استطلاع ـ سعيد العزري
المشهد الأول:
سيارة تتعطل فجأة بالطريق الصحراوي، صمت رهيب يخيم على قمم الجبال، يقطعه بكاء طفلة تحبو نحو سنتها الثانية، تبدو أمها في حالة قلق شديد على رضيعتها التي ارتفعت درجة حرارتها جدا يُخرج الأب (هاتفه الجوال) ويتصل بالإسعاف بعد دقائق نشاهد سيارة الإسعاف قادمة بسرعة؛ ليقدم المسعفون الخدمة الصحية للطفلة.
المشهد الثاني:
فتى يوزع كؤوس الفرحة على الجميع، فجأة يتحول لشخص انطوائي، يجالس نفسه في حجرته بالساعات، ثم بدأ يشكو من ألم في عينه، بعدها يصاب بحالة اكتئاب، كادت تقوده للانتحار، وهو ابن الخامسة عشرة ربيعا الأب يكاد يغشى عليه يسرع بابنه لطبيب متخصص نشاهد الطبيب وهو يمسك بالهاتف الجوال للابن، ثم يلتفت للأب قائلا: ” هذا هو الفيروس الذي كاد يقتل ابنك “!
من بين المشهدين تطل علامة استفهام حائرة: أين موقع الهاتف الجوال وأخواته من شبكة حياتنا بالضبط، وهل نحتاج لشحن رصيد فوائده أم نغلق خط أضراره؟
سلاح ذو حدّيْن
تقول نهلة بنت صالح الصبحية، خريجة قسم علم الاجتماع، جامعة السلطان قابوس: موضوع كهذا لا نستطيع الحكم عليه بأحكام مطلقة، ففي ظروف الجائحة التي اقترنت بتغيير نظام التعليم فأصبح يسير نحو التعليم الإلكتروني والمدمج، فكان لزاما علينا عدم مفارقة هذه الإلكترونيات، لكنها “سلاح ذو حدّيْن”؛ فكثير ما نسمع عن الجرائم الإلكترونية والأمن السيبراني، ومع كثرة استخدامها في حياتنا زادت حالات الاحتيال والنصب الإلكتروني، والحالات النفسية والاجتماعية للتنمر الإلكتروني، وغيرها من الآثار الصحيّة التي يكون سببها الإدمان على الإلكترونيات، مثل تقوّس العمود الفقري وضعف النظر.
أما من الناحية الاجتماعية فقد تعطي أجهزة التواصل الإلكترونية مساحة واسعة للأفراد للحديث والتعبير عن آرائهم، مما تجعلهم أقرب للواقع الافتراضي منه للاجتماعي المحيط بهم، لكن من يدري ربما الواقع الافتراضي الذي تعلقوا هو ذاته الواقع الاجتماعي، وبالتالي يزيد من الألفة والتقارب بينهم.
ضرر نفسي
يرى د. حمد بن ناصر السناوي -إستشاري أول بقسم الطب السلوكي بمستشفى الجامعة- أن الهاتف الذكي أضاف العديد من الإيجابيات سواءً في تسهيل التواصل وإنجاز الأعمال خاصة خلال جائحة كورونا، لكن في المقابل يحمل الهاتف الذكي والانغماس في تطبيقات التواصل الاجتماعي العديد من السلبيات مثل نتشار السلوكيات الدخيلة على المجتمع العُماني وتعاليم الإسلام، كما نرى في تطبيقات التيك توك وغيرها، إضافة إلى أن بعض الأطفال والمراهقين يقعون فريسة التعارف غير الصحي مع من هم أكبر منهم سنا، وتشير الدراسات النفسية بأن الأطفال والمراهقين أكثر عرضة للإدمان على الهاتف الذكي وبرامج التواصل الاجتماعي، هذا الادمان يسبب تدني المستوى الدراسي للطفل وإصابته باضطرابات النوم وكذلك ظهور بعض السلوكيات السلبية مثل العنف والإحساس بالدونية عند متابعة حسابات المشاهير وما تظهره من المبالغة في الترف والبذخ، كما يؤدي ادمان الهاتف الذكي إلى خلق هوة وفراغ بين المراهق وبين أفراد الاسرة، وتصبح لديه نظرة تشاؤمية تؤدي إلى بناء شخصية هشة وانطوائية، وأشارت دراسة اخرى إلى أن معدل الإصابة بالاكتئاب والأفكار الانتحارية أكبر في المراهقين الذين يقضون فترات طويلة على الهواتف الذكية.
