هل سبق وتناولت طعاما فاسدا أو ملوثا؟ وهل تعلم بأن عدد مسببات الأمراض ذات المنشأ الغذائي تصل إلى 31 مسبباً وتشمل الميكروبات والسموم والمواد الكيميائية؟ وإنها تسبب أكثر من 200 مرض تتراوح بين الإسهال والسرطان!!، ومع تغير المناخ وظهور ميكروبات مرضية جديدة أكثر سمية تقاوم المضادات الحيوية زادت عدد حالات التسمم، وفي سلطنة عمان هناك حالات عديدة مسجلة للتسمم الغذائي.. وبالتالي فإن الوضع أصبح أكثر بكثير من مجرد تفاحة فاسدة.. تفاصيل الموضوع مع د. إسماعيل بن محمد البلوشي أستاذ مشارك ميكروبيولوجي الأغذية بكلية العلوم الزراعية والبحرية..
الأرقام تتحدث
يؤكد الدكتور إسماعيل بأن هناك 420000 حالة وفاة سنوياً بسبب الغذاء الملوث منهم 125000 طفل حسب "منظمة الصحة العالمية" وهذه الأرقام تعني وجود مشكلة مستمرة، والمطلوب هو: رفع الوعي، وتقصي حالات التسمم الغذائي، وتطبيق نتائج التقصي في المنشآت الغذائية.
ما هو الغذاء الآمن؟
الغذاء الخالي تماما أو الذي يحتوي على مستوى من المخاطر البيولوجية والكيميائية والفيزيائية ولكن بدرجة لا تؤثر على المستهلك، هكذا يقول الدكتور البلوشي ويضيف بقوله: بأن مظهر الغذاء لا يدل على مأمونية الغذاء، ويصبح الغذاء غير آمن إذا كان يحتوي على مخاطر تجاوز الحد المسموح به في التشريعات الغذائية، وإنتاج الغذاء من مصدر ملوث (البحار، الأنهار، المزارع) ، وكان إعداد الغذاء في ظروف غير آمنة صحيا (المصانع، المطابخ) ، وكذلك إعداد الغذاء بأيدي عاملة غير لائقة صحيا ، وإعداد الغذاء بأيدي عاملة غير واعية بأسس سلامة الغذاء ، وتم إعداد و تداول الغذاء في درجات الحرارة التي تشجع على النمو الميكروبي (منطقة الخطر: °5م ̶ 65 °م( ، إلى جانب عدم تطبيق التشريعات الغذائية .
كيف يتسمم الغذاء؟
يعرف الدكتور إسماعيل التسمم بأنه مرض ذات منشأ غذائي ينتج من استهلاك غذاء ملوث بالبكتيريا الممرضة أو سمومها، والفيروسات، والطفيليات، والكيماويات والسموم الطبيعية في الغذاء، ومن أهم أسبابه: الأخطار البيولوجية %70 ، و الكيميائية %20 ، والفيزيائية %10
وينقسم التسمم الغذائي البكتيري إلى نوعين هما : التهاب معوي (ايشريشيا كولاي) ، (سالمونيال )
وسموم ميكروبية (باسليس سرييس )، ( كلوستريديم بوتلينم)
وحول مسببات التسمم الغذائي والأمراض المزمنة من الغذاء يشير الدكتور البلوشي إلى أن أول هذه الأخطار هي (البكتيريا (السالمونيال، ايشريشيا كولاي ) وهي تأتي من جميع الأغذية، وأما الفيروسات فتأتي من الأسماك الصدفية خاصة من المزارع ، والسموم الفطرية (افالتوسين) فمصدرها من الأغذية الجافة ( الأرز ، البهارات )
وبالنسبة للمبيدات الحشرية فهي موجودة في الخضروات والفواكه، وأما المعادن الثقيلة (الزئبق) فموجود في الأسماك من البحار الملوثة، والمواد المضافة (سامة بذاتها أو تجاوز الحد المسموح به ) فهي موجودة في جميع الأغذية المصنعة ، بالإضافة إلى السموم الذاتية والموجودة في البطاطس الخضراء ، وبعض الأسماك )
ويوضح الدكتور إسماعيل بأن هناك عدة مسببات للتسمم الغذائي عالميا وهي : المسبب الأول: البكتيريا ( السالمونيال ، ايشريشيا كولاي )، ليستيريا مونوساتوجينس) ومصدرها الرئيسي الحيوان ( القناة الهضمية(، وأما المسبب الثاني: الفيروسات ( نوروفيرس ، التهاب الكبد الوبائي أ (ومصدرها الرئيسي الإنسان المصاب (القناة الهضمية) ، والمسبب الثالث: الطفيليات المجهرية ( السيكلوسبورا) ومصدرها الرئيسي الإنسان المصاب (القناة الهضمية)
وتعد السموم الفطرية (افالتوسين) المسبب الرابع ومصدرها الرئيسي بعض أنواع الفطريات، وأخيرا المسبب الخامس وهو: بقايا المبيدات الحشرية ومصدره الرئيسي المبيدات الحشرية.
