X638311283768843821

 

 


 

 

Banner-02

 

عُمان.. تواصل حضاريٌّ عبر الأدب

 

“اللغة العربية والتواصل الحضاري” هو مدار احتفال اليونسكو هذا العام باليوم العالمي للغة العربية، ولا يخفى أن الأدب هو أبرز جسور التواصل بين الثقافات العالمية، وهو سفير الدول وحامل ذاكرتها وهُويتها، وقد شهدنا في الأوان القريب بصمات فارقة للأدب العماني، والتفاتات مبشرة لهذا الأدب الذي كان يوصف بحضوره الخجول أو الغائب تمامًا.. نطرح هنا ونناقش ما أنجزته لغتنا عبر الأدب العماني الذي عبر إلى الآخر من خلال الترجمة، مع كوكبة من المتخصصين.. فماذا يرون؟

بانيبال الإسبانية ومعهد العالم العربي

تقول بشرى خلفان ـ الكاتبة والروائية العُمانية ـ عن احتفاء مجلة بانيبال الإسبانية بالأدب العماني في عددها (رقم 6 ـ خريف 2021 : “أقدر بالطبع هذه الخطوة من بانيبال الإسبانية، لكني تمنيت لو أنها جاءت أبكر ومن بانيبال الإنجليزية أيضا، مع ذلك فأتوقع أن تحدث نوعًا من لفت الانتباه للأدب العماني عند المتحدثين باللغة الإسبانية، يُعزز ذلك بإنشاء روابط تبادلية بين الثقافتين، فتنشط حرمة التبادل المعرفي، وفي كل الأحوال ستبقى خطوة أولى في مسار طويل”.

ويؤكد الدكتور علي الفارسي ـ أكاديمي بجامعة الشرقية ومن مؤسسي مشروع “الرواية العمانية ـ ببليوجرافيا ومداخل نقدية (1939 -2020م) عن أهمية جوائز “سيدات القمر”: “نعم، بقي الأدب العماني في منطقة الظل حتى عام 2019، عندما تحصلت الدكتورة جوخة الحارثي على جائزة المان بوكر عن ترجمة روايتها سيدات القمر “أجرام سماوية”، وتعزز ذلك بحصول الرواية أيضًا على جائزة “معهد العالم العربي” بباريس 2021م، وهو ما سيفتح الأفق واسعًا لقراءة الأدب العماني”.

مساحات لم يتناولها أحد.. وبطء حركة الترجمة

تجيب الروائية بشرى خلفان عن مقومات الأدب العماني وتأخر لفت النظر إليه: “لكل ثقافة ميزاتها المكانية الخاصة، وموروثها السياسي وتدافعها الاجتماعي التاريخي، والثقافة العمانية غنية بكل هذا، والميزة في الأدب العماني هي المساحات البكر التي لم يتناولها أحد في الكتابات. ربما تأخر الالتفات العالمي للأدب العماني ويمكن أن نعزو ذلك جزئيا لبطء حركة الترجمة، وضعف التسويق، وربما أيضا لعدم اعتماد منهج التفكير الفلسفي، الذي ينشط إدراك الكاتب والقارئ على حد سواء للأسئلة المهمة والوجودية العميقة التي يحاول الأدب الإجابة عليها”.
ويقول الدكتور علي الفارسي: “الأدب العماني لديه ثراء وتنوع جيد ولا بأس به؛ بقي فقط أن يترجم هذا الأدب إلى لعالم بلغات مختلفة”.

وتنفي الدكتورة قمرية الكندية ـ باحثة في الأدب العربي ـ تأخر الالتفات للأدب العماني وتفسر الأمر: “الأدب العماني الحديث لم يتأخر في لفت النظر إليه عربيا وعالميا، وإنما أخذ الفترة الزمنية اللازمة لنضجه واستوائه، ليخرج للعالم وقد استوى عوده، واخضرت أغصانه، لتأتي ثماره يانعة ناضرة جاذبة، يؤتي أكله كل حين للعالم أجمع، حيث كانت بداياته الأولى ربما في أدب المهجر الجنوبي في أفريقيا، حينما كانت صحف (النجاح والفلق) تقدم الأدب العماني ضمن إطار عربي استنهاضي، ثم توالى نشر الأدب العماني إلى أن اكتملت مقوماته بأنواعها”.


وتضيف: “وهي: المقومات الفكرية: فهي العنصر العقلي للنص الأدبي، والأفكار هي أساس العمل الأدبي (ولا سيما في الأعمال النثرية)، ومعايير الفكرة هي: سموها وجدتها وابتكارها وترابطها وعمقها وصدقها الفني. والمقومات العاطفية (التي هي أساس الشعر)، وهي جملة الانفعالات المجتمعة نحو شيء واحد، أو موضوع معين، ضمن مقايس محددة وهي: صدق العاطفة أو صحتها، وسموها أو درجتها، قوتها أو روعتها. والمقومات الخيالية: والخيال: قدرة الأديب التأليفية والتركيبية على التأليف بين الصور والمشاهد والمواقف المختلفة وصهرها في عمل أدبي، وهو ينقسم إلى: خيال ابتكاري، وخيال تأليفي، وخيال تفسيري. والمقومات الفنية: وهي الجانب المادي للنص والقالب الذي يحوي الفكرة والعاطفة والخيال، ويتمثل في: الألفاظ والتراكيب والموسيقى، والأساليب اللغوية، والمحسنات البديعية ووحدة الجو النفسي ووحدة الموضوع، والخصائص البنائية حسب الفن الأدبي.. هذه المقومات تَمثَّلَها الأدب العماني الحديث، حسب الأديب والمجال الذي يكتب فيه، إلى أن خرج للعالمية”.

