القصص الشعبية بين البعث والتطوير
- استمعت إليها: سارة السليمانية
"في الماضي كان الطفل ينشأ مع أسرته وفق نسق معين من العادات والتقاليد والموروثات التي تشكل بناؤه الفكري واللغوي، إلا أن طفل اليوم لا يحظى بفرص الجلوس مع كبار السن والاستماع للحكايات والأغاني الموروثة أو لعب الألعاب الشعبية. ووجد نفسه ينشأ ضمن منظومة متداخلة من المعارف والمعطيات تساهم في تربيته وتلقينه. الأمر الذي ساهم في تشكل فجوة بين الأجيال من حيث القاموس اللغوي أو المفردات الخاصة بالثقافة والهوية."
انطلقت الأستاذة الدكتورة فخرية بنت خلفان اليحيائية- أستاذة بقسم التربية الفنية بكلية التربية، بمشروع تحويل أدب القصص الشعبية إلى رسوم بصرية تفاعلية بهدف ترسيخ مفهوم الهوية والثقافة العمانية وبناء مادة بصرية تفاعلية على هيئة قصص وأغاني للطفل العماني من خلال الاستفادة من التقنيات الحديثة في تحويل القصص الشعبية إلى رسوم تفاعلية تحمل خصائص وسمات الشخصية العمانية. من بعض نتائجه جاءت قصتيّ أطفال الأولى "خزانتي السحرية"، والثانية "عطلة القيظ"، بالإضافة إلى بحثين علميين نُشرا في مجلات علمية محكمة، ومؤتمر وقد كان الفريق البحثي مكون من الأستاذ الدكتور محمد العامري، والدكتور ياسر محمد فوزي، والأستاذة عذاري الشيذانية، والأستاذة الغالية الصقرية. يسعى المشروع للمساهمة في تنشئة جيل مرتكز على موروثات الهوية والحضارة العمانية. وهنا تحدثنا الأستاذة الدكتورة اليحيائية عن هذه المبادرة.
الإلهام
"فعليًا أنا مهتمة بالتراث والهوية ولدي الكثير من الدراسات العلمية المنشورة في هذا المجال، وقد سبق وأن نشرت كتاب عن القصص العمانية المصورة وقد جاءت هذه القصص كجزء من نتاج مشروع بحثي ممول من جامعة السلطان قابوس لتحويل أدب القصص الشعبية العمانية إلى رسوم تفاعلية بصرية. وكانت أهداف المشروع تتمثل في تقصي واقع الاهتمام بأدب الطفل العربي والبحث في أهم المبادرات العربية الخاصة بتسجيل قصص الطفل، وتسليط الضوء على بعض النماذج العالمية والعربية في هذا المجال، وكذلك حصر التراث غير المادي المتمثل في الأغاني والقصص العُمانية الخاصة بمرحلة الطفولة، ودراسة الأدب المطروح للطفل العماني من أجل التعرف على مكوناته وخصائصه وارتباطه بخصوصية الطفل العماني، إلى جانب بناء مادة بصرية تفاعلية في هيئة قصص وأغاني للطفل العُماني من خلال الاستفادة من التقنيات الحديثة في تحويل أدب القصص الشعبية إلى رسوم تفاعلية بصرية تحمل خصائص وسمات الشخصية العُمانية. ويمكن حصر أهمية المشروع ومبرراته من أهمية الموضوع الذي يتناوله، وهو تنشئة جيل مرتكز على موروثات الهوية والحضارة العمانية. والمساهمة في بناء قاموس لغوي بصري للطفل العُماني يُشّكل هوية الطفل من خلال الاشكال والمفردات والرموز والكلمات، والمساهمة في إثراء المكتبة العربية بالبحوث والدراسات في مجال أدب الطفل."
