X638311283768843821

 

 


 

 

Banner-02

 

حكايات أرويها عن عالم فتّان!

 

استمعت إليهم / خلود البوسعيدية 

جاء في إحدى حكايات الأخوين جريم: “ولما خرجتْ تشاور الأقزام فيما بينهم: “ماذا سنهديها لطيبتها معنا وأدبها ولتقاسمها خبزها معنا؟” فقال الأول: “هديتي لها أن تزداد جمالًا كل يوم!”، وقال الثاني: “وهديتي لها أن تسقط قطعة ذهبية من فمها كلما نطقت بكلمة!”، وقال الثالث: “هديتي لها أن يأتيها ملك ويجعلها زوجته!”. أما الفتاة فقد نفَّذت ما طلبه منها الأقزام الثلاثة، فكنست الثلج وراء الباب الخلفي الصغير. فماذا وجدت برأيكم؟”.
سندرلا، بياض الثلج، هانزل وغريتل، وغيرها من الحكايات العالمية التي رافقت طفولتنا، عالم ساحر من الخيال يجابه فيه البطل أزمات لا ينقذه منها إلا أدواته العجيبة، الأسطر القادمة “تغوص في بحر الخيال” مع باحثين ومهتمين بالحكايات العجيبة، تكتشف أسرار هذا العالم “وتنتقي منه الدرر” طارقة عجيب الحكاية العمانية!

 

 

فلسفة الخير والشر:

“والخير في الأرض سيبقى محفوظًا للأوفياء!”

الحكاية العجيبة إبداع عفوي يعبر عن فلسفة الإنسان تجاه هذا الوجود، فماذا قال الباحثون في ذلك؟ يقول الدكتور أحمد الحنشي ـ أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة سابقًا: “إن الأثر الإبداعي يَحمِل في طيَّاته، أو هو يتطلَّع إلى أن ينقل لنا عبر مضامينه رؤية، أو بالأحرى “رؤيا” الإنسان تجاه العالم، بكل ما فيه من قضايا وجودية. والحكاية العجيبة، تحمل خبرات الأولين ورؤاهم، معبرة بذلك عن المخيال الجماعي وعن مدى ثرائه وعمق رؤيته للوجود.

وعديدة هي الدروس التي تتضمنها الحكايات، ونقتدي بها لتحديد سلوكنا مثل: الوفاء، الصدق، التواضع، التسامح، الشجاعة الكرم، التسامح. وهذه كلها قيم توجد في صميم مشاغل الفلاسفة المختصّين. والفلسفة منشغلة، عبر تحديدها لهذه المفاهيم، بالإجابة عن الأسئلة التي يطرحها الإنسان على نفسه مثل: ما الذي يمكنني معرفته؟ ما الذي ينبغي أن أفعله؟ ما الذي يمكن أن أطمح إليه؟ ما الإنسان؟ والفلسفة والأدب يلتقيان حول هذه المشاغل ولكنهما يختلفان في الأساليب”.

وتضيف محفوظة الكندية ـ حاصلة على ماجستير اللغة العربية وآدابها ـ قائلة: “لقد عبرت الشعوب قديمًا من خلال الحكايات العجيبة عن نظرتها للكون والوجود والحياة والموت والخير والشر، وآمن الناس أن هناك عوالم أخرى تشاركهم الوجود، وأن هذه العوالم تملك قوى خارقة تفوق قوة الإنسان، وأن بإمكان الإنسان أن يستغلها إما في طريق الخير، أو طريق الشر. وقد عبرت الحكايات العجيبة عن هموم الإنسان ومشاكله الاجتماعية والدينية والسياسية، وصراعه مع قوى الشر، ولذلك كانت نهايتها دائما متشابهة وهي النهاية السعيدة؛ ذلك لأن الناس تنشد السعادة في كل زمان ومكان، وانتصار الخير على الشر، وتغلب المظلوم على الظالم، وحصول البطل المجاهد دومًا على مبتغاه”.