الذات والوقت
يقول د. خالد علي العمري- أخصائي إرشاد وتوجيه بمركز الإرشاد الطلابي بالجامعة-: وسائل الاتصال الحديثة وجدت لتسهيل التواصل بين الأشخاص المتواجدين في أماكن متباعدة، أو الذين لا تسمح لهم أوقاتهم وظروفهم بالالتقاء المباشر، لكنها ليست لعزل الناس عن التفاعل المباشر بالواقع أو لجعل تواصلهم محصوراً من خلال شاشات الهواتف والأجهزة اللوحية، فتسلب أوقاتهم، وتفقد الشخص ثقته بنفسه؛ لأنه ينفق الساعات أمام هذه الوسائل الاتصالية الاجتماعية الافتراضية التي يطبق فيها ما يسمى بكشف الذات، ويشير مصطلح كشف الذات إلى قيام الشخص بالإفصاح عن مشاعره ومعتقداته وأفكاره وربما أهدافه وخططه ونجاحاته وإخفاقاته ومشكلاته ومخاوفه، وأيضاً علاقاته الاجتماعية والعاطفية، ويتم ذلك بطريقة طوعية، ورغم أن كشف الذات يعد وسيلة فعالة لخفض حدة الاضطرابات النفسية، ويساعد على خفض التوتر والقلق، إلا أنه يجب أن يتم بطريقة آمنة ومناسبة، ولشخص أو جهة مناسبة تتوافر فيها الثقة والأمان والسرية والكفاءة وهذا لا يتوافر في وسائل التواصل الإلكترونية الاجتماعية بل بالغالب يكون التعبير من خلالها للشخص أو الأشخاص غير المناسبين.
الأعصاب
هل الهواتف النقالة والأجهزة اللوحية المحمولة تسبب ضررا على الدماغ والأعصاب؟
السؤال طرحناه على د. أحمد بن عبدالله السعدي -في جامعة ماكجيل الكندية، فأجاب : لا يوجد دليل علمي على وجود مشاكل صحية ناجمة عن التعرض لطاقة التردد اللاسلكي المنبعثة من الهواتف المحمولة ، أما ما يخص تقنية ال 5G؛ فلا تزال إشاراتG5 تستخدم مجالات الترددات الراديوية، لذا فهي لا تزال شكلا من أشكال الإشعاع غير المؤين، التي لا يُعتقد أنها قادرة على إتلاف الحمض النووي بشكل مباشر وتندرج الترددات الراديوية لهذه التقنية ضمن إرشادات التعرض الحالية للجنة الاتصالات الفيدرالية، التي تنص على أن البشر يمكن أن يتعرضوا بأمان للإشعاع بين 300 كيلوهرتز و 100 جيجا هيرتز وما فوق ذلك فهو ضار على جسم الإنسان.
جفاف العين
يرى د. هيثم بن هلال المحروقي أخصائي العيون بمستشفى النهضة أن الضوء الصادر من الأجهزة اللوحية والحواسيب والهواتف الذكية وشاشات التلفاز يضر بالقرنية وعدسة العين والشبكية، ويسبب الجفاف الذي يصيب العين نتيجة إطالة النظر على شاشات الأجهزة إذ إن العين إذا أطالت النظر فإن الجفن يتوقف أن يرفّ مما يؤدي هذا الشيء لجفاف العين لأن الدموع تتبخر، الأمر المؤدي بدوره إلى موت الخلايا السطحية للعين الحساسة جدًا للجفاف، حتى إذا لم تترطب لمدة بسيطة فقط وموتها يؤدي للشعور بالحرقان داخل العين وأيضا يكون سطح العين خشنًا وكأن عليه بعض القذى من الغبار أضافةً الآلام الأخرى التي قد تستمر لعدة أيام حتى تعود العين لترميم هذه الخلايا مرة أخرى ويحتاج هذا النوع من الخلايا من يومين إلى ثلاثة أيام حتى ترمم، استخدام الهواتف في الأماكن المظلمة وعدم رف الجفن يؤدي لأضرار أكبر من تلك، كما أن جفاف العين للمدى الطويل وخشونة سطح العين يؤدي لضعف النظر، وللأشعة الزرقاء وفوق البنفسجية المنبعثة من الأجهزة اللوحية والموبايل وغيرها تأثيرها على أجزاء العين، حيث إن القرنية وعدسة العين تمتص الأشعة فوق البنفسجية الضارة خاصة أشعة UVC، وأشعة UVB وأشعة UVA التي تعد الأقل ضررًا والصادرة من الشاشات، التي عندما تتركز كثيرا على القرنية وعدسة العين فإنها تخترقها لتصل إلى الشبكية وهذا ما يسبب تلف خلايا الشبكية التي ترتبط بعصب العين التي ما إن تموت فإنها لا تتجدد، ، لذلك ننصح باستخدام النظارات التي تحمي من الأشعة الزرقاء وفوق البنفسجية حماية للعين وتجنبًا لضررها.