تمر دول العالم أجمع بأزمات اقتصادية على فترات معينة، تتأثر على إثرها العديد من الشركات في تلك الدول، ما يؤثر بدوره على الاقتصاد العام للدولة، فهل من المجدي أن تتركز السياسات الاقتصادية في أوقات الأزمات على إنقاذ الشركات؟ وما هو العائد من ذلك؟ هل فوائد إنقاذ الشركات المتعثرة تفوق الأضرار أم لا؟ يجيب عن هذا التساؤلات صاحب السمو السيد الدكتور أدهم بن تركي آل سعيد – أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية قسم الاقتصاد والمالية…
آثار الأزمات الاقتصادية
يقول صاحب السمو السيد الدكتور أدهم: “إن اقتصاديات البلدان تتشكل حول دورة اقتصادية تتباين بين النمو والركود. في فترات النمو يتمتع الاقتصاد بارتفاع إنتاجية
الأنشطة التجارية وفرص العمل وتحسن مستوى المعيشة، في المقابل تتسبب الأزمات في ركود الأنشطة التجارية وما إلى ذلك من الآثار السلبية التي تطغى وتتجسد في تقلص الناتج المحلي وتعثر الشركات وشح فرص العمل وزيادة نسب البحث عن عمل. ومما يجدر ذكره أن الأزمات الاقتصادية التي توالت عبر القرن الماضي والحالي مع اختلاف مسبباتها، تظل تداعياتها على المجتمع متشابهة ويتوجب معالجتها”.
وأضاف: “كانت القناعات السابقة ما قبل الكساد العالمي في ثلاثينيات القرن العشرين أن الاقتصاد قادر على تخطي الأزمات ذاتيًّا من خلال آليات العرض والطلب في الأسواق، وتحولت سياسات معالجة آثار الأزمات الاقتصادية في الربع الأول من القرن العشرين لسياسات موجهة لتعزيز الاقتصاد من خلال التدخل الحكومي المباشر في ظل استمرار الركود لسنوات عدة. وقد كان “جون مينارد كينز” من أوائل الاقتصاديين الذي حثوا الحكومات على التدخل المباشر في الاقتصاد من خلال السياسات المالية لتنشيط الدورة الاقتصادية، وكانت من أهم الأدوات آن ذاك – ولا تزال الإنفاق – المباشر على مشاريع البنية التحتية والتحويلات للأفراد من خلال ضمان التعطل عن العمل، وجاءت بعد ذلك نظريات منافسة لتوجه “كينز” لتفادي تدخل الحكومات بشكل مباشر وإنما من خلال السياسات النقدية للمصارف المركزية التي تعتمد على تنشيط الاقتصاد عبر التأثير على سعر الفائدة وكلفة الإقراض لتحفيز الاستثمار الرأسمالي، ومن أبرز الاقتصاديين الذي تبني هذا المسار ملتان فريدمان”.
السياسة النقدية والمالية
وأكد الدكتور أدهم أنه بغض النظر عن التباين بين النظريات الاقتصادية للسياسات النقدية والمالية، فإن الحكومات توجهت لمزيج من السياستين للتصدي للأزمات الاقتصادية حسب قدرتها ومواردها.
وأوضح: “نجد أن بعض الحكومات تستعين بالسياسة النقدية لتخفيف آثار كلفة الاستقراض للشركات؛ لتتمكن من إعادة هيكلة ديونها أو الحصول على تسهيلات جديدة لتتخطي الأزمة وتعزيز استثماراها في تكون رأس مال جديد. في المقابل تعتمد بعض الحكومات على تخفيف الضرائب وزيادة الإنفاق المباشر من خلال المشاريع أو المشتريات أو المعونات لدعم قطاعات معينة تعد إستراتيجية للاقتصاد والتحويلات المباشرة للأفراد”.
وتابع: “في كلا الحالتين ستكون هناك خسائر للشركات وتعثر، ينجم عنه تقلص في الاقتصاد وسوق العمل؛ لذا ليس في قدرة أي من الحكومات إنقاذ جميع الشركات خاصة الأكثر عرضة للتعثر والصغيرة منها. في المجمل تخطي الأزمات الاقتصادية لا يتأتي من دون فاقد في الإنتاج وفرص العمل، وتعتمد الفاتورة الاقتصادية على حدة الأزمة وقدرة الاقتصاد على إعادة توازنه، فضلًا عن قدرة الحكومات على تحفيز الاقتصاد”.
تعدد أسباب التعثر
وحول سؤال عن أمن المجدي أن تتركز السياسات الاقتصادية في أوقات الأزمات على إنقاذ الشركات؟ وما العائد من ذلك؟ قال آل سعيد: “كما ذكر سابقًا فإنه من غير الواقعي إنقاذ كل الشركات المتعثرة وذلك بسبب تعدد أسباب التعثر في المقام الأول، فبعض الشركات قد تكون غير قابلة للإنقاذ بسبب عدم توازن أصولها والتزاماتها المالية تجاه الدائنين؛ لذا الجدوى من إنقاذ الشركات في مثل هذه الفئة يعد غير مجدٍّ. في المقابل توجد فئة أخرى من الشركات قابلة للإنقاذ بسبب توازن قيمة أصولها مع التزاماتها، ولكن الأزمة أثرت على السيولة المالية لها”.