من الأسرة الكبيرة إلى الأسرة الصغيرة
"يساهم الموروث في تشكيل هوية الطفل وبلورتها في ظل الظروف الحالية واختلاف نوع الأسرة وتحولها من شكل الأسرة الكبيرة إلى شكل الأسرة الصغيرة؛ إذ تتشارك مجموعة معطيات في تربية الابناء؛ فقد كان الطفل قديما ينشأ مع أسرته وفق نسق معين من العادات والتقاليد والموروثات التي تُشكل بناؤه الفكري واللغوي. إلا أن طفل اليوم لا يحظى بفرص التعلم والجلوس مع كبار السن أو اللعب والاستماع إلى الحكايات والأغاني الموروثة، ووجد نفسه ينشأ ضمن منظومة متداخلة من المعارف والمعطيات تساهم في تربيته وتلقينه. الأمر الذي ساهم في تشّكل فجوة بين الأجيال من حيث القاموس اللغوي أو المفردات الخاصة بالثقافة والهوية، والقصص المصورة بدورها ترسخ الهوية العمانية من خلال الأشكال والمفردات التي تحمل قالب عماني يربط الأجيال ببعضها فيتعرف الطفل على تلك المفردات بشكل جذاب."
الذكاء الاجتماعي
"القراءة بشكل عام تنمي الوعي الثقافي والاجتماعي وتفتح آفاقاً واسعة وتُكسب عمقًا واضحًا بكافة الأشكال، وبلا شك قراءة القصص المرتبطة بثقافة المجتمعات تكسب القارئ وعيًا وذكاءً في فهم أنواع الثقافات والتراث وفهم البشرية. كما إن فهم الطفل لمفاهيمه الوطنية يعزز وعيه الاجتماعي ويجعل علاقته بأقرانه تأخذ منحىً إيجابيًا كونه مدرك بأن أقرانه يشاركونه الكثير من القيم والاتجاهات، وبالتالي هذه العلاقة الإيجابية تساهم بطريقة أو بأخرى بترسيخ مفاهيم الهوية الوطنية. ويجب أن ينتبه الاهالي إلى أهمية الحرص على اقتناء كل الانتاجات الأدبية والقصص المصورة التي تبرز ملامح الهوية والموروث الشعبي العماني كونها الفرصة الحقيقية لربط الأجيال ببعضها."
تطلعات لدمج المناهج الدراسية
"بلا شك أن دمج هذه القصص في المناهج الدراسية هو الهدف الأساسي من العمل على هكذا مشاريع فاغلب ما هو معروض في المكتبة العربية بعيد عن الثقافة العمانية ولذا جاءت مساعينا للمساهمة في رفد المكتبة العمانية بإنتاجات أصيلة."
حلول أخرى
"البيت والأسر الجديدة تلعب الدور الأول في ترسيخ الهوية الوطنية من خلال ممارسات الحياة اليومية وتأكيد حضورها في ممارساتهم، وفي غرس قيم كثيرة مرتبطة بالحقوق والواجبات، بالإضافة لدور المعلم في المدرسة ودور آخر كبير للإعلام، جميع هذه الجهات يجب أن تتكاتف جهودها لترسيخ مفاهيم الهوية والثقافة العمانية."
خدعة الانفتاح
"حجة التطور يعني قصورًا في الفهم الحقيقي للانفتاح؛ فلا يمنع تطورنا وانفتاحنا أن نبقى محافظين على التقاليد والموروثات العمانية الاصيلة، لذا أنصح الأهالي بضرورة ربط الأجيال ببعضها والانتباه بأن مغريات التطور هي سلاح ذو حدين نحتاج إلى التنبه له."
رسالة إلى القراء الصغار
"هناك العديد من الرسائل بعضها يرتبط بالقيم وبعضها بالعادات والتقاليد وبعضها بالتشبث بالهوية العمانية. فمثلا في قصة (خزانتي السحرية)؛ يعد يوم الجمعة يومًا مقدسا لذا تستعد له بطلة القصة إذ أنها تزور فيه جدتها وتلتقي بأبناء أعمامها وخالاتها، ولهذا يجب أن ترتدي فيه أجمل ملابسها التقليدية التي تحبها جدتها. وفي قصة (عطلة القيظ) التي تنتظرها بطلة القصة هناك لقاء آخر ببنات خالاتها التي تلتقي بهن ويتشاركون قطف الثمار من رطب وليمون ومانجو ويوزعونه على الجيران، ويستمتعون بهذا الفصل من السنة. فهناك قيم الحب والتعاون والمشاركة والكثير من القيم التي يعرف بها العماني منذ الأزل."
About the Author