التقنيات ووسائل الاتصال الرقمية
- د. محمد بن علي الفيروز- قسم نظم المعلومات- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
لا شك أن انتشار وسائل الاتصال الحديثة كان من أهم الأسباب التي أدت إلى زيادة عدد المشتركين في خدمات الإنترنت، فقد أصبحت هذه الخدمات في متناول الجميع على اختلاف مشاربهم. الأمر الذي نتج عنه ربط ما مجموعه ٤ مليار مستخدم حتى شهر يناير الماضي، علماً بأن المستخدمين مرتبطون بخدمات الإنترنت من خلال ما يزيد عن 23 مليار جهاز متصل بالإنترنت، وذلك حسب إحصائيات موقع statista.com.
كما أن جميع المستخدمين وأجهزتهم متصلون في فضاء رقمي موحد، يستطيع كل فرد منهم التواصل مع الآخر عبر بروتوكولات تتيح لهم استخدام هذه الخدمة عبر مختلف الأجهزة والتطبيقات البرمجية. بل تجاوز استخدام هذه الخدمة ليصل إلى استخدامات أبعد من الحدود الفردية، كالأجهزة الطبية وأجهزة الاستشعار وغيرها. وما يزيد على ذلك أنها أصبحت تمثل حاجة ضرورية تكاد تكون أساسية في حياة البشر، فقد تصاب بعض المؤسسات الخدمية بالشلل حين تنقطع خدمة الاتصال عنها. ومن هنا تتضح لنا طبيعة ارتباطنا بهذا الفضاء الرقمي الذي يوجد في منازلنا ومكاتبنا وطرقاتنا.
المخاطر القيمة
مع اتساع رقعة استخدام الفضاء الرقمي، أصبحت هنالك حاجة ملحة لوجود ضمانات لحماية الأفراد والمؤسسات من خطر الهجمات والجرائم الإلكترونية. فالضرر لم يعد محدودا بالخصوصيات الفردية أو البيانات الرقمية وحسب، بل تجاوزت هذه الأضرار إلى أخطار مرتبطة بحياة الأفراد أنفسهم. فحين يستطيع مخترق الاتصال بجهاز طبي استخدامه في إجراء جراحة طبية عن بعد لمريض، فإن أي خلل في بروتوكولات التحكم قد يحدث ضررا لا يمكن ترميمه، بل حين يستطيع أحد المخترقين تشغيل أنظمة التحكم الصناعي كخطوط أنابيب البترول أو خطوط توزيع الكهرباء وغيرها من تطبيقات البنى التحتية المختلفة، فإن الضرر سيكون شموليا وكارثيا.
وحيث أن أصل الاتصال الإلكتروني هو السماح للمستخدمين بالتواصل عن بعد، فإن خصوصيات المستخدمين لهذه التقنيات معرضة بشكل أسهل للقرصنة والاختراق، وذلك أن المخترق لم يعد بحاجة لوجوده بشكل فعلي في منزل أو مركبة أو مكتب الضحية لينفذ الجريمة، إذ إن الفضاء الإلكتروني أصبح مسرحا للعديد من الجرائم التي يكون فيها المخترق والضحية على بعد آلاف الأميال عن بعضهما بعضا، ولم يعد للمكان أو الزمان أو الحدود السياسية أي قيمة تُذكر.
الأمن السيبراني
ولما كانت هذه الوسائل تمثل هذه المخاطر الكبيرة على الفرد والمجتمع، كان من الأهمية بمكان إيجاد محرك فاعل للعمل على كبح هذه الهجمات الإلكترونية وسد الثغرات لإيجاد التوازن الأمني المطلوب لاستقرار حياة الناس والدول. من هنا جاء مصطلح الأمن السيبراني، وهو مصطلح يُطلق على السياسات والوسائل والأدوات المستخدمة لضمان توافر بيئة رقمية آمنة تحافظ على الممتلكات والموجودات إلى جانب سرية وخصوصية البيانات الشخصية والمؤسساتية من المخاطر المحتملة في العالم الافتراضي. ولا يقتصر الأمن السيبراني على الجانب التقني للأدوات والوسائل المستخدمة، بل يتجاوز الأمر إلى ما هو أهم من ذلك، وهو التوعية الأمنية لدى الأفراد. فلا نبالغ حينما نقول أن معظم الاختراقات الأمنية يكون سببها أخطاء بشرية كان بالإمكان تجنبها مع قليل من التوعية والتزام الأفراد بالسياسات الأمنية المتبعة لضمان خصوصياتهم وأمن البيئة الرقمية المستخدمة في منازلهم أو أعمالهم.
About the Author