X638311283768843821

 

 


 

 

Banner-02

 

لحظة الميلاد الجديدة

17 Aug, 2023 |
  • د. علي بن سعيد الريامي، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية

الدراسة الجامعية لحظة ميلاد جديدة مليئة بالفرص والتحديات والآمال والتطلعات نحو مستقبل نتصور أنه أفضل بالقياس مع ما نشهده من تطور متسارع خاصة التطور التقني وتوظيف الذكاء الاصطناعي في الكثير من المجالات، وفي الوقت ذاته الجهل بما يخبئه المستقبل –وهذا أمر طبيعي-يجعلنا في حالة من القلق والإرباك النفسي بالنظر إلى المتغيرات العالمية سياسياً واقتصاديا وثقافياً واجتماعيا، بل أن حجم التحديات يبدو بالفعل كبيرا، وعلينا أن نستعد لها بإرادة وعزيمة وثبات.

كثير من الطلبة يأتون من بيئات بعيدة، وسينتقلون للعيش بعيداً عن الأسرة وأصدقاء المدرسة الذين اعتادوا صحبتهم، الأمر الذي يتطلب منهم تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس في المأكل والمشرب والتنقل..سينتقلون ليعيشوا في وسط مختلف عن الوسط الذي ألفوه في البيت والقرية والحي، وسيلتقون بأشخاص من مختلف المناطق والبيئات، وغالباً سيتقاسمون معهم السكن، وهذا يتطلب منهم التكيف والاندماج؛ ولهذا ستكون الحياة الجامعية فرصة لبناء الذات قبل البناء التخصصي الأكاديمي. 

من جهة أخرى نؤكد بأن الدراسة الجامعية الأكاديمية ليست كل شيء في حياتنا، ولا نهاية كل شيء في عالمنا، وإنما هي مسار ضمن مسارات حياتية أخرى، قد لا يحالفنا التوفيق فيها لأسباب مختلفة، لكننا قادرون على المشي في مسارات أخرى، وفتح أبواب ونوافذ أخرى أكثر رحابة وقرباً مما حبانا الله إياه من قدرات وملكات إبداعية، فكما جاء في الحديث الشريف: " اعمل فكل ميسر لما خلق له".

الجامعة جامعة .. هي مجتمع صغير. لكنه يعكس واقع المجتمع الكبير بكل ما فيه من قيم، وفضائل، وإحسان، وما قد يعتريه من مثالب ونواقص وقصور في المنظومة القيميّة للبشر، وأحياناً قد يستعصي علينا فهم الواقع المجتمعي بتناقضاته المختلفة، غير أنه بملكاتنا العقلية، وقدرتنا على نقد الذات ونقد الأوضاع وفهم الآخر نستطيع تصحيح المسار في الوقت المناسب، وهذا يدخل في باب التدافع الإيجابي فننتصر للحق بالتعقل وليس بالتهور، نحترم الآخر المختلف عنا، نحترم عاداته وتقاليده ومعتقده، ونعتبر ذلك الاختلاف ثراءً وتنوعاً محموداً ، ونبتعد عن كل مظاهر التشدد والتطرف الفكري، فالوطن الذي يجمعنا واحد وهو صمام الأمان لوحدتنا، فلطالما كانت عمان تاريخياً لوحة من فسيفساء ثقافية جميلة.

تجربة الدراسة الجامعية الأولى تجربة مختلفة عن المراحل الدراسية السابقة وحتى اللاحقة؛ كونها مرحلة انتقالية في حياة الشباب الذين يواصلون دراستهم الأكاديمية في مختلف المؤسسات التعليمية. تجربة تقوم على المسؤولية الذاتية للطالب الجامعي، في أرجاءها تتعمق معارفه التخصصية والحياتية والمهارية..

من قاعاتها الدراسية ومختبراتها يكبر الشغف المعرفي، ومن رفوف مكتباتها التقليدية والإلكترونية تتوالد وتتدافع الأفكار، فالوصول إلى المعرفة يبدأ بالقراءة التي لا تتوقف ولا تنتهي، والتفكير الحر والناقد حتماً يعزز الثقة بالذات ويبني القيادات الشابة المفعمة بالطاقة الخلاّقة، فهم سواعد هذا الوطن المعطاء وحراس نهضته.

About the Author