X638311283768843821

 

 


 

 

Banner-02

 

فلسطين.. سيبقى غصنها أخضر

أجرى الحوار ـ سعيد بن عبدالله العزري

تورمت يدي من التصفيق، وكاد قلبي ينخلع من مكانه مع كلمات القصيدة:
” أنا آت برغم القتل والإرهاب والخنجر
أعيد المسجد الأقصى من الأبواب للمنبر
أصلى فيه مليونا من الصلوات أو أكثر
فقولوا للأولى زعموا بأني ميت مقبر
كذبتم في دعاواكم فإني مدفع يشهر
أدمدم فوق رأس الظلم والطاغوت والمنكر
أنا آت لملهمتي ليبقى غصنها أخضر
سلام يا فلسطين أنا حي ولن أقهر”
هذا ما قالته ألف ألف قصيدة عن مدينة الصلاة زهرة المدائن، فماذا قال التاريخ عنها؟
الدكتورة ناهد عبد الكريم أستاذة التاريخ الحديث، تجيب في حوار يقلب صفحات التاريخ…

ما أهم المراحل التاريخية التي مرت على فلسطين حتى صدور وعد بلفور؟

أول من سكن فلسطين وبلاد الشام ككل هم العرب الكنعانيون قبل 7000 سنة، وكان الكنعانيون متحضرين جدًا مقارنة باليهود الذين جاءوا من مصر لاحقًا. وانقسم اليهود المهاجرون إلى قسمين قسم استوطن الشمال وقسم استوطن الجنوب ولكن لم يدخلوا فلسطين في هذه المرحلة وبقيت القدس عائقا دون توحدهم.
وخلال وجود الكنعانيين في بلاد الشام وفلسطين منها فإن أول من أسس مدينة القدس هم اليبوسيون على يد حاكمهم ملكي صادق، وهم أول من استوطنها ويرجعون في أصولهم إلى الكنعانيين، كما اتخذوا القدس عاصمة لهم وأطلقوا عليها اسم (يبوس) نسبة إليهم، وكان اليبوسيون أصحاب حضارة متقدمة، وفي أواخر عهدهم بدأت الغارات اليهودية على فلسطين واستنجد حاكمهم عيدي حييا عام 1370 ق.م بحاكم مصر أخناتون للوقوف في وجه الهيبرو (العيبرو).
لم يتمكن اليهود من دخول القدس إلا في عهد النبي داؤود، ولكنهم لم يتوسعوا في عهده بل في عهد ابنه النبي سليمان عليهما السلام. وبعد وفاة النبي سليمان انقسمت القبائل اليهودية لتظهر مملكتان واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب في القدس ولكن كلتا المملكتين لم تعمّرا سوى فترة قصيرة حيث اجتاح الآشوريون بعد ذلك بين عامي 721 ق.م – 722 ق.م شمال فلسطين وسيطروا عليها وبقيت مملكة الجنوب، ويجب الإشارة هنا أن الفلسطينيين كانوا مستقرين على طول الساحل الفلسطيني حتى غزة ولم يتمكن اليهود من دخول المناطق الفلسطينية. وفي عام 589 ق.م اجتاح البابليون الجدد(الأكاديون) فلسطين على يد نبوخذ نصر الحاكم البابلي الذي قضى على النفوذ اليهودي في فلسطين وقام بسبي اليهود إلى بابل في العراق.
في عام 538 ق.م اجتاح الفرس الإخمينيون العراق وقضوا على الدولة البابلية وتشير المصادر إلى تواطؤ اليهود مع الفرس ضد البابليين، وبمناسبة هذا الانتصار كانت المكافأة لهم أن منحهم كورش؛ حاكم الفرس فرصة العودة لفلسطين، وعلى الرغم من عودتهم للقدس إلا أن جزءا كبيرا منهم ظل في العراق ولم يرغب في العودة.
توالى بعد ذلك على حكم فلسطين العديد من الدول إلى أن احتل الرومان فلسطين عام 63 ق.م ومنحوا اليهود حكما ذاتيا بقيادة هيرودوس الآدومي، ولكنهم كانوا يثيرون المشاكل دومًا ويثورون على حكام القدس الرومان وهذا ما سبب سخط الإمبراطور الروماني (هادريان) عليهم ؛ فطردهم من القدس ودمر المدينة و” حرثها” ودمر آثارهم فيها وأعاد بناء القدس على شكل المستعمرات الرومانية، وهذا يدل على أنه لم يبق أي أثر تاريخي لليهود في فلسطين في ذلك العهد، كما أنه حرّم دخول اليهود إلى فلسطين وظلت فلسطين هادئة حتى سقوط الدولة الرومانية وقيام الدولة البيزنطية في القرن الرابع الميلادي وكانت مملكة مسيحية ، وبقيت فلسطين تحت نفوذها حتى مجيء الإسلام ، فبدأت تتغير مكانة فلسطين والقدس خاصة بعدما صارت أولى القبلتين ومسرى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتم فتحها في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ـ كيف كان المشهد بعد دخول المسلمين القدس؟

