تزخر المكتبات والمتاحف الوطنية بالعديد من الكتب والمخطوطات والوثائق ويعمل المختصون على إحياء وترميم تلك الكتب والمخطوطات باستخدام العديد من التقنيات والمواد. واليوم دخلت تقنية النانو إلى هذا المجال، وأصبح بإمكاننا القيام بعمليات جراحية دقيقة لترميم الوثائق والمخطوطات القديمة والبالية. علم تقنية النانو واستخداماته الفريدة كان حاضرا في الندوة العلمية التي نظمتها الجمعية العمانية للمكتبات والمعلومات، وشارك فيها الدكتور ماجد الرقيشي من قسم الفيزياء بكلية العلوم، والتي جاءت بعنوان “تقنية النانو واستخداماتها في حفظ الوثائق والمحفوظات”.

أصغر من شعرة الإنسان

يقول الدكتور ماجد الرقيشي: بدأت المشاركة بالتعريف بتقنية النانو بشكل عام وأهميتها الاقتصادية، وأهم التطبيقات الصناعية والتكنولوجية الداخلة فيها مع توضيح خصائص مواد النانو والتي تقع على مقياس صغير متناهٍ في الصغر بين (١-١٠٠نانومتر)، حيث يساوي الواحد نانو جزءًا من المليار من المتر وهو أصغر بألف مرة من قطر شعرة رأس الإنسان (بالتقريب). وهناك طرق عديدة لتصنيع مواد النانو الفيزيائية والكيميائية مع الأخذ بأساليب المحافظة على القياسات العلمية الدقيقة المطلوبة لأحجام وأشكال والتركيب الكيميائي لهذه المواد.

الخصائص الثلاث

يؤكد الدكتور ماجد الرقيشي بأن مميزات النانو عديدة ومتنوعة وخصائصها فريدة: ولكن هناك ثلاث خصائص نركز عليها وبالإمكان الاستفادة منها في حفظ الوثائق، وهي خاصية منع التبلل أي تصنيع مواد نانوية بإمكانها أن تحافظ على الوثائق الورقية أو حتى المكونة من الأقمشة والمنسوجات جافة، بحيث لا تتأثر بالرطوبة أو بالبلل وهناك بعض المقترحات العملية والمنتجات في هذا الجانب.

وأضاف: وأما الخاصية الثانية فهي إزالة الأحماض وتنظيف الوثائق وهي خطوة مهمة في عملية حفظ الوثائق، وقد وجدنا أن هناك مواد نانوية بحجمها الصغير بإمكانها التغلغل في جسم المادة المحفوظة، ومن ثم الحصول على علاج أكثر دقة وبدون ترك لأي نواتج بيضاء قد تنتج من الطرق التقليدية في الترميم.

وحول الخاصية الثالثة يقول الرقيشي: الخاصية الثالثة هي ما تتميز به مواد النانو من خاصية قتل البكتيريا والفطريات والحشرات الصغيرة، ومن أمثلة هذه المواد (جسيمات الفضة النانوية) والتي يمكننا إنتاجها وخلطها بالمحاليل اللازمة ومن ثم استخدامها لقتل البكتيريا الموجودة، وهذا الأمر مهم جدًّا ويسهم في تعقيم وتنظيف الوثائق ويساعد في إطالة الحفظ والحفاظ على سلامة هذه الوثائق.

مشاريع تتحدث بلغة النانو

العالم بات مدركًا لأهمية تقنية النانو في مجال حفظ المحفوظات والدليل بأن هناك الكثير من المشاريع العلمية في هذا المجال، وحول ذلك يقول الدكتور ماجد: ومن أهم المشاريع المشروع البحثي والصناعي الأوروبي المسمى Nano for Art أي النانو لأجل الفن والذي تم الانتهاء منه في عام ٢٠١٣م، وخلال الندوة تم استعراض التقرير النهائي للمشروع والمنتجات النانوية التي خرج بها المشروع فيما يتعلق بحفظ الوثائق والآثار المنقولة وغير المنقولة.

وفي الإطار نفسه يقول الرقيشي: إننا كفريق بحثي في قسم الفيزياء بكلية العلوم نجري العديد من الأبحاث لإنتاج مواد النانو والجرافين وتطبيقاتهما في الصناعة، ومثل هذه الندوات تتيح الفرصة لنا وللمجتمع للاطلاع على هذه الأبحاث والتعرف على طرق الاستفادة منها، كذلك معرفة مواد النانو والجرافين المميزة ومنتجات تقنية النانو المستخدمة في تطبيقات ذات فائدة عملية في تخصصات مختلفة ومنها حفظ الآثار والوثائق.