توظيف العولمة لخدمة التراث الشعبي العماني
- د. زهراء بنت أحمد الزدجالية ـ أستاذ مساعد بكلية التربية - قسم التربية الفنية رئيس المجموعة البحثية الحرف والتراث العماني.

نسيج يدوي ٣٠سم x ١٢٠سم منسوج على غصن شجر استُوحيت زخارفه من النسيج العماني التقليدي وتمازجت ألوانه البدوية مع ألوان الفن الإسلامي وتم إخراجه بأسلوب يتماشى مع متطلبات العصر
برزت تأثيرات العولمة بالعالم في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وأصبحت ظاهرة متعددة الأوجه ومعقدة للغاية، شملت جميع مجالات الحياة، وقد صاحب تحديد مفهوم العولمة جدل واسع، إذ اختلف المفكرون والباحثون والعلماء في تحديد مفهوم شامل موحد للعولمة، ونرى عدم اتفاق تام فيما بينهم لتحديد تعريف دقيق يشمل الأبعاد المختلفة التي تأثرت من وراء ذلك، فجاء تعريف العولمة من المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بتعريف اختلف عما هو عليه عندما امتد ذلك التأثير إلى المجال الثقافي. وبشكل عام فإن هذا المصطلح يهدف إلى نقل المحدود المراقب إلى اللامحدود، وإلى إلغاء الحدود الجغرافيّة معتمدًا على الثورة المعلوماتية القائمة على المعلومات والإبداع التقني غير المحدود، وإلى خلق عالم افتراضيّ جديد تعولم من خلاله مجالات الحياة المختلفة وكذلك الأخلاق والقيم والفكر والثقافة والإرث الحضاريّ.
فعلى المستوى الثقافي هي تعنى بتعميم أنماط الثقافة الغربية من خلال توسيع نطاق انتشارها بطرق حضارية خاضعة لمعطيات تكنولوجية ووسائل اتصال حديثة ومتطورة، تهدف في المقام الأول إلى صياغة ثقافة عولمية وفق معايير عالمية تربط أطراف العالم بالثقافة المهيمنة على العالم وتقوم على أساس نسق عالمي من القيم المؤثرة في سلوك البشر على نحو متشابه في كل مكان، ومن ثم إعادة تشكيل الشخصية الإنسانية على نحو مغاير لما نشأت عليه وتوارثته الأجيال. مما يجعل ذلك تعديًا واضحًا وجليًّا على الخصوصية الثقافية والموروثات الشعبية للمجتمعات المختلفة، فتتشكل انطلاقة جديدة للقيم من خلال نشر ثقافة عالمية واحدة تخترق الثقافات المختلفة وتحولها إلى توابع تسبح في مدار هذه الثقافة العالمية الجديدة. إلا أن ذلك قد شكل تحديًا حقيقيًّا لجميع الثقافات الوطنية المنتشرة في العالم والعمانية على وجه الخصوص وذلك لما تحمله هذه الثقافة من موروثات تراثية وحضارية وعقائدية وتاريخية عريقة. فبدأت المجتمعات العربية هنا في صراع لإثبات وجودها من خلال هويتها الثقافية ومحاولة التوافق بين الأصالة والمعاصرة، ويتزامن ذلك البحث لإيجاد سبل لكيفية التصدي لمواجهة هذه الأنماط الثقافية الغربية الدخيلة على التراث الشعبي، إذ إن كثيرًا من القوى الداعية لتعزيز اختلاف الثقافات والحرص على معتقداتها ومأثوراتها الشعبية استطاعت أن توظف أدوات العولمة نفسها لمواجهتها بأسلوب حضاري تستطيع من خلالها دحر الحجج التي جاءت بها مفاهيم العولمة. لذا كان لابد من التجديد والإصلاح في التراث الشعبي مع الاحتفاظ بالثوابت وأخذ ما هو مفيد من العولمة.
وبما أن السلطنة تتميز بالعديد من الصناعات الحرفية الشعبية المتنوعة والمستمدة رموزها من البيئة العمانية وكون النسيج اليدوي العماني أحد أهم تلك الصناعات كان لا بد من الحفاظ على تلك المكتسبات من خلال تكريس الأساليب التكنولوجية المعاصرة والمتطورة لخدمة هذا المجال الحرفي ومحاولة الوصول إلى توافق بين الوسائل التقنية المتقدمة مع العناصر التقليدية ومن ثم استغلال تلك المقومات لضمان مستقبل تلك الحرف. ولأن التراث يشكّل معينا متدفقًا ومخزونًا ثريًّا من تراكمات وتفاعلات وتجارب الأمم والشعوب فإنّ الأجيال تختلف في كيفية استثماره وأساليب التعامل معه وفي تحديد علاقتها به من بلد إلى آخر ومن عصر إلى آخر. وتحدّيا لهذه العولمة كان لابدّ من إرساء إستراتيجيّة تتوخّى منهجيّة علميّة قوامها إعادة قراءة التراث ودعمه ودفعه إلى التطوّر والتقدّم دون الذوبان، كي نساهم من خلاله في تثبيت مقوّمات الهويّة.
About the Author