وقفتْ أمامي عاجزة متألمة وصلت إلى الصف الخامس وهي لا تستطيع القراءة أو الكتابة تقول: الحروف تطاردني حتى في نومي ومُدرِّستي تلومني على شرودي.. فمن ماذا أعاني؟ أفقد اهتمامي بالتعلُّم والاستماع أثناء الدرس.. فمن ماذا أعاني؟ أحب الرسم والنحت وأتقن الحفظ عن ظهر قلب، الحروف كالصور أو الرسوم أحفظ أشكالها وأضعها في الورق.. فمن ماذا أعاني؟
عزيزتي شيم يجيب الدكتور سهيل محمود الزعبي، أستاذ التربية الخاصة المُشارك بقسم علم النفس بكلية التربية بجامعة السلطان قابوس، في هذا الحوار عن معاناتك وأسبابها، ويكشف لك أنك لست وحدك.. وما تعاني منه يُسمى في لغة العلم بصعوبات التعلُّم!
صعوبات التعلُّم
يذكر الدكتور سهيل أن صعوبات التعلُّم Learning Disabilities تعدُّ أكبر فئات الإعاقة الرئيسة التي تُقدَّم لها خدمات التعليم العلاجي والتربية الخاصة في عالمنا العربي، وتتضمن أنواعًا محددة من الصعوبات التي تظهر على شكل مشكلات في مهارات القراءة والكتابة والرياضيات والكلام والإصغاء، على الرغم من أنّ ذكاء طلبة صعوبات التعلُّم بالمتوسط أو فوقه لكن أدمغتهم تتعامل مع المعلومات وتعالجها بأساليب وطرق تختلف عن أدمغة الطلبة العاديين.
وقد يُسهم وجود اضطرابات في واحدة أو أكثر من العمليات النفسية، كالانتباه والإدراك والذاكرة واللغة الشفوية والتفكير؛ في ظهور صعوبات التعلُّم في المهارات الأكاديمية، كما أنّ وجود هذه الصعوبات في واحدة أو أكثر من هذه المهارات قد يُسهم في تدني التحصيل الدراسي لدى هؤلاء الطلبة عن المستوى المتوقع لمن هم في مثل أعمارهم.
ويضيف: توجد حالات في مؤسسات التعليم العام لصعوبات التعلُّم، ومن الممكن أن تصل معدلات انتشارها الدولية إلى نحو 6% بين الأطفال في سن المدرسة، وقد تصل نسبة انتشارها على المستوى العربي إلى نحو 13%، أمّا على المستوى الوطني في السلطنة فإننا نحتاج لدراسات مسحية قائمة على منهجية علمية للكشف عن معدلات انتشارها، ونشير إلى أن صعوبات القراءة تعد أكثر صعوبات التعلُّم انتشارًا.
أمّا بشأن نسبة انتشار صعوبات التعلُّم لدى طلبة الجامعة فإنني أظن أننا بحاجة لمقاييس أو إجراء بحوث ميدانية للكشف عن ذلك، ولكن بشكل عام أظن أن صعوبات التعلُّم بمختلف أشكالها قد تكون قليلة الانتشار بين طلبة الجامعة؛ نظرًا لأنّ النخبة من طلبة دبلوم التعليم العام يلتحقون بالجامعة وفي مقابل ذلك قد يكون من بين طلبة الجامعة متفوقون أكاديميًّا لكن لديهم في الوقت نفسه إحدى أشكال صعوبات التعلُّم.