بعد الحصار الذي فرضه المسلمون على القدس وافق حاكمها الراهب صفرونيوس على تسليمها لهم، شرط أن يحضر الخليفة عمر بن الخطاب لاستلام مفاتيحها منه وحضر الخليفة إلى فلسطين حوالي عام 637 م وطلب البطريرك صفرونيوس من الخليفة عمر بأن يتعهد له بحفظ الأماكن المسيحية وألا يتعرض للمسيحيين بأي أذى، وألا يسمح لليهود بدخول القدس، وقد عرف العهد الذي أعطاه الخليفة عمر بن الخطاب لأهل القدس (إيليا) باسم ” العهدة العمرية”.
وفي ظل الفتح الاسلامي للقدس توافدت أعداد كبيرة من المسلمين والعرب إلى القدس وتعزز الوجود العربي فيها مجددا. وهكذا تميزت القدس في عهد جميع الخلفاء المسلمين بازدهارها والحفاظ على مكانتها، فقد بنى الأمويون فيها لاحقًا القصور والمساجد، وفي عهد الخليفة عبد الملك بن مروان الأموي رصد خراج مصر لمدة سبع سنوات من أجل بناء مسجد قبة الصخرة وإعادة تعمير المسجد الأقصى المبارك، وكذلك اهتم العباسيون بالقدس.
وبعد ذلك وعلى الرغم من تناوب العديد من الدول الإسلامية على حكم فلسطين إلا أنهم جميعا اهتموا مثل من سبقهم في بناء وتعمير القدس، وظلت على هذا الحال حتى قيام الحروب الصليبية على فلسطين في عام 1099م، والتي ارتكب فيها الصليبيون مذبحة بشعة للمسلمين في القدس، وبقوا فيها إلى أن حررها الملك الناصر (صلاح الدين الأيوبي) في معركة (حطين) عام 1187م.
ولاحقا خضعت فلسطين لحكم المماليك ومن بعدهم بدأ الحكم العثماني لفلسطين عام 1517م واستمر أربعة قرون حتى عام 1917م. وخلال حكم السلطان سليمان القانوني اهتم كثيرا بالقدس وأعاد بناء ما هدم فيها وأنشأ العديد من المعالم الحضارية.
وفي أواخر العصر العثماني وعلى وجه التحديد في عهد السلطان عبد الحميد الثاني 1876- 1909م أمر بسنّ قوانين تمنع دخول اليهود إلى القدس وتمنع تملكهم الأراضي فيها خوفا من أطماعهم، ثم سمح لهم بالحج فيها لأيام معدودة.
في عام 1897 انعقد في مدينة بازل في سويسرا مؤتمرا للحركة الصهيونية برئاسة زعيم الحركة الصهيونية هرتزل الذي كان يحلم بإنشاء وطن قومي لليهود وطرح في هذا المؤتمر فكرة أن تكون فلسطين هي المكان لإنشاء هذا الوطن على الرغم من أن عروضا كثيرة في أماكن مختلفة من العالم قدمت لهم ولكنهم أجمعوا على فلسطين. ولذلك سعى هرتزل للحصول على موافقة السلطان عبد الحميد الثاني لمنح اليهود وطنا في فلسطين كونها خاضعة للدولة العثمانية، لكن السلطان رفض الطلب تمامًا ولم يستجب له على الرغم من الإغراءات الكثيرة التي قدمها للسلطان، فأدرك هرتزل بأنه لن يتحقق هدفه في فلسطين ما دام السلطان عبد الحميد الثاني يحكم الدولة العثمانية، ولذلك عندما قام الانقلاب على السلطان وتم عزله من الحكم عام 1909 اتضح دور الحركة الصهيونية الخفي في هذا الانقلاب.

ماذا عن وعد بلفور؟

صدر وعد بلفور عام 1917، ونص على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ولعل أهم أسباب هذا الوعد أن زعيم الحركة الصهيونية الجديد حاييم وايزمان قد ساعد بريطانيا كثيرًا خلال الحرب العالمية الأولى وكرد للجميل تم وعده بإقامة دولة للصهاينة في فلسطين، وجاء هذا الوعد استكمالا لاتفاقية سايكس- بيكو عام 1916 والتي قسمت ما تبقى من أملاك الدولة العثمانية في بلاد الشام والعراق فيما بين فرنسا وبريطانيا ووضعت فلسطين تحت إدارة دولية، وفي وعد بلفور تم تجاهل الأغلبية العربية الساحقة في فلسطين وتم ذكرهم كأقليات، ومن الناحية القانونية لم يكن من حق بريطانيا إعطاء هذا الوعد لأن فلسطين كانت لا تزال بيد العثمانيين.
دخلت القوات البريطانية فلسطين بعد اصدار وعد بلفور بوقت قصير وعينت حاكما عسكريا عليها منهية بذلك الحكم العثماني لها، وفي عام 1920 سحبت بريطانيا الحاكم العسكري البريطاني من فلسطين وعينت مكانه مندوبا مدنيا هو هربرت صموئيل، وهو صهيوني بريطاني، وكلفته بإدارة الحكم هناك حتى يهيئ الأوضاع لاستقبال اليهود من كل مكان وتحقيق وعد بلفور بإنشاء وطن لليهود في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني وهذا ما تم فعلا.

