حاورت عدستها: مروة البطرانية
“إنما نحن نصور الفكرة قبل كل شيء، فجميعنا قادر على إدراك ما حوله من جمال، السماء وما تحويه من سحب وأفلاك،
الطبيعة بكائناتها، البشر وعجائب اختلاف ملامحهم. الآلة وحدها في ظلّ غياب الفكرة العميقة، ومهارة نقلها إلى الآخر
المتشوق لمعرفة سرّها، غير قادرة على تحمل أعباء الطريق نحو الاحترافيّة”!
هكذا بدأ الحوار مع المصورة بثينة بنت أحمد الهاديّة – كلية الآداب والعلوم الاجتماعيّة؛ فكيف بدأت رحلتها مع
العدسة؟ وما قصة فقدان آلة تصويرها؟ وأيهما أهم دقة الصورة أم فكرتها؟
شغف بلا إمكانات:
صورة مختارة للمصورة بثينة الهاديّة_الحمدانيّة
“بدايتي مع التصوير كانت عام 2013 بامتلاكي أول آلة تصوير احترافيّة. لقد كنت أشعر دائمًا أن المصور يمتلك شخصيّة
جذّابة مختلفة عن الآخرين، وأن لديه نظرته الخاصة للعالم، فهو لا يراه بعينه المجردة فقط، وكثيرًا ما كانت تجذبني
آلات التصوير وأدواتها المختلفة، إلا أن الإمكانات الماديّة لم تسمح لي آنذاك بامتلاكها، حتى قررت تجميع مصروفي
المدرسيّ لشراء أول آلة تصوير احترافيّة من نوع (Canon).
كنت حريصة على توثيق طفولة إخواني الصغار، وكان ذلك شغلي الشاغل؛ فأنا أكبر إخوتي، ولا أملك سوى صورتين شخصيّتين
قديمتين لطفولتي! كما أن عفويّة مرحلة الطفولة كفيلة بجعلي أهتم بتوثيق لحظاتها. ومن شغف توثيق الذكريات الجميلة،
بدأت أشعر أن التصوير عالم آخر وجدت نفسي فيه، بعيدًا عن ضجة العوالم المحيطة، وجدت فيه متنفسًا أنفذ من خلاله إلى
عالمي الخاص، العالم المليء بالتفاصيل الجميلة غير المدركة على رغم شدة وضوحها في أحيان كثيرة”.
فقدتُ آلتي ووجدت الإنستجرام:
“كنت أحتفظ بالصور في ألبومات تتكدس مع الأيام، حتى أحسست أن ذلك غير مجدٍ، فقررت تصنيفها في ملفات على جهازي، حتى ظهر
البرنامج التواصليّ “الإنستجرام”، ففتحت فيه صفحة شخصيّة أشارك فيها الناس ما أصوره. كان ذلك عام 2014 تقريبًا، العام
الذي تزامن وفقداني لآلتي دون معرفة التفاصيل، مما خلف في نفسي حزنًا، وشعورًا بالفراغ؛ فالكاميرا أصبحت صديقة اللحظة
التي لا تكاد تفارقني.
لم أتوقف عن التصوير، وكان تصوير الهاتف الذي أملكه من نوع (SAMSUNG) جيد إلى حدّ ما شجعني على المواصلة في صفحة
“الإنستجرام” إلى جانب اهتمامي بنشر ثقافة التصوير بالهاتف وتطويرها؛ فاطلعت على عالم التصوير الاحترافيّ بمتابعة
إبداعات المصورين من مختلف البقاع، فهذه البرامج تمثل حاضنة لهم لتبادل الخبرات. هكذا تمخضت مهارتي في التصوير
بتعلمي الذاتيّ.
عام 2016 حاولت استعادة شغفي بالتصوير، خاصة أنها سنتي الأولى في الجامعة، وتمكّنت من شراء آلة جديدة مثلت نقلة جديدة
في عالم التصوير الخاص بي. فتطورت مهارتي، وبدأت الاهتمام بامتلاك مختلف كماليات التصوير من عدسات وأدوات إضاءة
وخلفيات وفلاتر وغيرها، كما ازدادت معرفتي ببرامج التعديل والضبط”.
توجّهٌ وفكرة وتجريد:
“يحرك المصور عادة نظرته إلى الأشياء، وذلك يؤكد على إيماني بأن المصور إنما يصور الفكرة قبل كل شيء، وسبب ذلك أن الصورة
نفسها، إنما هي ترجمة لحالة المصور في أثناء التقاطه لها. فالصورة تعكس أشياء داخليّة مكبوتة في ذواتنا، ومن هنا كان
التصوير متنفسًا! ولا أظن أن اهتمامي بالفكرة يناقض اهتمامي بمدى دقة واحترافيّة الصورة، إذ هما وجهان لعملة هذا الفن.
صورة مختارة للمصورة بثينة الهاديّة_انشقاق
توجهي الحالي التصوير التجريديّ الذي كان التفاتة من شخص لاحظ اهتمامي بعمق التفاصيل وإعطائها رموزًا وأفكارًا تدل
عليها، على رغم غموضها المتمثل للناظر في الوهلة الأولى”.
صور وحكايات:
“صوري وحكاياتها!.. عين الخيل تمثل لي شخصيًّا مرآة عاكسة، أرى فيها نفسي قبل أن أرى فيها ما يريد الخيل أن يوصله
إليّ، فللعين لغتها العميقة الكاشفة عن المكنون. وأما الطيور في وقت الغروب فتمثل حالة جماعيّة من البوح تجتمع فيها
فيشارك كل طائر رحلته مع الآخر. أخيرًا الصور التراثيّة للأبواب والممرات العتيقة الملتقطة في سمائل لها مكانة خاصة،
فإلى جانب دلالتها على أنها منافذ لعوالم أخرى، مثلت ازدواجيّة عجيبة بين الماضي والحاضر”.
شغف وتحدّيات:
“لا شغف يخلو من صعوبات، وأهمها الإمكانيات الماديّة، إلا أنه بالإمكان التغلب عليها، فالهاتف مثلًا أصبح اليوم منافسًا
قويًّا لآلات التصوير. كما أن الدورات المقامة برسوم، وإن كانت مهمة إلا أن المصور المبتدئ يستطيع أن يكتسب مهارات
التصوير بالتجربة والتعلم الذاتيّ. أنصح زملائي باتباع شغفهم، وتطويره للأفضل، ومحاولة التغلب على الصعوبات بالبحث عن
بدائل. وأوجه المهتمين منهم بالانخراط في جو المصورين ومتابعة فعالياتهم، والمشاركة في ورشاتهم، والانطلاق منها لمسابقات
محليّة وغيرها”.
هكذا كانت قصة بثينة، فماذا عن قصصكم وشغفكم بما تحبون؟!