فما الحل؟
ولحل هذه الصعوبات يقول الدكتور سهيل: طبعًا صعوبات التعلُّم إن تمّ تشخيصها بأساليب علمية صحيحة وثبت وجودها لدى الطفل؛ فقد تكون حالة مستمرة مدى الحياة وربما لا يمكن الشفاء منها! فإذن صعوبات التعلُّم مشكلة نمائية من الصعب الشفاء منها.. فما الحل؟
أظن أنّ برامج الوقاية والتدخل المبكر وبرامج الإرشاد الأسري والجيني تسهم إلى حدٍّ ما في التقليل من حدوثها، كما أن برامج الأمومة والطفولة ورعاية الأم أثناء الحمل وعند الولادة ومكافحة سوء التغذية والإدمان والتدخين قد يكون لها دور في التقليل من حدوث صعوبات التعلُّم في السلطنة، وعلى الرغم من فاعلية هذه البرامج لكنّ صعوبات التعلُّم ستستمر بالانتشار والحدوث حتى إن تمّ تنفيذ برامج الوقاية والتدخل المبكر التي تعمل على التقليل من عدد الأطفال المصابين بصعوبات التعلُّم أو تقلل من شدتها لديهم.
أمّا الحلول على الصعيد المدرسي فإننا في السلطنة نحتاج لتفعيل دور فريق متعدد التخصصات يُقدم دورًا مُهما في برامج الكشف والتشخيص وتحديد أهلية الطلبة لتلقي خدمات التربية الخاصة أو الخدمات المساندة، ولا ننسى الدور الفاعل لمعلم صعوبات التعلُّم والتعليم العام الذي من المفترض أن يقوم بدوره في تقديم برامج التعليم العلاجي لهؤلاء الطلبة في برنامج الصعوبات أو بصفوف التعليم العام، وقد يُساعد إنشاء مركز وطني للتربية الخاصة أو جمعية مهنية للتربية الخاصة في تعزيز برامج كشف وتشخيص صعوبات التعلُّم بالتعليم ما قبل المدرسي والمدرسي والجامعي.
تنادي بالدمج
ويذكر الزعبي: إن سلطنة عُمان من بين الدول العربية الرائدة التي اهتمت بصعوبات التعلُّم؛ فالانتشار الواسع لبرنامج صعوبات التعلُّم في مختلف مدارس محافظات وولايات السلطنة دليل حي على مواكبة السلطنة للتوجهات العالمية في هذا المجال، كما أن برامج إعداد معلمي صعوبات التعلُّم في مؤسسات التعليم العالي العُمانيّة وبرامج تدريبهم أثناء الخدمة شواهد ماثلة للعيان تعكس اهتمام السلطنة، أضف أن تنظيم الجامعة للمؤتمرات الخاصة بالتربية الخاصة ودعمها للمشاريع البحثية قد أسهم في مواكبة السلطنة للتوجهات الدولية في مجال التربية.
طبعًا التوجهات المعاصرة الدولية تنادي بالدمج الشامل للطلبة ذوي صعوبات التعلُّم والتي تأتي استجابة للقوانين والتشريعات الدولية المطالبة به، وقد قدمتُ فكرة بهذا الشأن لإحدى طالباتي التي أشرفت عليها في الماجستير، وفعلًا تبنت الطالبة الفكرة التي أصبحت فيما بعد رسالة ماجستير كان من ضمن مخرجاتها بناء برنامج تدريبي قائم على إستراتيجية التدريس التشاركي.
وتقوم هذه الإستراتيجية على أساس التعاون والتشارك بين معلم الصف ومعلم الصعوبات في تدريس جميع الطلبة داخل الصف العادي طوال اليوم المدرسي، كما يتم حاليًّا تطبيقها على معلمي التعليم العام وصعوبات التعلُّم في محافظة جنوب الباطنة، وقد تتبنى وزارة التربية والتعليم تجربة مديرية التربية والتعليم بجنوب الباطنة ليتم تعميمهما على مختلف محافظات السلطنة، ولكي تكون سلطنة عُمان من بين أوائل الدول العربية التي تطبق هذه الإستراتيجية على أرض الواقع محققة بذلك قفزة نوعية واستباقية في دمج طلبة ذوي صعوبات التعلُّم مع أقرانهم العاديين.