تشهد سماء السلطنة غدًا “الخميس” ظاهرة طبيعية نادرة لم تحدث في بلادنا منذ عام 1901، وهي ظاهرة كسوف الشمس الحلقي، ويقوم برصد هذه الظاهرة العديد من المتخصصين والمهتمين في السلطنة وفي الوطن العربي والعالم، ومنهم هواة التصوير الفلكي، وأحد هؤلاء الهواة صاحب السمو السيد الدكتور فارس بن تركي آل سعيد الذي استمعنا إلى تجربته في هذا المجال..
من الفوري إلى الرقمي
عشتُ تجربة التصوير في مرحلة الطفولة وأولى التجارب كانت مع آلات التصوير الفوري، وجاءت بعدها مرحلة أخرى أقبلنا فيها على الآلات التي تُستخدم لمرة واحدة فقط، أما النقلة النوعية فحدثت بعد شراء آلة تصوير ماركة “سوني”، وكانت من أوائل الكاميرات الرقمية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وعشت مع أفضل كاميرا للهواة تجارب كثيرة.
وأثناء مرحلة الدكتوراه في المملكة المتحدة دخلت عالم الكاميرات الاحترافية التي تحتاج إلى معرفة وجهد وخبرة في الاستخدام، وكنت أصور الطبيعة والوجوه، كما أن الاهتمام بالعلوم ومتابعة أخبار وكالة ناسا ومشاهدة أفلام الخيال العلمي المتعلقة بالفضاء والكواكب؛ شجعني على خوض تجربة التصوير الفلكي، وكنت دائمًا أسأل نفسي: هل بالإمكان التقاط صورة للأجرام الفلكية بالدقة والروعة نفسها؟
تلسكوب بكامل معدَّاته
في إحدى المرات بينما كنت أتسوق في إحدى الدول عثرت على تلسكوب بكامل معداته، وقررت اقتناءه لتحقيق الهدف ودخول عالم التصوير الفلكي، ثم أصبتُ بخيبة أمل لأن العملية ليست سهلة وهي بحاجة إلى دراسة ومعرفة كبيرة لدخول هذا العالم، واكتشفتُ أن القرار كان سريعًا لشراء هذه المعدات لأنها تتناسب مع الرصد الفلكي، لكن الجميل في الأمر أن هذه المعدات يمكن تركيبها مع معدات أخرى واستخدامها بالطريقة التي أريد، وهنا أصبح الاستثمار ناجحًا لأنني غيرت طريقتي في استخدام هذه الأجهزة، كان ذلك ما بين عامي 2012 ـ 2013م، وأرى بأن المعرفة العلمية لا تكفي لأن التصوير الفلكي عالم آخر يحتاج إلى الخبرة ومعرفة التقنيات ويختلف عن مجالات التصوير الأخرى التي نعرفها.
خسوف القمر
قبل اقتناء هذه المعدات، عشت تجربة تصوير ظاهرة خسوف القمر عام 2007 هنا في السلطنة، وكان ذلك عبر الكاميرا الاحترافية، وكانت التجربة غريبة عليّ لأنني لم أكن أعرف الإعدادات جيدًا ومتى تبدأ الظاهرة ومتى تنتهي، وعندما استخدمت أول تلسكوب بدأت في تغيير المعدات واقتناء المزيد منها، وفي ذلك الحين لم يكن يوجد في السلطنة إلا عدد قليل جدًّا من الهواة يمارسون هذا النوع من التصوير، وكان مصدر المعلومات الأساسي بالنسبة لي الكتب والمنتديات والمواقع الإلكترونية والتواصل مع المتخصصين والمهتمين عبر الإنترنت.
