اكتشاف أول مبنى جنائزيّ للأطفال في مناقي بولاية الرستاق
ضمن تطور أثريّ غير مسبوق، كشفت أعمال التنقيبات الأثرية التي قام بها قسم الآثار بجامعة السلطان قابوس في الموقع الأثري (مناقي) بولاية الرستاق في محافظة الباطنة جنوب، عن مبنى جنائزي فريد من نوعه يعود إلى العصر الحديدي، أي قبل ثلاثة آلاف سنة من الآن.
ويمثل هذا الاكتشاف نقطة تحول مهمة في فهم الطقوس الجنائزية في شبه الجزيرة العمانية، إذ يعد هذا المبنى أول مبنى جنائزي مخصص لدفن الأطفال يكشف عنه حتى الآن في المنطقة. وقد أنهى قسم الآثار أعمال التنقيب الأثري في موقع مناقي في شهر فبراير الماضي 2024، والتي استمرت لمدة شهر، وكانت بالاشتراك مع فريق من جامعة السوربون في باريس، وتحت إشراف وزارة التراث والسياحة بتنفيذ أعمال الموسم الأول من التنقيبات الأثرية في الموقع، والجدير بالذكر بأنه ستستمر التنقيبات لخمسة سنوات قادمة على أقل تقدير.
ويعد موقع مناقي أحد أكبر مستوطنات العصر الحديدي في محافظة جنوب الباطنة، فقد تم اكتشاف عدد كبير من المباني السكنية بالإضافة إلى مدافن كثيرة منتشرة على مساحة واسعة من الموقع، وعدد من الأبراج الدفاعية، مما يعد مؤشرا على الدور الكبير والمركزي الذي لعبته المستوطنة في المنطقة خلال الألف الأول قبل الميلاد.
اختار الفريق الأثري المشترك مبنيين للتنقيب فيهما خلال الموسم الأول هما (S1 و S2)، حيث جاء الاختيار نتيجة للدراسة السطحية التي قام بها الفريق، حيث تبين أن أحد هذه المباني (مبنى S2) بُنيّ بمخطط هندسي مميز ومختلف عن باقي المباني الأخر في المستوطنة، مما أثار دهشة فريق التنقيب الأثري. فقد أخذ المبنى شكل حرف T
وكشفت الحفريات الأثرية عن وجود أكثر من ثلاثين قبراً داخل المبنى وفي محيطه، تعود جميعها لأطفال، بما في ذلك حديثي الولادة. تثير هذه الخاصية الفريدة تساؤلات حول الدوافع والمعتقدات التي أدت إلى تخصيص مبنى منفصل لدفن الأطفال في ذلك العصر، مخالفاً بذلك العادات الجنائزية المعهودة في العصر الحديدي.
وقد أشار الدكتور محمد عبد الحميد حسين -رئيس الفريق البحثي ورئيس قسم الآثار بجامعة السلطان قابوس، إلى أهمية هذا الاكتشاف قائلاً "يعد هذا الاكتشاف الأول من نوعه في شبه الجزيرة العمانية." وأشار إلى أن التنقيبات داخل المبنى كشفت عن لقى أثرية فريدة أخرى، بما في ذلك جرار ذات مقابض على شكل السلال، وقطعة فخارية نادرة تحمل طبعة ختم يصور رجلين وبعض الزخارف. وتعد هذه المكتشفات الأولى من نوعها التي يُكشف عنها في شبه الجزيرة العمانية، كما ذكر أن هذا الاكتشاف يفتح آفاقاً جديدة للبحث والدراسة حول الطقوس الجنائزية والمعتقدات الدينية في العصر الحديدي في شبه الجزيرة العمانية، ويسلط الضوء على جزء مهم وغير معروف من تاريخ هذه المنطقة، ويعمق فهمنا للتقاليد الثقافية والاجتماعية للمجتمعات التي عاشت في تلك الفترة.
About the Author