X638311283768843821

 

 


 

 

Banner-02

 

جامعة السلطان قابوس وداعًا

13 Dec, 2021 |

 

  • جمال بن زهران الحرّاصيّ

لم يكن مساء يوم الاثنين الرابع من يناير 2021 مساءً طبيعيًّا ككلّ المساءات التي تأتي علينا وتذهب، إنّه مساء اختلطت فيه مشاعر الفرح بمشاعر الحزن.

فرحٌ يُسعد قلبي لإنجاز الدرجة العلميّة، والخروج من حالة الانتظار والقلق إلى آفاق الفرح والارتياح، ويقابل ذلك الفرح حزنٌ يهاجمه محاولًا القضاء عليه، لأنّ هذا الإعلان بإجازة البحث، وإقرار الدرجة العلميّة يعني النهاية لرحلة طويلة جميلة في رحاب جامعة السلطان قابوس.

خرجت من البيت؛ لأقضي بعض الوقت في ممارسة الرياضة التي بقيت وفيّةً لي من جملة الرياضات التي عشقتها في حياتي، ألا وهي رياضة المشي، لم يتوقّف عقلي عن تقليب الأمر يمينًا وشمالًا، لم أكن قد أخبرت أحدًا بالأمر، ولم أكن قد نشرت معلومة بذلك في وسائل التواصل الاجتماعيّ، ولكنّ الخبر سرعان ما شاع وانتشر، وبعدها تلقّيت سيلًا من التهاني من الأهل والأصدقاء المخلصين، ولكنّها فشلت في طرد ذلك الهاجس من عقلي.

قطعت في مشيي مسافة لا بأس بها باتجاه المنتزه المشهور بمنتزه (النعامات)، ثمّ تركت الطريق المؤدّية إليه، فانعطفت يمينًا، وتوغّلت وسط الوادي الرمليّ الملتفّ على قريتنا، وهنا انتهت مرحلة التعادل بين الأمرين في عقلي، فانتصر الحزن على الفرح، وعمّني شعور حزين بأنّي سأعود غريبًا في جامعة كنت أعدّها بيتي الثاني.

(هذه الجنّة كنّا طائفيها .. والمصلّين صباحًا ومساءَ

كم سجدنا وعبدنا الحسن فيها .. كيف بالله عدنا غرباءَ؟)

اليوم وغدًا سأوقف عند البوابات، وسيقال لي: لمَ أنت هنا؟ وماذا تبتغي؟ اليوم أتذكّر أوّل مرّة وطئت قدماي أرض الجامعة، وأتعجّب كيف رمت بي الدنيا يومها في أمواج مختلفة من البشر، وعلى الرغم من الصعوبات المختلفة، ولكنّي تمكنت من السباحة مع التيّار حتى وصلت إلى شاطئ الأمان، كان ذلك قبل أكثر من عشرين سنة، ولكنّ الأمر في مخيّلتي كأنّه الأمس، إنّها ـ يا سادة يا كرام ـ ذكريات لا يمكن أن تمحى من عقلي.

أتذكّر أنّي قضيت أربع سنوات من عمري في مرحلة (البكارليوس)، ثمّ غادرت الجامعة متخرّجًا فيها، وبعد أعوام قليلة عدت إلى الجامعة؛ لأدرس (الماجستير) في عامين دراسييّن، ثمّ غادرتها متخرّجًا فيها، وبعدها كثر تردّدي على الجامعة لحضور بعض الندوات والملتقيات، ومنها ملتقى المعلمين ذوي الخبرة، وكان ذلك الملتقى هو الشرارة التي قدحت في عقلي ضرورة الالتحاق ببرنامج الدكتوراه؛ لأنّي التقيت فيه بأستاذي الدكتور محمّد جمال صقر، فلمّا نهلت من علمه، كان لا بدّ لي من العودة مجدّدًا إلى الجامعة مع الانحراف قليلًا عن كليّة التربية إلى كليّة الآداب والعلوم الاجتماعيّة، فكان لي ـ بفضل الله ـ ما أردت، وتحقّق المراد، وبلغ الماء حقله، فسقى شجره، وأينع ثمره.

والآن أو بعد أيام ـ قد تطول بسبب الجائحة ـ سيكون الاحتفال الوداعيّ للجامعة، وأظنّها النهاية التي لا بدّ منها، وعليّ أن أعدّ جوابي لأقدّمه عند البوابات إن أتيت يومًا زائرًا، فسأقول لهم مجيبًا سؤالهم: عاشقٌ أتى زائرًا، ومشتاقٌ أتى عابرًا، وأسير ماضٍ جاء يجدّد عهودًا قديمة لا يمكنه أن ينساها.

اليوم أتذكّر كلّ أساتذتي، ولكنّي أخصّ الراحلين منهم إلى دار الخلود بالذكر، فأوّلهم عهدًا هو الدكتور محمّد الطاهر الدرديري السودانيّ ـ رحمه الله ـ أستاذ الحديث بقسم العلوم الإسلاميّة بكليّة التربية، وبعده أستاذي الدكتور محمّد رشاد الحمزاويّ التونسيّ ـ رحمه الله ـ أستاذ علم اللغة والمعاجم بكليّة الآداب، وثالثهم أستاذي الدكتور عليّ أحمد مدكور المصريّ ـ رحمه الله ـ عميد كليّة التربية وأستاذ مناهج اللغة العربيّة وطرائق تدريسها، وقد كان مشرفًا عليّ في درجة (الماجستير)، وأخيرًا أستاذي الدكتور سليمان الغتاميّ العماني أستاذ مناهج اللغة العربيّة وطرائق تدريسها، فرحمة الله على تلك الأجساد الطاهرة والأرواح المهاجرة.

About the Author