X638311283768843821

 

 


 

 

Banner-02

 

ومازال " الصفيلح" يواجه دوامات الانقراض

 

د/سعود الجفيلي

 

يراه الصيادون ذهبا بحريا عيار 24، ويعده خبراء التغذية والصحة وجبة مثالية مترفة، تضخ العافية في وريد المجتمع، بينما يحاول علماء الأحياء البحرية إنقاذه من دوامات الصيد الجائر.
الصفيلح العماني يواجه تحديات ومخاطر عديدة، فهل نجحت الجهود المتوالية منذ 3 عقود أن تجد له شاطئ نجاة؟ وما طبيعة هذه التحديات، وأين سفن الحلول العلمية من كنز عُمان البحري؟ علامات الاستفهام السابقة وغيرها، حاولنا أن نجد لها إجابة شافية كافية، فكان هذا الحوار مع الدكتورسعود بن مسلم الجفيلي، الأستاذ المشارك بقسم العلوم البحرية والسمكية بكلية العلوم الزراعية والبحرية في الجامعة

 

 

دعنا نرى بمجهرك العلمي الصفيلح؟


الصفيلح أو أذن البحر من الرخويات التي تنتمي الى البطنقدميات، وفي ظل الظروف البيئية المناسبة، ينمو الصفيلح بين 2-3 سم في السنة، ويعيش لما يناهز الـ30 عامًا، وتؤكد الدراسات أن مواسم تكاثر الصفيلح قد تتعدد في السنة الواحدة بناء على الظروف البيئية والطبوغرافية، وتتجمع مجموعات الصفيلح عند التكاثر لزيادة نسب نجاح عمليات الإخصاب، ولهذا السبب اتجهت الحكومات المختلفة في العالم إلى غلق مواسم صيد الصفيلح في فترات تكاثرها وبالتالي لا بد من دراسات علمية بحثية دقيقة شاملة ومكثفة لتحديد هذه الفترات وغلقها، كما لابد من التنبيه بأن مواسم التكاثر قد لا تكون ثابتة سنويا وقد تتقدم أو تتأخر حسب الظروف البيئية البحرية. فلا بد من استمرارية مراقبة المؤشرات التي تدل على تقدم أو تأخر مواسم التكاثر عند الصفيلح لضمان الإدارة السليمة.

 

ومن المعلوم بأن الصفيلح العماني من أجود الأنواع في السوق العالمي ولا يتواجد إلا في محافظة ظفار على امتداد 360 كم بين مرباط وشربثات، وتفيد بعض المراجع بوجود الصفيلح في مصيرة والحلانيات وصوقره قديما، إلا إنها اختفت لسبب أو لآخر، وتبقى هذه البيئات دائما صالحة لإعادة إستزراع الصفيلح فيها، ومن المناطق التي يتواجد فيها الصفيلح مرباط، حينو، وادي عين، صوب، وادي بيت سعيد، جنجري، سدح، حات، فوشي، حدبين، حيطوم، حاسك، الشويميه، وشربثات، وتتميز هذه المناطق بخلجانها الصخرية وبيئاتها المناسبة للصفيلح، وبما أن مواسم التكاثر في الصفيلح متعددة فهناك احتمال كبير في اختلاف مواسم التكاثر بين هذه المناطق. كما أن العمر أو الحجم عند التكاثر قد يختلف من منطقة لأخرى، فعلى سبيل المثال يبلغ حجم البلوغ للصفيلح في حات عند 60 إلى 65 مم وعند 75 إلى 100 في حدبين، هذا التباين في أحجام البلوغ يصعب من العملية الإدارية عن طريق غلق المواسم. ومجموعات الصفيلح تتحرك نحو المياه الضحلة في فترات التكاثر مما يعرضها للصيد المباشر والسهل من قبل الصيادين على مدار السنة ولكن في أماكن مختلفة وهذا قد يدفع بعض الصيادين إلى صيدها حتى في غير موسم الصيد.

 

 

حدثنا عن أنواع الصفيلح بالسلطنة؟


تتكون مصايد الصفيلح في السلطنة من نوع واحد: “هاليوتيس ماريا”، وهو النوع التجاري، وبالرغم من وجود أنواع أخرى من الصفيلح، إلا أن هذا النوع هو السائد والأجود، أما عن سعر الصفيلح العماني فقد ارتفع متوسط سعر الصفيلح للكيلوغرام من 21 ريالا في 1988 إلى 60 ريالا في عام 1997 بعد غلق الموسم ثلاث سنوات وإعادة فتحه في موسم 2011، تراوح سعر الكيلوغرام من 42 إلى 59 ريالا بمتوسط 55 ريالا وفي الموسم التالي، تراوحت تكلفة الكيلوغرام من 42 إلى 47 ريالا بمتوسط 44 ريالا.

