لغة شبابية!
عَمَد شاب عماني مُلْهَم إلى تسمية مشروعه لبيع الأعشاب والزيوت العطرية (عِطارة)، وسمى شاب آخر المقهى الذي افتتحه في شارع حيوي (سح وسمن)، واختار ثالث أن يسمي مطحنة القهوة خاصته (بُنّ)، ولم يتردد رابع في أن يسمي دكانه لبيع الأقمشة: (قصبان).. أسماء مستوحاة من تراثنا العربي والعماني، ما أجملها، وما ألطف منظرها في العين ووقعها في الأذن، وما أجدر أصحابها بالتحية في وقت جرفت فيه كثيرين غيرهم موجة الأسماء الوافدة علينا من وراء البحار.. أستحضر هذه التسميات في يوم الشباب العماني، وأحييهم لأن مشروعاتهم التجارية هذه تتلبس مشروعا فكريا مهما للإنسان العماني -ولا سيما فئة الشباب- يذكره بهويته الثقافية، ويعزز مسيره إلى المستقبل برؤى فاعلة مستوحاة منها. ذلك أن اللغة ليست أداة للتواصل بين الناس فحسب، وإنما هي وعاء لأنشطتهم الفكرية وتفاعلاتهم الاجتماعية وغيرها؛ فمن ثَم كان استخدام اللغة الأم أو إيثار غيرها عليها دليلا على متانة المنظومة الثقافية التي يتكئ عليها مستخدم اللغة، أو ضعفها. لقد أصبحت موجة التغريب اللغوي اليوم عاتية، فليست التسمية في لافتات المحلات والأنشطة التجارية إلا تجليا في أحد وجوهها للغةٍ يوميةٍ هجينةٍ يستخدمها كثير من الشباب في حياتهم دون أي إحساس بالحرج ولا تأنيب الضمير. يظهر هذا فيما يكتبونه في منصات التواصل الاجتماعي، وحينما يتكلمون في أنديتهم؛ بل إن بعضهم -بسبب ما أصبحت عليه هذه اللغة في واقع حياته وأنشطته- ليعجب ممن يعاتبه على هذا، لأنه لا يرى فيه مدعاة للعتب، ولا الانتباه أصلا!! وإذا أردت مثالا على هذا؛ فدونك هذه المضحكةَ المبكية: عاتبت مرة شبابا عمانيين سموا مقهى لهم باسم إنجليزي، وأعلنوا عن منتج لهم فاختاروا له اسما مركبا من كلمتين: إنجليزية وعربية؛ فرد عليَّ أحدهم مستغربا هذا العتاب العجيب، الذي ربما بدا له أنه قادم من أزمنة متخلفة أو من كوكب آخر: يا أخي هذا مجرد (ماركتنج).. (ماركتج)!! والخلاصة التي أود التنبيه عليها؛ أنني أحب للشباب العماني، في يومه هذا، وفي كل أيامه، أن يكون معتزا بلغته العربية، متمثلا أنماطها الظاهرة والباطنة، ومستصحبا قيمها الأصيلة على الدوام، لا سيما في زمن تكاد تضيع فيه الهويات الحضارية للأمم باتجاه نموذج واحد. وهذا النموذج نفسه -بأدواته الذاتية، أو بالمنبهرين به من العرب-؛ يسوِّق -وقد نجح، مع الأسف- لفكرة أن إدخال مفردات الحضارة الغربية في اللغة اليومية هو مظهر طبيعي للغة الشباب اليوم، فلا يتخلف عنه إلا من أراد أن يعيش خارج هذا الزمن! وإذن؛ فليس على شبابنا أن ينساق وراء هذه الفكرة المغلوطة، ولا أن يذوب في هذا الخضم الذي تكثر فيه الكلمات الوافدة على العربية. وإن وجد نفسه في الجامعة أو في السوق أو في وسائل الإعلام في محيط ألفاظ كثيرة، مضطرا لاستخدامها في سياقات بعينها؛ فعليه الانتباه أن يستصحبها للغته اليومية وبين إخوته وأولاده، فإن الحرص على لغته أن تكون نقية قوية هو حرص على انتمائه الوطني والديني والعربي، وهو حرص -قبل هذا وبعده- على نفسه بين المختلفين عنه؛ فإن المعتز بما لديه عزيز في عيون الآخرين. كتبت مرة، أيام الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، وأذكر به هنا مرة أخرى في هذا اليوم العزيز، يوم الشباب العماني: في كل يوم تتكلم فيه بالعربية؛ قرر أن تتغير، أن تستبدل بـ (الإطار) كل (تاير) في السيارة، وأن تضيء بيتك بـ (المصباح) بدلا من (الليت)، وأن تدع الموافقة بـ (اوكيه) إلى أن تقول: (بإذن الله/ إن شاء الله) أو حتى فقل: (طيب/ زين/ انزين). واعلم أن فرحتنا بـ (الإجازة الأسبوعية) ليس ينغصها علينا إلا قولك في الدلالة عليها (ويكند)، فكأنك جعلت الخميس، وهو (الونيس) -كما يقولون هذه الأيام-؛ تعيسا.. وإذا تعجبت من شيء؛ فما حاجتك إلى أن تقول (واو)، وهي لغة السنانير؟! كان في إمكانك -رعاك الله- أن تقول (يا الله/ ما شاء الله)! فلعل الله أن يُنْزِلَ البركة فيما تعجبت منه.. وإذا نَقِمْت على شيء فـ (حوقل) أو فقل (يا إلهي) واهجر (شت) غيرَ ملوم ولا خسران.. ولا يصدنك عن قول (وقت الشاي) -وقد أزمعت شربه وأنت في مزاج رائق، ونَشْرَ صورته في إنستاجرام- قولُ كثير من الإمعات (تي تايم) أو (شاهي تايم). أقول قولي هذا، واعلم أن كلمة (هاتف/جوال/ نقال) أحلى منك أيها العربي بدلا من (موبايل). وكذلك؛ فإنه لن يخلف ظنك (التطبيق) وقد استبدلت مسماه العربي بمسماه الإنجليزي (أبليكيشن). أؤكد لك أنه سيعمل بالكفاءة نفسها، ودمت سالما غانما.
About the Author