- د. اسماعيل بن محمد البلوشي- استاذ مشارك ميكروبيولوجي الاغذية- كلية العلوم الزراعية والبحرية.
تسعى الدول إلى توفير ما يلزمها من السلع الغذائية لتحقق الأمن الغذائي معتمدة على خطط وضعت لهذا الغرض. وقد يعتقد البعض أن الأمن الغذائي يتحقق بتوفير الغذاء كمَّا دون النظر الى الكيف، والجوانب التي تجعل هذا الغذاء عديم الفائدة رغم توفره بالكمية المطلوبة. ومع ظهور التحديات التي تحيط بالغذاء أصبح للأمن الغذائي مفهوم آخر يشمل جميع جوانبه من إنتاجه إلى استهلاكه. يعرَّف الأمن الغذائي على أنه: توفير الغذاء لكل الناس في كل الأوقات، و يتمكن الناس من الحصول عليه اجتماعيا و اقتصاديا بكمية كافية، على أن يكون الغذاء آمنا ومغذيا بحيث يلبي احتياجات المستهلك من العناصر الغذائية ويوفر الأولويات اللازمة لحياة صحية مفعمة بالنشاط. يتبين لنا من هذا التعريف أن للأمن الغذائي أربع دعائم رئيسية لا يمكن أن يتحقق الأمن الغذائي بدونها وهي: توفر الغذاء، وثبات المخزون الغذائي، واستخدام الغذاء، وسهولة الوصول إليه فيزيائيا و اقتصاديا.
يتوفر الغذاء من: الإنتاج المحلي، والاستيراد من الخارج، والمساعدات الغذائية، و المخزون الغذائي.
يجب أن يكون المخزون الغذائي ثابتا عند التغيرات المناخية، وتقلبات الاسعار والعوامل السياسية والاقتصادية.
يستخدم الغذاء إذا كان آمنا، ومنتجا بالممارسات الصحية الجيدة، وذو قيمة غذائية عالية. ويمكن تحقيق سهولة الوصول إلى الغذاء من خلال التوازن بين القوة الشرائية ودخل السكان، وتوفر الاسواق، ووجود البنى التحتية.
ولتحقيق الأمن الغذائي لا بد من وضع استراتجيات فعالة و طويلة المدى ومن أهمها: تطوير الأسواق الفعالة والمخازن المناسبة للمنتجات الزراعية في جميع المناطق، وضمان وصول الأراضي الزراعية إلى كافة السكان ومنهم الفقراء، وإزالة العقبات الإدارية التي تمكِّن صغار المنتجين من الحصول على القروض، وتوسعة مجالات البحث العلمي، وتبني تقنيات حديثة في البحث العلمي.
يواجه تحقيق الأمن الغذائي في بعض الدول العديد من التحديات منها: عدم فاعلية نظم تأمين سلامة الغذاء، وتغير المناخ، ونقص الموارد الطبيعية و البشرية المؤهلة، وازدياد استخدام المحاصيل الغذائية كمصدر للوقود، وارتفاع الأسعار. ويختصر الحديث في هذا المقال عن تأثير تغير المناخ على الأمن الغذائي.
وسعيا لتقليل الآثار الخطيرة لتغير المناخ على جميع مكونات الحياة على كوكب الأرض، اتفق المجتمع الدولي في اتفاقية باريس للمناخ في عام 2015 على الحفاظ على المصادر الطبيعية، من خلال تخفيض انبعاث غاز ثاني اكسيد الكربون و الذي من شأنه رفع حرارة الكوكب. وعلى ضوء أهداف اتفاقية باريس وضعت استراتيجية القضاء على الجوع و سوء التغذية بحلول عام 2030 . غير أن التقارير الصادرة من منظمة الأغذية و الزراعة (الفاو) في 2019 تشير إلى عدم توفر أدلة لخفض مستويات هذا الغاز، الأمر الذي يفاقم من حدة الآثار المترتبة عن تغير المناخ.
يطالب القطاع الزراعي بزيادة الإنتاج بنسبة 49% بحلول عام 2050 لإطعام العالم، ولكن التغير المناخي يحول دون تحقيق هذه الزيادة في الإنتاج الغذائي، لأن آثار التغير المناخي فيما يخص الإنتاج أصبحت جلية، فبسبب زيادة حرارة الارض والمعدلات العالية لانبعاث الغازات أصبحت المحيطات ساخنة وحامضية، الأمر الذي ساهم في خفض التنوع الأحيائي فيها، بما في ذلك الأغذية البحرية.
ونتيجة لانبعاث الغازات ارتفعت معدلات التصحر في الاراضي الزراعية.
لو تتبعنا الآثار المترتبة عن تغير المناخ على الأمن الغذائي بلغة الأرقام فإننا نلاحظ وجود 122 مليون من سكان العالم من المزارعين شديدي الفقر بحلول عام 2030 .
تبين التحاليل النموذجية ارتفاع أسعار الحبوب بنسبة 29% بحلول عام 2050.
لكل درجة زيادة في درجة الحرارة فإن 500 مليون شخص إضافي سيعانون من نقص مصادر المياة المتجددة بنسبة 20%.
ثلث أراضي العالم تدهور و تحرر 78 جيجاطن من ثاني أكسيد الكربون إلى الجو، الأمر الذي يُفقِد التنوع الأحيائي و البيئي.
امتصت المحيطات 90% من الحرارة الناتجة عن نشاط الإنسان و 30% من غاز ثاني أكسيد الكربون، وأدى ذلك إلى خفض الأكسجين المذاب الكلي بنسبة 15%، وارتفاع الحموضة بنسبة 26% في المحيطات، لذلك يتوقع أن تنخفض كمية المصيد من المصايد الصغيرة في بعض المحيطات على سبيل المثال بنسبة 50% بحلول 2050 عام. إضافة إلى ذلك فقد أدى تغير المناخ إلى سرعة انتشار الآفات الزراعية و الحيوانية.
نختم هذا المقال بحقيقة هامة وهي: لا يمكن أن يتحقق الأمن الغذائي في أي سلعة ما لم تفهم ماهية الأمن الغذائي ومتطلباته وتحدياته، على أن يُعطى تحدي تغير المناخ الاهتمام الأكبر لوضع أي استراجية للأمن الغذائي.
المصادر :
1. عمل الفاو على تغير المناخ. 2019. منظمة الاغذية و الزراعة. روما.
2. تأثيرات تغير المناخ على الاسماك و تربية الاسماك. 2018. منظمة الاغذية و الزراعة. روما.