X638311283768843821

 

 


 

 

Banner-02

 

وإذا الكتبُ ترجمت!

 

نقتني كتبًا مترجمة رغبة في التَّرحل لثقافات أخرى، وصفحةً إثر صفحة ينزلقُ الكتاب خيبةً من بين أيادينا.. ونسأل كيف تبوّأ هذا الكتاب رفًا إلى مكتباتنا؟ في الأسطر القادمة نناقش قضية الكتب المترجمة وما يطالها من وهن لغوي، ونرصد رؤى المترجم العماني في عالم الكتب المترجمة!

 
تقصى رؤيتهم: سارة الغيلاني، خلود البوسعيدي
 

 

أتجنّبُ الكتب المترجمة!


عن موقفها إزاء الكَلال اللغوي في الكتب المترجمة تقول فاطمة العجمي ـ مترجمة كتاب “إمستلفين قصة غرق سفينة هولندية على ساحل عمان عام 1763م”:
“أشعر بالانزعاج كثيرًا، وأتوقف عن قراءة الكتاب نهائيًا، وإذا ما واصلت القراءة قليلًا فمن أجل تحليل إستراتيجيات الترجمة التي اتبعها المُترجم فقط!، وفي الحقيقة، نظرًا لضعف مستوى الترجمة في كثيرٍ من الكتب المُترجمة إلى العربية واحتواء عددٍ كبيرٍ منها على أخطاءً لغوية كثيرة، بتُّ أحرص دائمًا على قراءة الكُتب بلغتها الأصل فقط وأتجّنب قراءة الكُتب المُترجمة، إلا في الحالات التي يكون فيها مُترجم الكتاب مُترجمًا مُخضرمًا ومعروفًا، كأستاذنا المُترجم الكبير صالح علماني، والأستاذ سامي الدروبي، والمترجم وأستاذ السيميائيات المغربي سعيد بنكراد، إلى جانب عدد من المترجمين الذين سبق أن قرأت ترجماتهم وأعجبتُ بها؛ أو الحالات التي يكون فيها الكتاب مُترجمًا عن لغات أخرى غير اللغة الإنجليزية؛ إذ أكون مضطرة إلى قراءته مُترجمًا في هذه الحالة، لاسيما إن كانت موضوعات الكتاب مُهمّة”.

 

وتقول عهود المخيني ـ مترجمة كتابي “ضجيج العصر” و”تشريح الفاشية”: “يستاء كل مترجم يتقن معالم الصنعة من المزالق اللغوية التي يراها في بعض الأعمال المترجمة، ويفكر في بعض الأحيان متقصيًا أسباب ذلك وانتشاره في أعمال متعددة!”.

أما أيمن العويسي ـ مترجم كتاب “تاريخ عمان الحديث” فيحكي لنا: “أثناء تقديمه لحلقة عمل في أيام بيت الزبير للترجمة المنعقدة بداية العام الجاري؛ طرح الدكتور شوقي الريِّس، رئيس قسم الترجمة الشفوية بالاتحاد البرلماني الدولي، سؤالًا مهمًا حول مشكلة المترجم العربي، وكانت أغلب الردود تتحدث عن إلمام المترجم باللغة الثانية؛ بينما كانت الحقيقة هي في تمكُّن المترجم العربي من اللغة العربية! كان هذا الحديث كفيلًا بالإجابة عن تعجبي من رداءة بعض الترجمات التي تخرج بين فينةٍ وأخرى، إذ كنت في كلِّ مرةٍ أطالع فيها عملًا مترجمًا رديئًا أتعجب من جرأة هذا المترجم الذي ضرب باحترام لغته عرض الحائط، ثمة مشكلةً لدى ذلك المترجم الذي لم يبذل جهدًا في تجويد لغته العربية وتجويد أساليبه الترجمية!”.

 

قادة التغيير اللغوي


من أجل أن نقترب من المشهد أكثر ونقف على جوهر أسبابه، قابلنا الدكتور عبد الجبار الشرفي ـ رئيس قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بجامعة السلطان قابوس، وعن قراءته لهذه الظاهرة قال: “لا شك أن ضعف اللغة العربية في الكتب المترجمة مشكلة تفاقمت إلى حدٍّ كبير في الوقت الراهن ومرجع ذلك إلى عدة أسباب منها: الضعف الحاصل في تأهيل المترجمين، ففي كثير من برامج إعداد المترجم ينصب الاهتمام على تعلم أساليب اللغة الإنجليزية وإهمال أساليب العربية، أو في أفضل الأحوال لا تلقى اللغة العربية الاهتمام نفسه الذي تلقاه اللغة الإنجليزية؛ إذ نجد أن مناهج الترجمة تخلو من مقررات الكتابة باللغة العربية وتكتفي بمهارات الترجمة التي تكون عادة محصورة في مستوى الكلمة أو الجملة، أما النص وهيكله فهو في الغالب الأعم مستعار من اللغة الإنجليزية وليس نصًا عربيًا أصيلًا يصدر عن سليقة عربية خالصة؛ وهذا مرده إلى الفهم الخاطئ أنَّ الممارسات النصية والخطابية بين اللغات متشابهة ومتى ما ترجمت المفردة والجملة بشكل صحيح فالهياكل النصية تأتي تبعًا لذلك بشكل تلقائي!”.