منافسة وتعاون
بعد عام 2015 ظهر نوع من المنافسة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكبر؛ إذ أصبح العديد من المهتمين ينشرون صورهم في منصات متخصصة بهذا النوع من التصوير، فبدأت بتطوير مهاراتي من خلال متابعة هذه الوسائل التي سهَّلت عملية وصول المعلومات إلى الجميع، ومتابعة المدونات الشخصية للكثير من المصورين الذين أخذوا بتقديم معلومات متكاملة عن تجاربهم في مدوناتهم، والتواصل مع الجمعية الفلكية العمانية.
كما تعرفت على الدكتور سمير الخروصي وهو من أوائل المهتمين بعلم الفلك داخل بلادنا ومعروف خارجها، ويمكن القول بأنه الأب الروحي للتصوير الفلكي في عمان وأعماله موجودة في الإنترنت، وقد ساعدتني المعرفة التي نشرها الدكتور الخروصي في الحصول على معلومات قيمة عن كيفية ممارسة هذه الهواية في السلطنة وطبيعة الأجواء الموجودة، وكل الظروف التي تحتاج إلى إلمام كافٍ، إن رصد وتوثيق الظواهر الفلكية هو التحدي الأكبر أمام سؤال: هل أستطيع القيام بهذه العملية بدقة مع إظهار الجوانب الإبداعية والجمالية وإظهار كوكب ما أو ظاهرة فلكية ما بشكلها الحقيقي قدر الإمكان؟ ومما يُحمد أن الكل يساعد الآخر لتحقيق هذا الهدف من خلال نشر المعلومات.
ماذا نصنع؟
علم الفلك هو متنفس لي من ضغوط الحياة وهو يزرع الكثير من التواضع داخل الإنسان لله سبحانه، وفيه قد يرى الإنسان أشياء كثيرة ويقول: سبحان الله ما شاء الله! إن متابعة أخبار الكواكب والنجوم وسائر المخلوقات في هذا الكون الكبير تمنحنا فرصة النظر لهذا العالم بنظرة أخرى أو من منظور آخر، وعلى الإنسان ألا يحسب نفسه جرمًا صغيرا وفيه انطوى العالم الأكبر!، ولنتذكر دائمًا قوله تعالى: “وفي أنفسكم أفلا تبصرون” والخالق ـ عزَّ وجل ـ يحث الإنسان كثيرًا أن يتعلم ويتعمق في الأشياء التي حوله دون أن يمشي في هذه الأرض مرحا.
ودائمًا أطرح هذا السؤال على نفسي، لماذا خلق ربنا هذا الكون الواسع؟ وأرى بأن الإنسان كلما طور قدراته في البحث عن الحقائق والمعلومات أسهم بذلك في تحسين حياتنا على كوكب الأرض، وماذا عسانا نصنع بهذه العلوم؟ إما خيرًا وإما شرًا! ومن خلال تعلم كل ما هو جديد في مجال التصوير الفلكي أسعى إلى اكتشافٍ جديد يضيف الكثير إلى رصيد الإنسانية. وأتوقع أن ظاهرة كسوف الشمس الحلقي ستكون فرصة لاكتشاف الجديد وتوثيق هذه اللحظة التي لن تتكرر إلا بعد 83 عامًا، سواء لي أو لكل المهتمين بالتصوير الفلكي، فمثل هذه الظواهر هي مساحة تبرز إبداع المصور في مجاله.
يُذكر أن صاحب السمو السيد الدكتور فارس بن تركي آل سعيد، أستاذ مساعد بقسم التسويق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، حاصل على ماجستير إدارة أعمال من جامعة ممفيس بولاية تنيسي جنوب الولايات المتحدة الأمريكية عام 2002، وحاصل على الدكتوراه في مجال التسويق من جامعة كارديف بالمملكة المتحدة عام 2014، يحب القراءة في مجال العلوم وممارسة الرياضة وتعلم التقنيات الجديدة.
الصورة بعدسة: صاحب السمو السيد الدكتور فارس آل سعيد
شرح الصورة: سديما رأس الحصان والشعلة يتوسطهما نجم النطاق وهو جزء من كوكبة الصياد (الجوزاء عند العرب)