من فيض الموارد المتاحة، وتعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال.
ينتظرنا مستقبل مدعوم بأفراد ماهرين رقميًا، ونستشرف تنوعًا اقتصاديًا واعدًا، ونترقب الوصول إلى مكانة بارزة في مؤشر التنافسية العالمية، ونستهدف صنع قطاع سياحي مزدهر.
تبدأ الرحلة نحو هذا المستقبل الواعد بالخطوة الأولى – اكتساب المهارات اللازمة. إن المصير الرقمي لسلطنة عمان يكمن في أيدي شعبها، وبتمكين أنفسهم بأدوات النجاح، يسهل عليهم عامة رسم مستقبل رقمي مزدهر وغني يُفيد الأمة بأسرها.
About the Author