X638311283768843821

 

 

anwar bannar (2)

 

 

 

ثقافة الاختلاف

26 Nov, 2018 |
  • نجاة بنت صالح الكلبانية /  مركز الدراسات التحضيرية .

الاختلاف أمرٌ فطري ولولا الاختلاف لما استمرت الحياة ولا استقامت الأمور في هذا الكون، والمتأمل في خلق الله يرى أن الاختلاف هو الصفة السائدة لا المتنحية، فهناك السماوات والأرض والليل والنهار والشمس والقمر والخير والشر والحسنات والسيئات والحق والباطل والجنة والنار واختلاف الألسن واختلاف الألوان والقبائل والأديان. والأمثلة ماثلة وجلية في كل أرجاء الكون لمن أراد التدبر ولكن يختار البعض أن يرى في الاختلاف انشقاقًا عن الصف وفجورًا وجرمًا يستحق صاحبه الهجوم والمقاطعة ولربما العقاب.

البعض منا يرفض التعامل مع المختلف لربما لأنه يرى أنه أحسن من هذا الذي اختار طريقًا مختلفًا، وهو بذلك يكون أشبه بإبليس حين قال لله - سبحانه وتعالى - ردًا على أمر الله له بالسجود لآدم - عليه السلام - "أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ".

والبعض قد يرى في الفكر والرأي المختلف شرًّا مستطيرًا فينفر منه لا لشيء إلا لأنه مختلف عما اعتاد وألف.

والبعض يكره الشخص المختلف ليقينه بأفضلية هذا الأخير وإن ما جاء به من أمر مختلف هو الحق، فهو يكرهه حسدًا.

الأنبياء على مر العصور تم إيذاؤهم ونعتهم بالجنون وبمزاولة السحر والكهانة لأنهم أتوا بفكرٍ ونهجٍ مختلفٍ عما كان يسود في أقوامهم، بل إنهم تعرضوا هم وأتباعهم للتعذيب وللقتل أحيانًا نتيجة اختيارهم أن يكونوا مختلفين، وعليه فإن من يأتي - على اختلاف الأزمنة والأمكنة - حاملًا فكرًا مختلفًا ورأيًا مغايرًا عما هو سائد يواجه هجومًا قد يكون شرسًا أحيانًا.

نحن بحاجة أولًا أن نعي لماذا نرفض الآخر ولماذا نرفض الرأي الآخر؟

في كثير من الأحيان يتم رفض الرأي الآخر لا لعلة في الرأي ولكن لعدم تقبلنا لمن أتى به، ونسينا قول الله تعالى: " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ". قد يخرج شخص بينا وبينه عداوة برأي سديد وحل غير متوقع لمشكلة نعاني منها أو بعلاجٍ لمرض أفنتجاهل رأيه ذلك لعداوتنا له؟! هل يرضى العقل بهكذا تصرف، وهل تقبل الحكمة أن يتم رفض منفعة لكراهية من أتى بها؟

ثم إن الاختلاف في الفكر يستدعي مناقشة الفكرة ومقارعة الحجة بالحجة والبحث عن الدليل والتثبت من صدق القول. الاختلاف مع الآخر لا يعني أبدًا الهجوم على الآخر والتعدي عليه ولربما على أهل بيته بالسب، ولا يعني أن ننتقد الشكل والخلقة أو طريقة الكلام أو المشي، ولا يعني بالطبع الافتراء على الشخص والطعن في شرفه ونسبه. كل هذه تصرفات لا يقوم بها إلا ضعيف الرأي من خابت حيلته فما عرف سبيلًا ليواري به خيبته إلا هجومه على الشخص.

صغير العقل منعدم الفكر عديم الحجة هو من يهاجم الأشخاص، ويحاول أن يكشفَ عن عيوبهم ومساوئهم المستورة ليفضحهم أمام الملأ، ظنًا منه أن ذلك سيُقلل من أهمية ما يطرحونه من أفكار وآراء.

إن في الاختلاف ثراء وإثراء ولو تشابهت العقول والأفكار لما ازددنا علمًا ولما حصدنا خبرةً ولما ارتقت الإنسانية. نحن نبحث عن الاختلاف في السلع وفيما نلبس ونأكل، ونشعر بالملل إن قُدمت لنا نفسُ الأشياء، أوليس الأجدر أن نقدّر الاختلاف في الفكر ووجهات النظر؟

تتوسع مداركنا حين تواجهنا أفكار تعارض ما نؤمن به أو ما اعتدنا عليه لأن عقولنا تحاول أن تحلل هذه المعلومات الجديدة التي لربما نسمعها لأول مرة. تسعى عقولنا لإدراك هذه المعلومات الجديدة وإيجاد نقاط التقاء بينها وبين معارفنا وخبراتنا القديمة، وحين لا نجد نقاط التقاء قد يأخذنا ذلك إلى النقاش مع أحدهم أو قراءة كتاب أو اللجوء للشبكة العنكبوتية. ما يهم هو أننا نسعى للفهم وللتعامل مع هذه المعلومات الجديدة المطروحة على طاولتنا، وهذه لربما تكون من أعظم حسنات الاختلاف في الرأي.

لتكون راقيًا في الاختلاف يتحتم عليك أن تطور من قدرتك على تقبل الإنسان الذي يقدم لك رأيًا مختلفًا وقدرتك على احترامه واحترام رأيه حتى وإن كنت تحمل رأيًا مخالفًا. الاختلاف في الرأي لا يستدعي شجارًا وسبابًا وعراكًا كما أنه لا يستدعي استخفافًا برأي الآخرين وانتقاصًا من قدراتهم. إتقان ثقافة الاختلاف يعني أن تستمع لرأي غيرك بهدف الفهم والاستيعاب لا بهدف الهجوم والانقضاض. إتقان ثقافة الاختلاف يعني أنك تحترم وتقر بأحقية الغير في التعبير عن آرائهم المختلفة بنفس القدر الذي تمنحه لنفسك في التعبير عن آرائك. هناك مقولة للفيلسوف الفرنسي موليير تختصر- في نظري - ثقافة الاختلاف: "قد أختلف في الرأي معك ولكني سأدافع حتى الموت عن حقك في التعبير عنه".

خلاصة القول إنه من حقنا جميعًا أن تكون لنا آراء خاصة بنا وأن تكون لنا القدرة على التصريح بها دون التعرض لهجوم وشخصنة الحوار.

 

 

About the Author