 

 

استثمار هوليوودي:

“طوّرها زاد الجمال ظهر المغزى والمثل!”

يتحدث الدكتور خالد الكندي ـ أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها ـ عن مميزات هذه الحكايات قائلا: “من مميزات الحكايات العجيبة أنها تمنح الطفل التفكير خارج الصندوق، وتسوقه إلى عالم من الافتراضات الخارقة لقوانين الطبيعة، وتوحي إليه إمكان أن يجرِّب الخروج عن النسق المعتاد للتفكير العقلي، وهذا في حد ذاته يحرِّره من قيود التصديق المعتادة، ويؤمِّله بإمكان أن يخترع ما يخلِّص الإنسان من عجزه”.

وهذه المميزات جعلت من الحكاية العجيبة حاضرة عبر الصور والشاشات مستثمرة هوليووديًّا على نحو مؤثر، وعن ذلك يقول الدكتور الحنشي: “لقد أصبحت الصورة حاضرة في حياتنا اليوم بشكل مُكثّف، تغزو يومًا بعد يوم المزيد والمزيد من فضاءات عالمنا. فهي هنا وفي كل مكان، في البيت، في الشارع، في المدرسة، عبر الفضائيات وعبر الوسائط الإلكترونية المتنوعة؛ لتذكّـرنا أنها اكتسبت حقّ الإقامة بيننا بصيغة نهائية، وفرضت سلطتها علينا فصرنا كمَنْ يعيش في ظل إمبراطورية الصورة، أو “حضارة الصورة” بحسب تعبير الباحث الفرنسي رولان بارط. وهوليوود تكريس لهذا الواقع الجديد، والحكاية العجيبة تتأثر طبعًا بهذه السياقات وما توفره من أجل تنقّلها وهجرتها”.

فما الذي قدَّمه هذا الاستثمار الهوليوودي للطفل والحكاية معًا؟، تقول رقية الهدابية ـ مشرفة تربوية وطالبة دكتوراه مناهج وطرق تدريس الدراسات الاجتماعية: “لقد أعطى الاستثمار الهوليوودي مكانة وانتشارًا واسعًا لهذه الحكايات، فحكايات مثل سندرلا وذات الرداء الحمراء عرضتا بطريقة جذابة أخذت فكر الكبار والصغار معًا، وترجمت إلى لغات مختلفة فأصبحت شخصيات يرغب الكثير من الأطفال في تقمّصها، ولا أبالغ إن قلت حتى الكبار أيضًا، فمثلا طابع الملابس الذي صُمم لهذه الشخصيات والصوت والموسيقى المستخدمة أعطاها بعدًا جماليًّا. كما أن الطريقة التي قُدِّمت بها تلامس مشاعر الصغار والكبار، فحين نشاهد سندرلا بالملابس الرثة القديمة سنشعر بالحزن والتعاطف، وسنفرح حين تنتهي الحكاية بزواجها من الأمير وعقاب زوجة أبيها وأختيها، وحين نشاهد المروج الخضراء التي تمشي عليها ذات الرداء الأحمر تراودنا الرغبة في المشي عبر المزارع لأنها أقرب ما تكون لتلك المناظر! لقد منح هذا الاستثمار الحكايات العجيبة حياة أخرى وجاذبية ممتدة فبعد أن كانت تُسمع فقط أصبحت تسمع وتُرى بتقنيات متقدمة، بل إن هذه الحياة الجديد للحكاية قد تضيف أحداثًا وتتمرد على نهايات معلومة لها مما يجعلها أكثر متعة وتشويقًا!”.