وأضاف: “من الجدير بالذكر أن المنطق الاقتصادي ليس هو الموجِّه الوحيد لمثل هذه السياسات، إذ تنظر الكثير من الحكومات لتأثيرات الأزمات على فرص العمل والتوظيف والتغيرات السلبية لتصفية الشركات، فعادة يتم تسريح الموظفين وتزداد معدلات البحث عن عمل، لذا تهدف سياسات الإنقاذ في كثير من الآليات إلى تمكين القطاعات الحيوية في تخطي العقبات”.
وأوضح شارحًا: “مثال على ذلك إنقاذ الحكومات للمصارف بعد الأزمة المالية في عام ٢٠٠٧م-٢٠٠٨م حيث ضخت الحكومات مبالغ كبيرة في إعادة تمويل المصارف المهددة بالإفلاس بغرض إنقاذ النظام المالي، وبعد تعافي الاقتصاديات من الأزمة استعادت الحكومات التمويل وفي بعض الأحيان بأرباح مجزية، فكان السياسة آنذاك لتفادي انهيار النظام المالي بإنقاذ المصارف”.
الأزمة الاقتصادية الحالية
وقال الدكتور عن الأزمات الاقتصادية: “في الأزمة المالية في عام ٢٠٠٧م – ٢٠٠٨م كانت التحديات الاقتصادية واضحة رغم تباين الآراء حول السياسات الأنسب للتحفيز الاقتصادي، وفي الأزمة الاقتصادية الحالية ٢٠٢٠م التي تفاقمت مع جائحة كوفيد ١٩ تأثرت الاقتصاديات بشكل أكبر خاصة المعتمد منها على الموارد الطبيعية مثل النفط!”.
وتابع: “في سلطنة عمان امتزجت الأزمتين في شكل الجائحة وتدهور أسعار النفط مما أدى إلى ركود اقتصادي حاد محليًّا. وما لا شك فيه أن الإغلاق الاقتصادي والانخفاض الحاد في الإنفاق العام والفردي أدى إلى تعثر الكثير من الشركات في معظم القطاعات الحيوية، فكان لزاما إيجاد حلول اقتصادية في إطار الموارد المتاحة والسياسات القابلة للتنفيذ، وبما أن الموارد المالية المتاحة ضئيلة توجهت السلطنة للتسهيل الائتماني من خلال تسهيلات تقدر بثمانية مليارات ريال عماني، وجاءت التسهيلات بشكل توسيع قدرة المصارف على الاقراض وتخفيف أسعار الفائدة والقروض الحكومة الميسرة أو الطارئة للمؤسسات الصغيرة منها”.
وذكر: “تعد هذه السياسة موجهة لإنقاذ الشركات لتمكينها من تخطي أثر الإغلاق، والهدف الأسمى للسياسة هو المحافظة على الشركات وتقليص الحاجة لتسريح الموظفين، لكن كما هو ملاحظ أنه لا يمكن تفادي الفاقد الاقتصادي في التعثر والتسريح، لذا وجب التركيز على الأفراد المتأثرين بالأزمة مباشرة، والجدير بالذكر أن حزم الإنقاذ اشتملت سياسات مالية كذلك من خلال تخفيف الرسوم أو الإعفاء منها وتأخير الضرائب على دخل الشركات وإجراءات أخرى. وتعد هذه إحدى السياسات التي تستطيع الحكومات بها تخفيف كلفة التشغيل وتحسن بيئة الأعمال. قامت الحكومة كذلك بالتركيز على الشركات الصغيرة من خلال المشتريات الحكومية كطريقة مباشر ة لدعمها وإنقاذها”.
وأشار الدكتور أدهم إلى أن الأزمات الاقتصادية هي سمة في جميع الدول ولها تأثيراتها السلبية، ومواجهة تبعات الأزمات عادة ما يقع على كاهل الحكومات من خلال الإدارة الاقتصادية الناجعة.
وقال: “تُوجِّه السياسات المالية والنقدية جل اهتمامها لتحفيز الاقتصاد في أوقات الركود بهدف الحفاظ على الوظائف والمكتسبات الاقتصادية، ولكن من التجارب المختلفة تعثر الشركات وفقد الوظائف هي نتيجة حتمية لا مفر منها؛ لذا يتوجب على السياسات أن تولي الأفراد المتأثرين اهتمامًا كبيرًا في خلق شبكة حماية اجتماعية تعينها على تخطي الأزمة، عمومًا الدورة الاقتصادية تعتمد على إنفاق الأفراد واستهلاكهم والمنتجات والخدمات التي تقدمها الشركات فالجانبين مرتبطين، وتحفيز الشركات قدر الإمكان يحافظ على القدر الأكبر من الوظائف والذي من شأنه أن يحفظ نسب الاستهلاك الفردي”.
الاستمرارية والاستدامة
واختتم صاحب السمو السيد الدكتور أدهم حديثه بأن إجابة السؤال المطروح هي: “نعم، هناك جدوى من تحفيز الشركات المتعثرة إن كانت لها القدرة على الاستمرارية والاستدامة. وكيفية إنقاذ الشركات معتمد على عدة عوامل منها الاقتصادية والاجتماعية، ولا يمكن تغليب جانب على الآخر جزمًا. ومن الأهمية بمكان عدم إغفال دور حماية الأفراد من تأثريات الأزمات من خلال شبكات الحماية الاجتماعية التي تمكنهم من العودة للمشاركة الاقتصادية بوتيرة أسرع بعد الأزمة”.