X638311283768843821

 

 


 

 

Banner-02

 

أول درس في الحياة تحت ظلال "الدوريان"

في ديسمبر عام 2004 تشرفت بإجراء حديث صحفي مع الأستاذ الدكتور بزدوي بن محمد الريامي، الذي انتقل إلى رحمة الله أمس “الثلاثاء”، بحثت في أرشيف نشرة المسار  عن هذه المادة، وبعد عدة ساعات من البحث بخطى حزينة ومتثاقلة عثرت على الموضوع المنشور بتاريخ 10 ديسمبر العدد رقم (38)، وكان الأستاذ الدكتور بزدوي –رحمه الله- في تلك الفترة عميداً لكلية الطب والعلوم الصحية، وهنا نعيد نشر بعض المقتطفات من هذه السيرة الطيبة والعطرة ومهما قلنا وكتبنا عن هذه الشخصية الرائعة فلن نوفيها حقها، ومن الواجب علينا أن نحافظ على الإرث العلمي والإنساني الذي تركه هذا الرجل العالم والإنسان للعديد من الأجيال، الأسطر القادمة ترتدي تاج الايثار والتضحية وتتوضأ بماء الأخلاق فإلى التفاصيل.

أولى التجارب

في عام 1954 كنت قد أكملت دراستي الابتدائية في 6 سنوات وفي السنة السابعة تقدمت لاختبار دخول الثانوية مختصرا بذلك سنتين دراسيتين ، ورغم أن دراستي كانت ممتعة إلا أنني بدأت أتفوق واجتهد بعد تجربة لا أنساها ففي الصف الأول أحرزت مركزا متأخرا 32 من 33 مما اغضب والدي كثيرا وعاقبني بجلوسي في المقبرة تحت شجرة الدوريان، كانت تجربة مخيفة وبكيت كثيرا لكني واصلت العزم بعدها وكنت أحرز دائما المراكز الأولى التي أهلتني للانتقال إلى المدرسة الثانوية أو المدرسة التقنية في تلك الفترة فدرست الحدادة والتجارة واللغة الانجليزية والرياضيات والفيزياء وكانت الأخيرة مادتي المفضلة التي حلمت يوما أن أتخصص فيها.

شهادة ميلاد

تقول شهادة ميلاد الأستاذ الدكتور بزدوي بن محمد الريامي إنه ولد في قرية تسمى تشماني في زنجبار يوم الجمعة في العاشر من سبتمبر لعام 1948 وكان ترتيبه الثالث عشر من أسرة كبيرة مكونة من 19 طفلا من أصل 32 طفلا مات بعضهم في تلك الفترة بسبب سوء الأحوال الصحية وضعف الخدمات الطبية.
يعود دكتور الريامي بذاكرته للوراء ليحدثنا عن سنوات طفولته قائلا: لن تمحى أبدا من ذاكرتي تلك الفترة الجميلة من عمري، فقد عشتها محاطا بالطبيعة الخلابة من كل مكان وسط المزارع الكثيرة التي تحيط بي وأشجار المانجو والجوافة والأناناس وغيرها التي كنت أقطف من ثمارها ما أشاء دون حساب، وكانت أيام الدراسة تتصادف مع موسم الأمطار التي كانت تحول الشوارع لوديان، ولصغر سني كنت لا أستطيع عبورها فيحملنا أخوتي على ظهورهم.
أما يوم حصاد المهوجو فكان يوما مبهجا لا دراسة فيه بل احتفالات ومجموعات تتجمع لغلي المهوجو.

 

انقلاب


ما إن هلت أيام وشهور عام 1963 حتى بدت ملامح ثورة عارمة في مسيرة الدكتور الريامي غيرت كل ملامح مستقبله، عن هذه الثورة يقول: اقدمت على اختبار لجامعة كامبريدج بعد انتهائي من الدراسة الثانوية، لكن نقطة التحول في حياتي كانت بعد السنة الثانية من دخولي لمدرسة كنج جورج عام 1963 حيث بدأت الثورة والانقلاب والتغيرات التي رافقت تلك الحقبة، فقد حرموا العرب من الدراسة فبدأت رحلة المعاناة والهجرة لطلب العلم وإكمال دراستي.
يصمت الدكتور الريامي متذكرا رحلة طويلة ومتعبة غالبه فيها دوار البحر في سفينة صغيرة مكتظة بالركاب من زنجبار إلى دار السلام ثم كينيا تحديدا لامو يحدثنا عن سبب ذلك قائلا: اجتمعت مع 1 عمانيا غرضهم الهجرة ودفع 150 شلنكا ولم يكن لدي جواز سفر في ذلك الوقت، وبدأنا رحلة طويلة في سفينة البوم في عام،1965 كنا في خورفكان ثم دبي ثم رحلة أخرى إلى البحرين وأخيرا إلى الخُبر في السعودية وكان كل همي وسعي هو البحث عن فرصة لتكملة تعليمي والحصول على بعثة وهذا ما تحقق بالفعل ، فقد قدمت لي الصدفة على طبق من الذهب بعثة إلى العراق بعد أن اعتذر عنها أحد الشباب العمانيين وذهبت إلى دراسة الطب بعد أن عدلت عن الفيزياء ودرست 6 سنوات قمت فيها بالعديد من الأنشطة أبرزها اهتمامي بمجموعة من الأطفال الأيتام ، الذين هاجروا من زنجبار بعد المذابح الدموية التي طالت، فتوليت أنا وبعض الزملاء مسؤولية أبوة مبكرة في الاعتناء بهؤلاء الأطفال ومتابعة دراستهم.