وتضيف محفوظة الكندية: “لقد تناولت هوليود وشركة ديزني على الخصوص الحكايات العجيبة الأوروبية القديمة كالحسناء والوحش وبياض الثلج ورابونزل، وترجمتها إلى الشاشة بكل زخمها وما تحمله من متعة وتشويق، بتقنيات ومؤثرات بصرية متطورة نقلت لنا وبجمالية عالية أجواء هذه الحكايات العجيبة التي تتجاوز الواقع والمنطق، فكتبت لهذه الحكايات الخلود في ذاكرة الأجيال بكل ما تحمله من تفاصيل وقيم. يشاهد الطفل حكاية بياض الثلج فيفهم أن الجمال هو جمال الروح والأخلاق، ويستنكر موقف زوجة الأب التي اهتمت بجمالها الخارجي فقط وكادت لابنة زوجها. ويتعلم الطفل أن الحياة مليئة بالصعوبات والمفاجآت والأقدار المختلفة التي لا مفر منها، وأن عليه أن يتغلب عليها وألا يهرب منها، ففي حكاية عقلة الإصبع يتعرض البطل لاحتقار أقرانه بسبب ضآلة حجمه، لكنه يثبت للجميع مهاراته المختلفة التي تفوق مهاراتهم، وقدرته على مساعدة الآخرين الأقوى منه جسدًا، فيتعلم احترام الناس مهما كان بهم من عيوب!”.

 

استمع إلى حكاية “أمري” إحدى حكاياتنا العجيبة من محافظة ظفار
أداء: عبد الحكيم الصالحي

 

https://soundcloud.com/user-308414400/ejrhewn1nffp

 

 

 

روت لي جدتي:

“في قصص الشعوب غرائب لا تنتهي!”

لنستمع للحكاية العمانية العجيبة، أتقل إدهاشًا عمَّا نعرفه من حكايات عالمية؟ يجيب الدكتور خالد قائلا: “إن الحكاية العجيبة هي التي تتضمن خوارق لا تخضع لقوانين الطبيعة، وهي تجعل عقل القارئ متردِّدًا بين أن يعتبرها حقيقة أو وهمًا، ففي لحظة التردد هذه يقع الخارق، وتتضمن عادة صياغات تقليدية وسجعية نحو (كان ياما كان) و(عاشا في سبات ونبات، وولّدا صبيانًا وبنات)، وتُقْفَل نهايتها فتكون حاملة لجميع حلقات المقطع (التوازن والاضطراب والاختلال ومعاكسة الاضطراب والإصلاح).

وتوجد هذه السمات في الحكايات العجيبة في معظم الشعوب، وإذا كان للحكاية العمانية خصوصية فإنها ستكون خصوصية متعلقة بنوع العادات والموروث الثقافي، وبعالم الجن والملائكة الذي لا تؤمن به بعض الشعوب، والأدوات المستعملة في حياة الشخصيات، وبالقضايا الاجتماعية التي تميز المجتمع العماني، وبطبيعة الأمكنة التي تعيشها الشخصيات العجائبية”.

ويؤكد الدكتور الحنشي ذلك ذاكرًا أن: “العجائبية أو العجيب في الحكاية خاصية مشتركة بين الحكايات بمختلف البيئات والمجتمعات، والحكايات مهما اختلفت مصادرها، تروي لنا أحداثًا أو ظواهر خارقة لا يمكن تفسيرها عقليًّا، ومظاهرها جلية وواضحة في الموروث السردي العماني، ولنا في حكاية سندرلا نموذج عن ذلك؛ فإننا نعثر في الأدب العماني على غير رواية لهذه الحكاية، تحتل مكانها بين 500 رواية أخرى منتشرة عبر العالم، وفي كل رواية من هذه الروايات نعثر على مظاهر متنوعة من العجائبية النابعة من خصوصيات كل بيئة من هذه البيئات!”.

أما رقية الهدابية فتقول: “لا تقل الحكايات العمانية عجائبية عن الحكايات العالمية، فهي تحمل من الدهشة ما يجعلك تواصل الاستماع مرة بعد مرة، وأذكر من حكايات جدتي حكاية تشبه حكاية سندرلا وهي حكاية (البياحة)، السمكة التي تعيش في فلج القرية التي تسكن فيها فتاة مظلومة من زوجة أبيها كانت تمنعها حتى من تناول الطعام، وكانت الفتاة تذهب عند هذه السمكة تبكي فكانت تعطيها الأكل والملابس والجواهر وقامت ذات مرة بتجهيزها لحضور إحدى حفلات ابن السلطان كما حدث لسندرلا تمامًا!، ويبقى لكل حكاية طابع مميز مستمد من وحي البيئة التي يعيش فيها الراوي”.