كيف كانت أوضاع فلسطين حتى قيام الكيان الصهيوني عام 1948؟

منذ أن سقطت الدولة العثمانية ودخلت القوات البريطانية الأراضي الفلسطينية، كانت هناك مقاومة كبيرة ضد الاحتلال وضد الهجرات اليهودية، حيث أن الفلسطينيين حاولوا منع الهجرات ومنع بيع الأراضي لليهود، وقاموا بالتشهير ونبذ كل من يبيع أرضه لليهود، ولكن على الرغم من كل هذه المقاومة إلا أن الهجرات اليهودية ظلت في تزايد بسبب الدعم البريطاني الكبير.
وكانت هذه المرحلة تهيء لإعلان قيام دولة احتلال صهيوني في فلسطين، وتخلل كل تلك السنوات مناوشات ومشاكل تعمدها اليهود وقاومها الفلسطينيون بالانتفاضات والثورات، ولعل أهم تلك الثورات هي ثورة البراق عام 1929 م وثورة عام 1936 م التي نهض الفلسطينيون فيها بشكل كبير ضد اليهود المحتلين والبريطانيين وحاولت بريطانيا التخفيف من الثورة فأرسلت اللجنة الملكية البريطانية المعروفة بلجنة بيل عام 1037 لدراسة أسباب ثورة الفلسطينيين وبدل أن تنصفهم طرحت فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة يهودية وأخرى فلسطينية مما أثار حفيظة العرب.
وخلال الحرب العالمية الثانية التي امتدت من 1939- 1945 م زادت هجرات اليهود إلى فلسطين وخرجت بريطانيا منهكة وكادت تخسر الحرب هي وفرنسا لولا تدخل الولايات المتحدة الأمريكية عندها أعلنت بريطانيا رغبتها في إنهاء انتدابها على فلسطين وأحالت قضية فلسطين إلى هيئة الأمم المتحدة التي أصدرت عام 1947م القرار رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين وأعطت لليهود النصيب الأكبر من فلسطين على الرغم من المعارضة العربية الشديدة. وقبيل خروج البريطانيين من فلسطين سارع الإسرائيليون بإعلان قيام دولتهم عام 1948 مستفيدين من الدعم الغربي لهم.

ـ ما أهم الأحداث التي شهدتها فلسطين منذ عام 1948؟

لعل أبرز الأحداث هي تحول الصراع من صراع فلسطيني إسرائيلي إلى صراع عربي إسرائيلي وخاض العرب عام 1948 الحرب مع إسرائيل ولكنهم لم يربحوها لاعتبارات كثيرة وربحت إسرائيل الحرب وقامت بضم المزيد من الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الغربية، وتم تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم وحدثت مأساة إنسانية كبيرة لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا.
ومع توالي الهجرة اليهودية إلى فلسطين واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لها كان لا بد من توالي الحروب بين العرب وإسرائيل ودخلت إسرائيل كطرف ثالث إلى جانب بريطانيا وفرنسا في العدوان على مصر عام 1956 ثم قامت حرب عام 1967 وتمت سيطرة الإسرائيليين على القدس الشرقية حيث الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية أحد نتائجها، وبعدها تمكن العرب في حرب عام 1973 من استعادة بعض المناطق التي خسروها. وفي السابع عشر من سبتمبر عام 1978 عقدت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ولكن استمرار التعنت الإسرائيلي وهضم حقوق الفلسطينيين وتحدي مشاعرهم دفعهم للانتفاضة الأولى عام 1987 وكان نتيجتها عقد اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993 وكان الأمل منها أن تكون الطريق لتحقيق قيام دولة للفلسطينيين ولكن ذلك لم يتحقق. ثم جاءت اتفاقية وادي عربة عام 1994 بين الأردن واسرائيل، كل تلك الاتفاقيات لم تمنع إسرائيل من إعلانها القدس عاصمة على الرغم من معارضة هيئة الأمم بكثير من القرارات التي أصدرتها.
وفي عام 2000م اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية والمعروفة بانتفاضة الأقصى نتيجة دخول الإسرائيليين إلى ساحة المسجد الأقصى وتحدي مشاعر المسلمين. وعلى الرغم من مرور السنين فإن الصدامات والمعارك بين أصحاب الأرض والمحتلين مستمرة حتى أحداث القدس وغزة الأخيرة، وستبقى كذلك حتى يحصل الفلسطينيون على العدالة لقضيتهم التي هي أيضا قضية العرب والمسلمين بل هي قضية إنسانية باتت الأشهر في العالم.

 

About the Author

حسن اللواتي

حسن اللواتي

رئيس قسم الإعلام