اللغة الأصل مبدعة بالضرورة

وتقول الدكتورة قمرية الكندية عن إبداع اللغة الأصل في الأدب العماني: “العربية أنى وجهناها في فنون الأدب المختلفة؛ فإنها لغة إبداع، وإذا كانت الترجمة تنقل هذا الإبداع المكتوب بالعربية إلى اللغات الأخرى ؛ فإن فوز الروائية العمانية جوخة الحارثية في مايو 2019 بجائزة مان بوكر الدولية International Man Booker) Prize) عن روايتها “سيدات القمر” التي ترجمت إلى اللغة الإنجليزية بعنوان(Celestial Bodies)، ثم فوزها مؤخرا بجائزة الأدب العربي بفرنسا (كتارا) عن ترجمة نفس الرواية “سيدات القمر” إلى Les Corps Celestes))، دليل على إبداع اللغة، ونسجل هنا: أن الفوز كان للنسخة المترجمة إلى اللغة الفرنسية، ونحن نثق بمعتقدنا بأن اللغة في النسخة العربية أقوى أثرا وأعظم إبداعا من الرواية المترجمة، وعليه لو كانت الرواية نافست الأدب العربي والعالمي باللغة العربية الأم، مع ضلاعة المحكِّم بالعربية لأقر بإبداع العربية بصورة أعظم”.

دلشاد.. التفاعل المحاكي للشخصيات

تقول الروائية بشرى خلفان عن التأسي بالطرق العالمية للتفاعل مع الأدب العماني، متحدثة عن تجربة “دلشاد” في إيصال حياة شخصيات الرواية للمتلقي من خلال سلوك مسارها في الحارات العمانية بمطرح: “لقد اقترح بيت الزبير هذه الفعالية من ضمن برنامج يستهدف العديد من الكتاب، وذلك لتنشيط علاقة القارئ بالمكان، وفي ظني أن هذا النوع من النشاطات الاندماجية بين الكاتب وفضاء الرواية وقرائه يحدث حميمية أكبر لعملية القراءة ذاتها، كما تسمح للقارئ وهو شريك أساسي في الكتابة بحكم نشاطه في إعادة إنتاج النص بنسج علاقات أكثر عمقا مع النص نفسه. وهذه التجربة ليست فريدة من نوعها في العالم، ففي العاصمة الأيرلندية مثلا هناك مسارات لتتبع حركة الشخصية الرئيسية في رواية عوليس لجيمس جويس، وهذا على سبيل المثال فقط”.

نقترح ليواصل الحضور بين الآداب الأخرى

تقول الروائية بشرى خلفان: “أظن أننا بحاجة لحاضنات واعية ذات رؤية واضحة للذات والآخر، كي تعمل على بناء جسور معرفية بين الأدب العماني والآداب الأخرى، فالأدب هو نقطة التلاقي الإنساني العميق بين الشعوب والثقافات المختلفة، وهي طريقة من طرق تعريف الآخر بالمكان والمجتمع والثقافة العمانية”.
وتضيف: “لذا فأنا أرى أن الموضوع لا يحتاج فقط لتنشيط عملية الترجمة، وهي ضرورية جدًّا، بل يحتاج في المقام الأول إلى تبني سياسة ثقافية متكاملة، تضع هدفها التعزيز المعرفي للمجتمع أولا، هذه الخطة تعنى بصناعة الكتاب أيضا، وهذا لا يتأتى إلا من خلال إستراتيجية تقوم بالعمل على رفع سقف حرية التعبير، اعتماد مناهج الفلسفة في التعليم التأسيسي، إعادة فتح أقسام المسرح والفلسفة في الجامعات، تأسيس المكتبات العامة وتنشيط المراكز الثقافية في مختلف المناطق، اعتماد خطط لتجويد مستوى الكتابة من خلال مشاركة الكتاب في المحترفات الكتابية والمعتزلات في كل أنحاء العالم، دعم دور النشر، استضافة كتاب عالميين، تعزيز الجوائز الثقافية… الخ ..الخ. هذا كله سيجود من المنتج الأدبي العماني ويخلق الصلات ويمد الجسور بين الكتاب، يتبعه حركة نشطة وماكنة في تعزيز ما يسمى بالدبلوماسية الثقافية وإيصال الأدب العماني لأبعد ما يمكن في الحضور بين الآداب الأخرى”.

وتقول الدكتورة قمرية الكندية: “الأدب العماني يواصل حضوره بين الآداب العالمية، والأديب العماني قارئ نهم للآداب الأخرى، مطلع عليها، يتأثر بها، ولا بد أن يؤثر فيها، ويعمل على نشر هذا الأدب، بالإبداع أولا، والإخلاص في كتاباته ثانيا، والتسويق المناسب لهذا الإنتاج عن طريق:
1- إقامة المعارض الفنية الأدبية في المناسبات المختلفة، تُعرض فيها أبرز الأعمال الأدبية، باللغة العربية وغيرها.
2- إقامة حملات إعلانية مكثفة للأدب العماني باللغتين العربية والإنجليزية، وحث المترجمين المتمرسين على ترجمة الأدب العماني، وكذلك دور النشر للإسهام بطباعة ونشر هذا النتاج.
3- يمكن عرض الأدب العماني عند الاحتفال بالعيد الوطني في السفارات العمانية في مختلف أرجاء العالم، وإهداء نماذج مترجمة منه حسب لغة ذلك البلد”.

 

 

About the Author