احذر هذه الأخطاء!
يحذر الدكتور إسماعيل البلوشي من مجموعة من الأخطاء التي تؤدي إلى التسمم وهي: تحضير الأغذية عالية الخطورة بفترات طويلة قبل الاستهلاك، وترك الأغذية المحضرة على درجة حرارة الغرفة، كذلك الأغذية غير المطبوخة جيدا أو كليا، إلى جانب عدم إذابة الأغذية المجمدة كليا قبل الطبخ، كذلك تلوث الخليط من متداول الأغذية والأدوات، وترك الأغذية الساخنة على درجة حرارة أقل من 63 درجة مئوية، بالإضافة إلى وجود متداول الأغذية بمرض معد، واستخدام بقايا الأغذية المعدة مسبقا.
وبالنسبة للعوامل التي تساعد على التسمم الغذائي الميكروبي فهي: درجة الحرارة، وكذلك متداول الأغذية ( ستافيلوكوكس ايوريس سالمونيال ايشيريشيا كوالي نوروفيرس)، فيروس الكبد الوبائي نوع (أ ).
أغذية عالية الخطورة!
يؤكد الدكتور البلوشي بقوله: إن الأغذية تعتبر مثالية لنمو جميع الميكروبات سواء قبل أو بعد التحضير، لذلك يحتمل أن تحمل الميكروبات الممرضة ذات منشأ غذائي.
وأضاف: من خصائص الأغذية عالية الخطورة احتوائها على: مستوى عال من العناصر الغذائية التي لا تحتاج إلى هضم، وسريعة الامتصاص من قبل الميكروبات، ومعدل حامضي يصل إلى الاعتدال (رقم الحموضة 7)، ونشاط مائي يصل إلى 1
ومن الأغذية عالية الخطورة الدواجن واللحوم والبيض، ومنتجات الألبان، والفواكه والخضروات، والأغذية البحرية.
متداولي الأغذية في قفص الاتهام!
يؤكد الدكتور البلوشي بأنه يجب توفير لائحة صحة وسلامة لمتداولي الأغذية القياسي في المنشأة الغذائية مكتوبة أو بشكل صور. وأضاف بقوله: كذلك لا بد من وجود برنامج تدريبي مفعل، ووجود إطار قانوني يلزم متداولي الأغذية الإفصاح عن إصابته بأي مرض معدٍ، وعزل متداول الأغذية المصاب عن منطقة الغذاء، إلى جانب إنشاء برنامج مراقبة تطبيق لائحة الصحة والسلامة لمتداولي الأغذية القياسي.
وواصل حديثه بقوله: هناك بعض الممارسات الخاطئة عند متداولي الأغذية وهي: التدخين : فالسيجارة قد تكون مصدرا لميكروبات التسمم الغذائي مثل سيديوموناس ايريجينوزا ، وفم الإنسان قد يحتوي على أكثر من 2000 نوع من الميكروبات بعضها مسبب للمرض مثل (ستافايلوكوكس اييوريس) ، وفم المدخن يحتوي على العديد من الفطريات إلى جانب سعال المدخن قد ينشر فيروسات الفم والأنف.