 

وأضاف: “ثمة سبب آخر يتعلق بتجاهل حقيقة أن اللغة العربية الفصيحة هي في الأساس ليست اللغة الأم بالنسبة للمترجم العربي وإنما هي لغته الثانية التي يتعلمها فقط حين يدخل المدرسة، وهذا أمر مهم يغفل عنه الكثير، ويكشف أهمية تكثيف مقررات اللغة العربية في برامج إعداد المترجمين لأنهم هم حراس اللغة من التحريف والتشويه، وهم في الوقت ذاته قادة التغيير اللغوي الذين تتطور على أيديهم اللغة لتتسع لمعاني اللغات الأخرى ومفاهيمها ومصطلحاتها”.

 

أين دور النشر؟


ترى عهود المخيني أن هذا الخلل لا يتحمُّله المترجم وحده قائلة: “أحسب أن الأمر لا يقع على عاتق المترجم لوحده في هذه الحال، ما دام في العملية عناصر أخرى مهمة هي دار النشر والمحرر وغيرهم”. وفي ذلك يقول أيمن العويسي: “هناك مشكلةً في دور النشر التي تبحث عن الربح السريع من خلال قبض تكاليف طباعة الكتاب من المترجم ومن ثم بيعه في السوق مستخدمةً عنوانًا جذابًا أو غلافًا يسُرُ الناظر إليه!”.

 

أما الدكتور عبد الجبار فيبسط الواقع أكثر إذ يؤكد قائلًا: “لا ريب أن لدور النشر دورًا مهمًا في الوضع الذي وصلت إليه اللغة العربية في الكتب المترجمة ويتمثل دورها في أمرين؛ الأمر الأول هو أن بعض هذه الدور تبحث عن المكاسب المادية أولًا قبل تحري الجودة في العمل المترجم، فهي في هذا الجانب تبحث عن أرخص أسعار الترجمة ولا شك أن رخص الأسعار يعني باضطراد ضعف الجودة. الأمر الثاني هو أن بعض دور النشر التي تولي الربح الأهمية القصوى تقبل العمل المترجم ممن يقدمون أسعارًا رخيصة على عواهنه ولا تقوم بعمل المراجعة والتدقيق والتحرير المطلوب بعد هذا النوع من الترجمة”.

ويضيف: “وبعض دور النشر ركب موجة الترجمة الآلية بحجة مواكبة العصر دونما التفات إلى مخاطر ترجمة الآلة، وخصوصًا في ترجمة النصوص الإبداعية والأدبية والتي لا تزال عصية على الترجمة الآلية؛ فتكون النتائج كارثية على اللغة العربية من حيث المعنى والمبنى فضلا عن الأسلوب والبيان!”.

 

لمسة المترجم!


يظل التمكّن اللغوي للمترجم هو المعوّل عليه في المقام الأول لإنجاز ترجمة مقتدرة، ولكن كيف يكتسب المترجم التمكّن في لغته؟، يجيبنا أيمن العويسي من تجربته: “يتعين على المترجم أن يبذل جهده في تقويم لغته الأم أولًا ثم الاهتمام باللغة الثانية دراسةً وقراءة، بالنسبة للغة العربية ليس هناك أفضل من قراءة القرآن والاستماع إليه لإثراء الذخيرة اللغوية، كما أن التعلم من أساليب المترجمين مثل صالح علماني وأحمد المعيني ومعاوية عبد المجيد كفيلٍ بصقل مهاراتنا في اختيار الأساليب المثلى للترجمة”.