 

 

 

وماذا عن الجهود الحكومية لحماية الصفيلح من الصيد الجائر؟


أغلب الحكومات تلجأ إلى غلق مواسم الصيد، كعملية إدارية آمنة وسهلة التطبيق، وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، قامت حكومة السلطنة بإدارة مصايد الصفيلح في محاولة لاستعادة أو بناء المخازين والحفاظ عليها من الانخفاض والتأكد من ديموميتها. فشهدت خطة الإدارة العديد من التغييرات وواجهت العديد من التحديات كما هو الحال في كثير من الدول، وفي غضون الثلاث عقود الأخيرة تراوحت فترات الإغلاق لمواسم صيد الصفيلح من 6 أشهر إلى إغلاق كامل من 1-3 سنوات، فقد تم حظر صيد الصفيلح نهائيا في ثلاثة مواسم، وفي موسم 2013 تم فتح الموسم 10 أيام فقط ولكن تعاونا من الصيادين، لم يتم تفعيل الموسم، بغض النظر عن السبب فقد تغير موسم الصيد 6 مرات في الفترة 1991-2007 ليتغير الموسم بين 2-3 أشهر ما بين تقديم وتأخير. نجحت هذه التغييرات في الحفاظ على متوسط إنزال الصفيلح في حدود الـ 44 طنًا قبل أن تتخذ الوزارة خطوة جريئة وغلق الموسم لثلاث سنوات من 2008 إلى 2010. تم إستئناف الموسم وفتحه في 2011 لشهر واحد فقط وسجل الموسم أعلى كمية إنزال ليبلغ 149 طنا منذ عام 1980. في عام 2012، تم فتح الموسم لمدة 21 يومًا، وانخفضت كميات الإنزال إلى 54 طنا. وفي الموسم 2013 تم فتح الموسم ل 10 أيام فقط وفضل الصيادون الإغلاق التام. ثم أعيد افتتاح المصايد في المواسم 2014 و2016 ولمدة 12 يومًا ومن ثم إغلاق آخر كلي في 2015. أخيرًا قررت الوزارة وقف الصيد تماما لعامي 2017 و2018، وخلال الفترة 1988-2018، تراوحت كميات الإنزال السنوي للصفيلح من 29 طنًا في عام 1999 إلى 149 طنًا في عام 2011، بمتوسط 53 طنًا وفي 2019 كانت عمليات الإنزال هي الأدنى في العقود الثلاثة الماضية.

 

 

 

كمية الإنزال في 2019 هي الأدنى خلال 30 سنة ماذا يعنى ذلك؟


بلغت كميات عمليات الإنزال 24 طنًا في 2019، وهذه الكمية تنذر بخطر كبير على مستوى مخزون الصفيلح في السلطنة، كما أظهرت نتائج المسوحات الأخيرة أن كثافة أعداد الصفيلح انخفضت في المتر المربع الواحد بشكل عام من 0.39 في 2011 إلى 0.1 فقط في 2020. والمعدلات المطلوبة لابد أن تكون بين 0.15 فأكثر لضمان استمرارية المخزون.

 

 

 

الحكومات تغلق المصايد لحماية الصفيلح من الانقراض ما المشكلة إذن؟


المشكلة أو التحدى أن هذه الآلية الإدارية ـ عالميا ـ واجهت تحديات كبيرة تختلف هذه التحديات بإختلاف البلد وإمكانياته الإدارية وقدرته على تطبيق ومراقبة القوانين المطبقة والعلاقة التي تربط الحكومات بالصيادين، والتحدي الأكبر والمشترك في إدارة مصايد الصفيلح هو الإنزال غير المشروع سواء كان (من الصياد المرخص أو غير المرخص) أم من الصيد في غير مواسم الصيد القانونية، فقد وصل الإنزال غير المشروع إلى 65 ٪ من عمليات الإنزال المشروعة في عام 2008 في جميع أنحاء العالم؛ ونتج عن هذه التحديات والتجاوزات انخفاض كميات الإنزال بين عامي 1970 و2013، من 20000 طن إلى أقل من 8000 طن في جميع أنحاء العالم.
ومن التحديات أيضا تقليب الصخور عند عملية الصيد وهناك صعوبة بالغة جدا في مراقبة الغواص لحظة الصيد حيث يكون في الأعماق. ويلجأ الكثير من الغواصين إلى هذه الطريقة في عملية الصيد إذ لا تسمح له القوانين باستخدام إسطوانات الغاز في الغوص أو استخدام الأنوار الكاشفة للصفيلح في الأعماق. فيضطر إلى تقليب الصخور على عجالة وصيد ما يمكنه صيده وقد لا يسمح الوقت للغواص أن يرد الصخور كما كانت لحاجته الماسة للخروج من الأعماق لأخذ أنفاسه. كما يجب على الغواص صيد أحجام معينة (طول المحار أكبر من 90 ملم مثلا) فيجب على الصياد الحرص بأخذ طول صدفة الصفيلح في الأعماق والتأكد من حجمها قبل أخذها إلى السطح، ومن دون أسطوانة الأكسجين قد تكون هذه العملية مجهدة للغواص ؛ فيلجأ إلى أخذ جميع صيده إلى القارب ومن ثم أخذ المقاييس ورمي غير المشروع منها إلى البحر مرة أخرى، ويعود قرار الصياد بإعادة الصفيلح إلى البحر إلى حالة الصفيلح وإلى العمق الذي تم إستخراجه منه، فإن كانت حالة الصفيلح تسمح لإعادته كان بها وإن لم تكن الحالة تسمح، فالموت مصيره ولا يوجد فائدة اقتصادية من إعادته إلى البحر؛ فيضطر الصياد تضمين الصفيلح غير المشروع، الذي تم صيده دون قصد منه مع الصيد المشروع، وهنا على الصياد إيجاد حجه بالغه لإقناع المراقب والتفكير في المخالفة التي قد سينالها. فيختار الكثير عدم الإبلاغ عن هذه المصايد غير المشروعة صدفة وبيعها بعيدا عن المراقبين. أما في حالة صيد الصفيلح من أعماق كبيرة فهناك احتمال كبير بأن الصفيلح لن يعيش طويلا بعد إعادته الى البحر حيث أن تغير الضغط عليه من الاعماق الى السطح ومن ثم إلى الأعماق مره أخرى قد يصيبه بأمراض قد تودي بحياته. وتدخل كميات الصفيلح غير المشروعة بقصد أو بدون قصد في تعريف الصيد الجائر.
هذه التحديات ينتج عنها عدم الثقة بين الإداري والصياد؛ فالأول يتهم الثاني بعدم إتباع القوانين وتطبيقها والآخر يتهم الأول بعدم المفهومية. هذه التحديات لا تنفرد بها دولة عن أخرى ولكنها مشتركة بين كل الدول التي تحتضن مصايد الصفيلح.