ومن الممارسات الخاطئة العطس والسعال في منطقة الغذاء فهي وسائل لنشر ميكروبات الجهاز التنفسي.
سلسلة محيطة بنا!
يقول الدكتور إسماعيل : في سلسلة التسمم الغذائي هناك عدة مراحل وهي : الميكروب في مصدره (حيوان، تربة، مياه الري، دورة المياه ( الميكروب وصل إلى الغذاء ) متداول الأغذية، أدوات الطبخ( ، والميكروب ينمو في الغذاء ) درجة الحرارة ، الوقت( ، والمرحلة الأخيرة يكون فيها الميكروب قد وصل إلى الإنسان )تسمم غذائي)
وأضاف : هناك عدة آليات للتحكم في كل مرحلة فإذا كان الميكروب في مصدره فإن آليات التحكم تكون في مأمونية مياه الري والسماد، و عدم تلويث الغذاء بمحتويات معدة الحيوان أو الإنسان، و تطبيق لائحة صحة وسالمة متداولي الأغذية، بالإضافة إلى توفير صابون مطهر في دورات المياه و المطبخ.
وواصل حديثه : وإذا وصل الميكروب إلى الغذاء فإن التحكم يكون بمنع التلوث الخلطي من متداولي الأغذية والأدوات ، وإذا كان الميكروب ينمو في الغذاء فإن آليات التحكم تكون عبر إبعاد الغذاء من منطقة الخطر الحراري 5 – 63م ، و إعداد الغذاء حسب درجة الحرارة الموصي بها.
وأخيرا إذا وصل الميكروب إلى الإنسان فإن آليات التحكم يكون عبر وعي المستهلك بمعرفة أعراض التسمم الغذائي، ومسؤولية المنتج بمنع وصول الميكروب للغذاء.
التقصي وإثبات الفرضية
ومثل التحقيقات الجنائية يتم في البداية تقصي الحقائق ومن ثم إثباتها، وفي ذلك يقول الدكتور البلوشي: بداية يتم التقصي من خلال معرفة أهداف التقصي، وهي إيجاد تشريع/ لائحة تمنع أو تقلل التسمم الغذائي، وكذلك معرفة الخطأ الذي أدى للتسمم الغذائي، بالإضافة إلى إيجاد العلاج المناسب للمتسممين في أسرع وقت.
وبالنسبة لخطوات تقصي حالات التسمم الغذائي أضاف: لا بد من وجود أعراض مرضية تشبه أعراض التسمم الغذائي(شخصين وأكثر) بعدها يتم تشكيل فريق التقصي من كادر سلامة الغذاء الذي يقوم بإنشاء الفرضية الغذائية والميكروبية، وكذلك الكادر الطبي الذي يقوم بإنشاء الفرضية الميكروبية.
ويتم إنشاء الفرضية وسبب التسمم من خلال الغذاء المتناول: دجاج إلى جانب أعراض التسمم مشابه للتسمم بالسالمونيال فإن احتمال التسمم بالسالمونيال (50% ) وهنا نحتاج إلى إثبات الفرضية.
ويأتي إثبات الفرضية الغذائية الميكروبية عبر التتبع الغذائي للغذاء المشكوك، وظروف إعداد الغذاء، وصحة وسلامة متداولي الأغذية، والظروف الصحية للمنشأة، وسحب عينات من نفس الوجبة، وأخيرا فحص مخبري لأكثر من ميكروب.
وأضاف الدكتور البلوشي: وفي مرحلة إثبات التسمم الغذائي يتم التوصل إلى نتائج الفحص المخبري للغذاء، ونتائج الفحص المخبري للخروج.
ولأجل التحكم في التسمم الغذائي لا بد من وجود وعي ومسؤولية المستهلك، وتشريع غذائي مطبق، ووعي ومسؤولية المنتج
وأخيرا قال الدكتور: على المفتش الغذائي مسؤولية في الحد من التسمم الغذائي عبر الإلمام بالتسمم الغذائي نظريا وعمليا، والمقدرة على إنشاء الفرضية، والتطبيق الصارم للقوانين على المنشأة والعامل (غرامة: %50 + %50)