 

طبيب طائر

يستطرد الأستاذ الدكتور الريامي قائلا: أكملت دراستي عام 1971 ورجعت إلى عُمان في فبراير 1972 عملت بوزارة الصحة وابتعثت إلى ظفار في مستشفى مكون من 60 سريرا كانت مرحلة مهمة حيث كنا طاقما طبيا مكونا من 8 اطباء نتولى مسوؤلية المستشفى بأكمله وكانت تواجهنا مشكلة الإمدادات ليس فقط في الادوية، بل وحتى في الورق أيضا، ومن الذكريات التي لا تبرح الذاكرة مهمة العمل التي قمنا بها بالهليكوبتر إلى جزر الحلانيات لمعاينة مرضى هناك وكان بها حوالي 11 شخصا. بعد ذلك حصلت على بعثة في تخصص السل وأمراض الصدر في المملكة المتحدة لمدة 18 شهرا، عملت هناك في أحد المستشفيات الكبيرة وكانت تجربة مثمرة بالنسبة لي، حيث حصلت على دبلوم آخر في أمراض المناطق الحارة في مدينه ليفربول وعملت بمستشفى آخر في تخصص الأمراض الباطنية ، وفي عام 1976 حصلت على الزمالة خلال سنتين من بريطانيا وفي هذه السنة عدت إلى السلطنة وتزوجت وبعد اسبوعين رجعت إلى بريطانيا وبقيت لمدة سنة في مستشفى دارلنجتون مموريل وفي نهاية عام 1977م رجعت إلى السلطنة وعملت بشكل مؤقت في مستشفى السلطان قابوس بمحافظة ظفار للمرة الثانية ثم انتقلت إلى مستشفى الرحمة بمطرح كأخصائي أول للأمراض الباطنية والصدر، وخلال أشهر بسيطة توليت منصب مدير المستشفى إضافة إلى عملي الإكلينيكي.
كنت أهوى تدريس الطب منذ كنت في برمنجهام في السبعينيات وأثناء عملي في مستشفى الرحمة عام 1984م تم اختياري للعمل في مشروع جامعة السلطان قابوس وكنت على وشك الترقية إلى استشاري أول وقد شاركت في تأسيس الجامعة وكنت عضوا في اللجنة الفرعية لتأسيس كلية الطب ومستشفى الجامعة، ومنحت الفرصة للالتحاق بالتدريب والحصول على درجة الدكتوراه وسافرت إلى سكوتلندا ومكثت هناك 4 سنوات ورجعت إلى الجامعة عام 1989م وعملت في قسم الامراض الباطنية وبدأت العمل أستاذا مشاركا وبعدها أصبحت عميدا لكلية الطب والعلوم الصحية وقد حصلت على الأستاذية هذا العام بعد رحلة كفاح شاقة وطويلة عمرها 33 سنة.

كفاح ونجاح

عن هواياته يقول دكتور الريامي: أهوى السباحة، والقراءة في مجال التخصص ومجالات أخرى، والشيء الذي افتقده كثيرا في حياتي هو إجادة اللغة العربية واتمنى ان أعود إلى الوراء لأتعلم لغتنا الجميلة بشكل أفضل حتى أتمكن منه واستمتع بالأدب والشعر العربي بشكل أفضل وأحسن، وما أومن به هو أن الحياة كلها كفاح وليس هناك شيء يمكن الحصول عليه بسهولة، وعندما يتعرف الإنسان على الانجاز والإسهامات المتميزة فعليه أن يتذكر الجهود والتضحيات التي ساهمت للخروج بهذه الانجازات، كما أن الشيء الذي يقدمه الإنسان للأخرين يبق أكثر مما يقدمه لنفسه سواء في مجال التدريس والتعليم أو مجال التأليف والكتابة أو أي إنجاز آخر، ونحن كأمة مسلمة يجب أن نكون في المقدمة في مجال التمسك والالتزام بالقيم والأخلاق الطيبة كالصدق والأمانة والتواضع.

 

About the Author

حسن اللواتي

حسن اللواتي

رئيس قسم الإعلام