تتمتع سلطنة عمان بتنوع نباتي على المستويين الإقليمي والعالمي، وذلك لاختلاف البيئات النباتية فيها. هذه البيئات فريدة من نوعها، حيث تتميز كل بيئة بمجموعة من النباتات والأشجار التي تكيفت في تلك البيئة دون غيرها. ولأن هذا التنوع النباتي يمثل قيمة للبلاد اتجهت جامعة السلطان قابوس إلى حصر هذا التنوع من خلال المعشبة النباتية التي قامت بتأسيسها سنة 1987م. استمرت هذه المعشبة بحصر النباتات على مدى سنوات عدة إلى أن تم نقلها إلكترونيا لحظة تدشين المعشبة النباتية الرقمية في يوم الجامعة سنة 2021م. يعتبر هذا الموقع أول مرجع علمي متاح لتصنيف النباتات على الشبكة العنكبوتية على مستوى الشرق الأوسط. نسلط الضوء اليوم على هذه المعشبة الإلكترونية؛ احتفاء بيوم الشجرة العماني ونستضيف الدكتورة أمينة بنت عبد الله الفارسية إخصائية تصنيف نباتات ومسؤولة عن إدارة المعشبة النباتية التابعة لوحدة العلوم الحياتية في كلية العلوم بجامعة السلطان قابوس.
أكثر من 6500
تتحدث الدكتورة أمينة الفارسية عن المعشبة النباتية التي تعد أحد أهم المصادر والمراجع المعتمدة للبحث العلمي في مجالات عدة أهمها: علوم تشكيل وتصنيف النبات، وعلوم البيئة، والطب والصيدلة، والزراعة والاقتصاد.. وتقول: ” حاليا، تضم المعشبة أكثر من 6500 عينة نباتية، ولقد تأسست المعشبة النباتية بجامعة السلطان قابوس سنة 1987م من قبل الدكتورة شاهينه غضنفر، أحد الأعضاء الأكاديميين في قسم الأحياء، لتكون اللبنة الأساسية لحصر وتوثيق النباتات البرية العمانية، حيث تم عمل رحلات ميدانية والمشاركة في حملات علمية على مدى السنوات الماضية لتجميع عينات من النباتات المحلية في مختلف المناطق الجغرافية بالسلطنة. وقد تم حفظ وأرشفة وتصنيف هذه العينات لتكون مرجعًا علميًّا يوثق التنوع النباتي في سلطنة عمان”. وتشير الدكتورة أمينة الفارسية أن محتويات المعشبة ساهمت في استكمال ونشر كتاب نباتات عمان للدكتورة غضنفر والذي تم نشره في أربعة أجزاء على مدى 18 سنة (2003-2015).
الأول على مستوى الشرق الأوسط
يعد موقع المعشبة الإلكترونية الأول على مستوى الشرق الأوسط. وعن أهداف المعشبة تقول الدكتورة أمينة الفارسية: ” نسعى في كلية العلوم إلى توثيق جميع أنواع النباتات المحلية المسجلة في سلطنة عمان. ومع استمرار الزيادة في عدد العينات لأنواع النباتات التي تم حفظها وتصنيفها، كان لزاما علينا إنشاء قاعدة بيانات توفر سهولة البحث واستخراج المعلومات للاستفادة القصوى منها في الأبحاث العلمية. وفي هذا الإطار، تم حديثا تدشين موقع المعشبة الإلكترونية لجامعة السلطان قابوس، وهو ( https://herb.squ.edu.om ) وذلك لرفد البحث العلمي والتعليم في مجالات العلوم المختلفة”.
قاعدة بيانات
وحول طبيعة المعلومات التي تستعرضها المعشبة النباتية الإلكترونية، تقول الدكتورة أمينة الفارسية: ” في الموقع سجلات للعينات الأصلية المحفوظة في أرشيف المعشبة، ويحتوي كل سجل في قاعدة البيانات الإلكترونية على بيانات مهمة تتمثل في التصنيف العلمي للنبات، مكان تجميعه، طبيعة البيئة الموجود بها، اسم جامع العينة وتاريخ تجميعها، ووصف للنبات واسمه المحلي إن وجد”. وتضيف الدكتورة أمينة: ” لقد تم استحداث صورة رقمية عالية الدقة للعينة الأصلية بحيث يمكن للمتصفح تكبير الصورة لفحص ودراسة التفاصيل الدقيقة للنبات المقصود، ويتم العمل حاليًا على تحميل الصور الرقمية للسجلات في الموقع الإلكتروني”.
ثاني أكبر أرشيف في السلطنة
ما أنواع النباتات التي تتضمنها المعشبة؟ وكيف يتم اختيارها؟ تجيب الدكتورة أمينة الفارسية: “تعتبر معشبة جامعة السلطان قابوس ثاني أكبر أرشيف للنباتات المحلية في سلطنة عمان، حيث تتضمن المعشبة ما يقارب 70% من إجمالي أنواع النباتات المرصودة والتي تتنوع ما بين النباتات الوعائية (وتنقسم إلى كاسيات البذور وعاريات البذور) وغير الوعائية (ومنها الطحالب المائية والسرخسيات والحزازيات والأشنات). يتم اختيار العينات حسب تصنيفها العلمي من حيث الفصيلة، الجنس والنوع الذي تنتمي إليه وأيضا حسب انتشارها وتوزيعها الجغرافي”.
وتوضح الدكتورة أمينة الفارسية: “إن جميع النباتات الموجودة في المعشبة هي ذات أهمية لكونها أحد أهم عناصر الحياة الفطرية التي يستوجب المحافظة عليها وحمايتها باعتبارها إحدى مقومات الإرث الوطني. الجدير بالذكر أن هناك عددا من النباتات التي برزت كأيقونة في عدد من البيئات الجغرافية: منها على سبيل المثال أشجار العلعلان والعتم والبوت في جبال الحجر، وشجرة اللبان في منطقة النجد بمحافظة ظفار، أشجار المر والمقل من فصيلة البخوريات في شمال وجنوب عمان”.
تحديات في التصنيف
وعن التحديات في تنظيم عملية تصنيف النباتات في المعشبة تقول الدكتورة أمينة الفارسية: “هناك نقص في الكادر البشري من أجل تنظيم العمل وسرعة إنجازه، فالعمل في المعشبة يحتاج وجود مختصين في تصنيف العينات النباتية وتحديث البيانات التصنيفية باستمرار، كما يحتاج العمل إلى مهارة فنية ودقة علمية عالية في جمع وحفظ وتنسيق وإدخال البيانات، وتصوير وأرشفة العينات. كما أن صيانة العينات النباتية وحفظها بحالة جيدة تشكل تحديا كبيرا وذلك لصعوبة التحكم في درجة الحرارة ونسبة الرطوبة في الموقع الحالي”.
في المستقبل
في ختام حديثها تقول الدكتورة أمينة الفارسية: “نطمح في إدراج جميع الأنواع النباتية المسجلة في السلطنة ضمن محتويات المعشبة من خلال مواصلة العمل الميداني لتجميع النباتات البرية، واستكمال تحميل الصور الرقمية لبقية السجلات في الموقع الإلكتروني لتكون متوفرة للباحثين من كل أرجاء العالم. كما أننا نسعى إلى عمل اتفاقيات مع المعاشب في الدول المجاورة للتعاون العلمي وتبادل المعلومات، وعمل الورش وتدريب المهتمين تقنيات المعشبة وتصنيف النباتات”.