وتضيف محفوظة الكندية: “تمتلك الحكاية العمانية تقنيات جمالية ساحرة مثل الحكايات العجيبة العالمية، فمثلا في حكاية (الصديقين) الواردة في مشروع جمع التاريخ المروي تتشابه الأحداث العجيبة المدهشة مع حكاية (يوحنا المخلص) الواردة في حكايات الأخوين غريم، ففي كلتا الحكايتين يسوق القدر للبطل صديقًا مخلصًا، ثم يسافر الصديقان رغبة في المغامرة، ويحدث أن يستمع صديق البطل إلى ثلاثة طيور أو غربان تتحدث وتتنبأ بما سيصادفه البطل من مخاطر في رحلته، وتتنبأ بحادثة وفاته. فيسر الصديق تلك الأخبار في قلبه، ويتابع سير الأحداث مع البطل، وإذا بكلام الطيور الثلاثة يتحقق صدقًا بمنتهى الدقة، وتتصاعد أحداث الحكايتين في مغامرات الصديق لإنقاذ البطل من موت محقق في كل حدث، فعنصر الإثارة متحقق في الحكايات العمانية والعالمية على حدٍّ سواء”.

 

 

كي لا ننسى:

“وضع بها كل الخيال صارت أبدع ما فعل!”

ما الذي يمكننا العمل به كي لا ننسى حكاياتنا العمانية؟ يقول الدكتور الحنشي: “لعلّ من الصعوبات الكبيرة التي تواجه الباحث في التراث السردي الشعبي في عمان بالذات، هي تلك التي تتعلق بالمدونة. فهي تُمثل عقبة يعسر اجتيازها خاصة عندما يُراد إخضاع هذا الإبداع للقراءة والتحليل أو عندما يُراد نقده من الداخل”.

وتقول الكندية: “لقد برزت بعض الجهود في هذا المجال، إذ أصدرت وزارة التراث زالثقافة عام 2015 موسوعة جمع التاريخ المروي لمحافظة جنوب الباطنة لأربع مناطق وهي (الرستاق، ونخل، وبركا، والمصنعة). وأصدرت كذلك كتاب الحكايات والأساطير في محافظة مسندم”.

وترى الهدابية ضرورة إدخال هذه الحكايات ضمن المناهج الدراسية باعتبارها جزءًا من التاريخ المروي فلابد من تزويد الأبناء بهذا الإرث الخالد، واستثمارها إعلاميًّا وتطويع التكنولوجيا لعرضها في الأماكن التراثية.

في حين يؤكد الدكتور الكندي وجود مثل هذه الجهود، قائلًا: “هناك جهود حثيثة تبذلها وزارة السياحة مع مجلس البحث العلمي لاستثمار الحكايات الشعبية العمانية المتعلقة بالأماكن السياحية في الترويج السياحي عبر الكتيبات التي تتحدث عن هذه الحكايات، والأفلام الكرتونية التي تحكيها، والألعاب التي تمثّلها. وثمة جهود تقوم بها جمعية الكتاب والأدباء العمانيين، والنادي الثقافي، بالاشتراك مع أساتذة جامعة السلطان قابوس؛ لدراسة الحكاية العمانية، والعناية بخصوصيتها، والتوجيه نحو جعلها مادة صالحة لأطروحات الماجستير والدكتوراه”.

 

فماذا عنك.. ما الذي يمكن أن تقدِّمه للحكاية العمانية لتبقى في الذاكرة العالمية؟

 

 

 

About the Author

Dnngo Company

بوابة أنوار الإخبارية