مئتا يوم

مرت مئتا يوم من المجزرة على أولئك المرابطين والمناضلين الشجعان الصابرين في غزة منذ السابع من أكتوبر حتى الآن. في مئتي يوم فقدت غزة ألوفاً من رجالها الشجعان ، وأطفالها الأبرياء، وأمهاتها الحنونات، وبناتها الجميلات. مئتا يوم وغزة تسبح في بحر من دماء الشهداء، في مئتي يوم تزداد أعداد الأيتام والثكالى والأرامل، وخلال مئتي يوم ماتت غزة أكثر من سبعين ألف ميتة، وزلزلت بالقصف، ودمرت بالمدافع والقنابل تدميرا. مئتا يوم وغزة تزف الشهداء في موكب جماعي مليء بالدموع ومشاعر الرضى بقضاء الله وقدره.
مئتا يوم والمقاومون في غزة راسخون رسوخ الجبال، فلا جبال في غزة إلا رجالها الأبطال، وشعبها العظيم، ومقاتلوها الشجعان، الذين يخرجون لهذا العدو من تحت الرماد والركام. مئتا يوم ارتكب فيها العدو المجرم مذابح يندى لها جبين الإنسانية، وإن عدالة الأرض لو وجدت لحكمت على هذا المحتل وكل من شارك معه بالإعدام، ولأوقعت عليه أشد العقوبات، ولكن العدالة في هذا العالم مختطفة. مئتا يوم والمرابطون يحافظون على ترابط الصفوف وازدادوا قناعة بالدفاع عن أرضهم أمام عدوهم، فقدموا التضحيات العظيمة، واستبسلوا في تكبيد العدو خسائر هائلة في صفوف ضباطه وجنوده .
وتلك الملاحم التي سطرها أولئك المجاهدون ستخلد كواحدة من أعظم وأقدس المعارك في تاريخ الأمة العربية، على الرغم من الأسلحة البسيطة التي تصنع من قبل المقاومين أنفسهم من عبوات ناسفة، ومقذوفات صاروخية، وراجمات ومدافع، ومضادات للدروع، وقنابل وبنادق من مختلف أنواعها، وهذه الصناعات لم تكن لتجدي نفعا أمام الترسانات الأميركية الهائلة، ومدرعات المحتل القذرة، لولا الصناعة الأهم التي يمتلكها هؤلاء المجاهدون، وهي صناعة الإنسان المقاتل المقاوم الصابر المدافع، ذلك الفلسطيني المجاهد الذي لا تقف أمامه أي قوة في الأرض أمام إرادته وإصراره على مواجهة العدو المحتل القاتل لأجداده وآبائه، وإن ذلك كله لم يكن ليحدث لولا فضل الله أولا وفضل الشعب الشامخ ثانيا، الذي يجود بعزة وكبرياء بكل شيء، ولا يعطي الدنية في أرضه ووطنه ومقدساته فماذا ستفعل تكنولوجيا الصواريخ! والدبابات المحصنة والمسيرات الحديثة أمام قوة إيمان مجاهد يقف مئتا يوم في عقدته الدفاعية؟ وموقعه المتقدم منتظرا الظفر بعدوه وتمثيل مهمته؟، محتسباً كل ذلك لله ومؤمنا بعدالة قضيته!
مئتا يوم والمقاومون يواجهون جيشا محتلا يعود بشهادات صادمة عن ضعف دافعية الجندي الصهيوني، وما هذا الجيش إلا مرتزقة، فيجرُّون إلى القتال جرَّا ويبكون فزعاً وجزعاً، ويفرون أمام المقاوم الفلسطيني رغم كل ما يحملونه من سلاح وعتاد وغطاء ناري ضخم، فتلك البطولات التي يزعمها المحتل البشع ما هي إلا نكتة عند أصغر طفل فلسطيني مقاوم، فلا شك أن العدو وجيشه الهمجي الذي يبحث عن النصر في غزة ليرفع به معنويات جنوده وحكومته النازية وجمهوره المغفل، سيجد المواجه من المقاومين من حيث لا يحتسب.
طوفان الأقصى كان سببا في استنهاض الأمة وتوحيد ساحاتها وجمع جبهاتها حول هدف واحد وهو فلسطين والأقصى، فما سعى حوله العدو خلال عقود من الزمن من عزل للقضية الفلسطينية والاستفراد بالقدس والأقصى وتهويد مقدسات المسلمين ما هي إلا مخططات باءت بالفشل، وكان التطبيع أحد خططه البشعة في تحقيق مساعيه، فإذا بطوفان الأقصى في السابع من أكتوبر يقلب الطاولة على رأس هذا العدو المحتل ويتحول إلى طوفان رفض ومقاومة له، وطوفان غضب وكراهية عالمية لهذا الاحتلال المجرم الذي ظهر على حقيقته.
معركة طوفان الأقصى معركة الشعب المسلم العربي الغيور على مقدساته، يقاتل فيها الشعب الفلسطيني المقاوم تحت خندق واحد، وتتوسع يوما بعد يوم فتحرق العدو المحتل وكل من ساعده ودعمه وأعانه، وأهداف العدو قد تحطمت على صخر مقاومة الشعب الفلسطيني فهم يجرعونه آلاماً مزمنة لا علاج لها، فيغوص في وحل الفشل والإخفاق، فالمحرقة التي يفعلها العدو المحتل ضد الأبرياء صنعت له عدواً ومقاتلا حاضراً ومستقبلاً في كل بيت عربي مسلم، فتحية لأبطال الحرة الأبية اصبروا وصابروا فكله فداء لفلسطين.
About the Author