أمن وسلام
د. حيدر بن أحمد بن جعفر اللواتي / كلية العلوم.
يشحب الوجه ويضيق الصدر عندما يلتفت المرء إلى العالم من حوله حيث يرى كما هائلًا من المآسي التي كان الإنسان هو السبب الأول في صنعها، فغدونا نسمع كل يوم أن سيارة تحمل أطفالًا إلى مدارسهم قد فجرها...، وأن منزلًا لأسرة بسيطة قد هدمه...، وأن مصلين قد لقوا حتفهم في أماكن عبادتهم نتيجة لأطلاق نيران عليهم من قبل...
هذه المآسي التي هي نتاج تعصب أعمى وبغيض مبني على أسس عرقية أو مذهبية أو سياسية، أدى إلى أن يتحول الإنسان إلى وحش فقد سيطرته على كل رغباته الشريرة، فالعالم من حوله إما أن يكون نسخة منه ومن فكره ومعتقده وإما أن يكون عدوه فيحق له أن يقتله ويمزقه وينال منه كيفما شاء، ولذا فلقد غدا غاية حلم الكثير من بني البشر في العالم التعايش السلمي بناءً على المصالح المشتركة التي تجمعهم.
وعندما نلتفت إلى عُماننا الحبية فالأمر مختلف والبون شاسع، فهذه الدولة الفتية التي تجمع ثقافات مختلفة ومذاهب متعددة، ومشارب متنوعة تعيش في أمن واستقرار وسلم وسلام؛ وذلك لأن هذه الثقافات والمذاهب والمشارب المتعددة انصهرت جميعها في بوتقة واحدة، يجمعها حب واحد وهدف واحد ألا وهو خدمة ورفعة هذا البلد المعطاء، فلم يستطع التعصب الأعمى الذي أودى بحياة الشعوب وشل تطور البلدان أن يجد له طريقًا ومسلكًا في هذه الأرض الطيبة، ومكمن السر في ذلك أن الجميع هنا يدرك أن هذه الفوارق إنما هي فوراق طبيعية وأمر واقع لا محالة ما دام هناك عقل يفكر في رأس الإنسان وإرادة تجنح به إلى القيام بما يؤمن به.
إن هذا الإدراك وهذه المحبة والتلاحم الكبير الذي تشهده هذه الأرض الطيبة إنما هو نتيجة للثقافة التي انغرست في المجتمع العماني من خلال التربية التي رعتها الدولة ومن خلال تعامل الحكومة الرشيدة لحضرة صاحب الجلالة مع المواطن العماني، فالفوارق العرقية والثقافية والمذهبية، لا تدخل في زيادة رصيد المواطنة ولا تجعلك في الوقت نفسه مواطنًا من درجة ثانية، فهي أمور لا علاقة لها بكونك مواطنًا عمانيًّا ، بل القانون يكفل لك كافة حقوقك في هذا المجال، فلك الحق أن تمارس شعائرك ما دامت لا تتعارض مع الآخرين ولا تنال منهم، ولذا فلا شحناء ولا بغضاء في عُمان بل أمن وأمان. ولربما يكون هذا الإنجاز الكبير هو أهم إنجاز تحقق على هذه الأرض الطيبة، وتقع على عواتقنا، سواء أكنا مسؤولين أو مواطنين، المسؤولية الكبرى أن نحافظ على هذا التلاحم ولا نسمح لما يدور في العالم من مشاكل ناتجة عن تعصب أعمى لمذهب أو عرق أو ثقافة أن يجد له طريقًا إلى بلادنا الحبيبة، وكل عام وعُماننا الحبيبة وقائدها وشعبها بألف خير.
About the Author