 

أما فاطمة العجمي فتقول: “أُركّز على تكثيف قراءة الكُتب الأدبية المكتوبة أساسًا باللغة العربية، لاسيما كتابات محمود درويش، وطه حسين، ونجيب محفوظ، وجبران خليل جبران، وغسّان كنفاني، وإبراهيم نصرالله، ومُريد البرغوثي، وعبدالرحمن مُنيف وغيرهم من الكُتّاب والأُدباء الذين تتسم كتاباتهم بلغةٍ عربيةٍ جميلةٍ ورصينة؛ إذ إن ذلك يُمكّن المُترجم من صياغة ما أستطيع تسميته بـ “لمسة المُترجم”، فكما أنّ للكاتبِ أسلوبًا مميزًا يستطيعُ قرّاؤه من خلاله معرفته قبل قراءة اسمه أحيانًا، فللمُترجم أسلوبه الخاص الذي يتشكّل تدريجيًّا نتيجة حصيلة قراءاته المختلفة. ومن هُنا، كلما قرأ المُترجم لغةً سليمةً فصيحةً مُتناغمة، اكتسب أسلوبًا “ترجميًّا” سليمًا لغويًا وجاذبًا”.

علاقة وطيدة

تؤكد عهود المخيني أن لابد أن يكون المترجم عارفًا باللغة العربية، ولكن هي ينفي ذلك حاجته للمتخصص في العربية؟ تجيب فاطمة العجمي:”علاقة المُترجم بالمُتخصص باللغة العربية علاقةٌ وطيدة؛ إذ مهما بلغت قُدرة المُترجم في اللغة؛ لابد وأن يحتاج إلى مراجعةٍ لغويةٍ دقيقةٍ لنصوصه، وهنا يأتي دور المُدقّق اللغوي. كما قد تُصادف المُترجم أحيانًا مُصطلحاتٍ جديدة لا تتوفر لها ترجمةً مُناسبة في اللغة العربية، لذا يلجأ إما إلى تعريب المفردة وإما إلى نحتِ مُفردةٍ جديدة، وفي الحالتين سيحتاجُ إلى تغيير خصائصها الصوتية والصرفية والتركيبية، وهُنا قد يحتاج إلى المتخصص اللغوي للتأكد من مدى ملاءمة المفردة الجديدة أو المُعرّبة مع قواعد اللغة العربية وخصائصها”.

ويضيف أيمن العويسي: “لا يمكن للمترجمِ أن ينتج نصًا مستساغًا دون أن يكون لديه المهارة اللازمة في اللغتين معًا. ومن خلال عملي في مجال الترجمة خلال السنوات الماضية أستطيع القول أن أصحاب العمل يتوقعون من المترجم أن يكون متميزًا في اللغة العربية حاله كحال المدقق اللغوي المتخصص! ومع ذلك لا يمكننا الاستغناء عن المتخصص في اللغة العربية لأنه قد يرى ما لا نراه ويصحح لنا كلمةً هنا وجملةً هناك”.

 

المترجم المنشود


شهد عالم الكتب بوادر ترجمية للمترجم العماني وإذ نطمح أن يضع مترجمونا بصمتهم في الكتب المترجمة، سألنا الدكتور عن إعداد المترجم العماني لهذه الغاية، فأجاب: “فيما يتعلق بإعداد المترجم العماني، سأتحدث تحديدًا عن تجربة جامعة السلطان قابوس التي خبِرتُها على مدى الـ 13 عامًا الماضية. لقد أسس برنامج البكالوريوس في الترجمة بجامعة السلطان قابوس في عام 2001، وعلى مدى الـ 18 عامًا من عمر هذا البرنامج كان التركيز على كفاءة المترجم في اللغتين العربية والإنجليزية حاضرًا وبقوة؛ حيث روعي ذلك عند وضع الخطة الدراسية للبرنامج، إذ يحتوي البرنامج على مقررات لتعزيز كفاءة المترجم في اللغة العربية واللغة الإنجليزية وبذا تتحقق الثنائية اللغوية المنشودة عند المترجم”.

 

ويضيف: “لكن التحدي القائم كما ذكرت سابقًا هو أن مقررات اللغة العربية تركز في العادة على التحليل والفهم والاستيعاب للنص العربي ولا تتعدى ذلك إلى مهارات الكتابة التي تلبي الأغراض والأساليب الكتابية المختلفة، وهذا ربما هو أحد الأسباب التي تقف وراء وجود هذا الضعف في الأسلوب عند المترجمين، وهذا الموضوع بالغ الأهمية وينبغي أن يناقش باستفاضة ويشترك فيه كافة المعنيين وأن تعقد له حلقات نقاش مخصصة وندوات لكي يصل المعنيون إلى حلول وتوصيات تجد طريقها إلى برامج ومناهج وطرق التدريس لتحدث التغيير المنشود في إعداد المترجم”.

فهل سيحدث التغير المنشود في إعداد المترجم؟

 

About the Author

Dnngo Company

بوابة أنوار الإخبارية