 

 

 

ما الحلول العلمية لإنقاذ الصفيلح من سكين الصيد الجائر؟


كحلول مقترحة لجأت الكثير من الحكومات في فرض نظام فتح وغلق مواسم صيد الصفيلح بالتناوب بين قرى وأماكن تواجد الصفيلح، إذ يتم تقسيم هذه المناطق والقرى على حسب مواسم التكاثر فيها وتوزيع أحجام الصفيلح وكثافة المخزون، فبهذه الطريقة تستطيع الحكومات غلق الصيد في بعض القرى والمواقع حسب حالة مخزون الصفيلح فيها، كما باستطاعة الحكومات أيضا فتح مواسم صيد الصفيلح لأكثر من موسم في السنة الواحدة ولكن في أماكن محدودة. ولضمان نجاح هذه الطريقة في الإدارة فلا بد من وجود مقومات أهمها البنية الإدارية القوية والبحث العلمي المبني على بيانات وإحصائيات معتمدة ونظام مراقبة قوي، كما لابد من وجود تمويل خاص لهذه المصائد يضمن عملية استمرار الإدارة والبحث العلمي، كما أنشأت بعض الحكومات لجنة وطنية خاصة لمتابعة مصايد الصفيلح وتتكون اللجنة من ممثلي الصيادين والحكومة والاقتصاديين وعلماء الأحياء البحرية وغيرهم من أصحاب المصلحة ، وعن القوانين الإدارية الأخرى فقد تفادت بعض الحكومات تحديد حجم معين للصيد لصعوبة التطبيق وإعتمدت على تحديد إجمالي الأطنان المسموح صيدها لكل موقع أو قرية حسب المواسم. وغالبا ما تكون هذه الأطنان المسموحة شاملة لنسب معينة من صغار الصفيلح محسوبة بمنهجية ومعادلات حسابية خاصة ولا بأس في هذه الحالة من استخدام إسطوانات الغوص والأنوار الكاشفة للصفيلح تفاديا في عمليات تقليب الصخور عند الصيد وتقليصها. كما لابد من تحديد أماكن الإنزال ووقتها لضمان متابعة كميات الأطنان المسموحة. أما عن رخص الصيد فيتم الإعلان عنها عن طريق الحكومة حسب المواسم ومواقع الصيد وقد تكون محدودة جدا في بعض المناطق والمواسم ويعود توزيعها لممثلي القرى أو لجمعية صيادي الصفيلح إن وجدت.

 

 

أخيرا أليست التجربة اليابانية في الاستزراع هي الحل؟


استزراع الصفيلح مهم جدا لدعم المخازين في المواقع التي يقل فيها الصفيلح، فيتم إطلاق الزريعات فيها وغلق هذه المواقع لفترات طويلة؛ للسماح للزريعات في النمو لتصل الى أحجام التكاثر ، لكن لم تتكلل جهود أي جهة حكومية في العالم بتحقيق أهداف الإدارة إلا بمساندة وتفهم ووعي الصيادين.

 

 

About the Author

حسن اللواتي

حسن اللواتي

رئيس قسم الإعلام