X638311283768843821

 

 


 

 

Banner-02

 

معظم النار من مستصغر الشرر

“رئة العالم تحترق” عنوان يتصدر معظم المواقع والصحف، حيث وصلت أصداء حرائق غابات الأمازون إلى جميع أنحاء العالم بطريقة صادمة، واعتبرها علماء البيئة حرائق مخيفة من حيث كمية الأضرار التي لحقت بالبيئة، فكيف فسّر العلماء هذه الظاهرة؟ وهل يجب علينا أن نقلق؟ وهل ستؤثر حرائق الأمازون على الخليج والسلطنة؟ من خلال هذا الاستطلاع نتعرف إلى الأجوبة في السياق الآتي:

عدة أسباب

تحدث حرائق الغابات لأسباب عديدة كما تفسرها الدكتورة نورة بنت خليفة الناصرية، أستاذ مساعد ونائب مدير مركز الدراسات والبحوث البيئية، إذ تقول: “بشكل عام يمكن تقسيم هذه الأسباب إلى أسباب طبيعية: وهي التي لا يتدخَّل فيها الإنسان مثل البرق والبراكين. وأسباب بشرية: وهي التي تدخَّل فيها الإنسان سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة مثل ما يقوم به بعض المزارعين من تنظيف مزارعهم وحرق الشجيرات الصغيرة الضَّارة للتخلص منها، إذ يسهم ذلك أحيانًا في اندلاع حرائق غابات كبيرة يصعُب السيطرة عليها.
يتسبب أيضًا الالتماس الكهربائي، الذي قد يحدث نتيجة مدِّ أعمدة الكهرباء في وسط الغابات أو عن طريق تصليح وسائل النقل كالسكك الحديدية والشاحنات أو تصليح الماكينات الزراعية وغيرها، في حرائق الغابات.
وتوجد هناك عوامل وجودها يساعد في زيادة احتمالية حدوث الحرائق مثل فصل الصيف حيث درجات الحرارة العالية والجفاف الذي يصيب الأشجار. كذلك سرعة الرياح ووجود الوقود وشكل التضاريس وانحدارها، إذ تلعب المنحدرات الحادة على جوانب الجبال دورًا في زيادة سرعة الحرائق خلاف الأماكن المنبسطة”.

أهمية الغابات للبيئة

حتى نتمكّن من فهم تأثير الحرائق على البيئة يجب علينا أولًا معرفة أهمية ما تقدمه الغابات لنا ولبيئتنا وفي ذلك تذكر الدكتورة نورة: “تمدنا الغابات بأهم موارد الحياة التي لا يمكننا العيش بدونها كالمياه والأكسجين، كما تمدُّنا بالأخشاب والعلف وغيره. للغابات أيضًا دور في حماية العديد من الظواهر الحيوية كالتنوع البيولوجي وحماية التربة من الانجراف والتصحر والحماية من الفيضانات عن طريق تثبيت التربة. كما تعمل أشجار الغابات على حبس انطلاق الغازات الدفينة من باطن التربة إلى الهواء الطلق مثل غاز ثاني أكسيد الكربون ما يسهم في حماية الأرض من ظاهرة الاحتباس الحراري.
ولا ننسى الأهمية الاقتصادية للغابات فهي المورد الأساسي للبِّ والورق والخشب، ولذلك فإن تعرض الغابات للحرائق سيؤثر بشكل مباشر على جميع الأنشطة الحيوية والبيئية والاقتصادية السابقة بما تحمله من دخان وضباب وقتل الأشجار، كما حدث في شهر أغسطس الماضي في مدينة ساو بولو البرازيلية حيث عمَّ الدخان المدينة وأصبحت مظلمة في منتصف النهار. كل ذلك سيؤثر على اضطراب النظام الأيكولوجي؛ إذ ستقل قدرة الغابات على امتصاص غاز الكربون وغيره من الغازات الضارة بالكائنات الحية، فضلا عن الأضرار المتعلقة بقتل الأرواح وتلف الممتلكات والبنية التحتية. ومع ذلك فإن لحرائق الغابات تأثيرات إيجابية مفيدة للغطاء النباتي وبعض النظم البيئية التي تعمل الحرائق على نشأتها وتطورها”.

انتشار الحرائق

أما عن انتشار الحرائق فتذكر: “تنتشر حرائق الغابات في غابات سيبريا وبعض غابات أوروبا وأفريقيا وآسيا، وتعد حرائق غابات الأمازون التي حدثت قريبًا من أفظع حرائق الغابات وأكثرها دمارًا، فقد امتدت لتشمل عددًا من الولايات البرازيلية المختلفة مثل روندونيا، وماتو، وغروسو، وبارا. وتأثرت بذلك أغلب الأنشطة الحيوية والاقتصادية والبيئية في المنطقة لدرجة أن البرازيل أعلنت في شهر أغسطس الماضي 2019 حالة طوارئ ونادت العديد من المنظمات الدولية لمساعدة وإنقاذ (رئة العالم)”.

هل نقلق؟

هل هذه الظاهرة مقلقة؟ يجيب الدكتور ياسين الشرعبي، مدير مركز الدراسات والبحوث البيئية: “نعم لأن الغابات لها أهمية كبيرة من حيث المحافظة على التنوع الحيوي، ولكونها عنصرًا أساسيًّا في دورة الكربون، وتعد كذلك من أكبر المصارف الطبيعية لغازات الاحتباس الحراري”.

سلبية وإيجابية

من جهة أخرى يفسر الدكتور طلال بن خليفة الحوسني، أستاذ مساعد ورئيس قسم علوم الأرض بكلية العلوم، أن ظاهرة احتراق الغابات في مجملها ليست سلبية فيقول: “صحيح أن احتراق الغابات في الغالب سلبي حيث تؤدي حرائق الغابات إلى تدمير الأنظمة البيئية التي تعيش بداخل الغابات، وموت الكائنات الحية أو هجرتها إلى أماكن أخرى، وفقدان العديد من الأشجار التي تصل أعمارها إلى مئات السنين مما يؤدي إلى خسائر مادية كبيرة في صناعة الأخشاب، ويسهم في الزحف الصحراوي للقارات، وتدمير البنية التحتية والعديد من المناطق السكنية المجاورة لهذه الغابات.
أضف إلى ذلك إنتاج كميات هائلة من الغازات الدفيئة، كغاز ثاني أكسيد الكربون، يسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري والاحترار العالمي، وكذلك الدخان، المحتوي على دقائق الغبار، قد يسبب مشاكل صحية كانتشار الربو، وكذلك بيئية. وصحيح كذلك أن حرائق الغابات تؤدي إلى تلوث الجو وانخفاض جودة الهواء بسبب نقص الأوكسجين وزيادة غاز ثاني أكسيد الكربون المضر بصحة الإنسان، وفقدان التربة لخصوبتها وتعرضها للتعرية والتآكل وموت الكائنات الحية الدقيقة المفيدة التي تعيش فيها، وتدهور كمية وجودة المياه في المنطقة. وأن هناك أيضا آثارًا اجتماعية منها موت الناس وتهجيرهم من مساكنهم.
إلا إن هناك فوائد ومنافع لحرائق الغابات منها التخلص من بعض الأشجار الكثيفة التي تحجب الضوء عن بقية النباتات والأشجار وتمنحها فرصة للنمو والانتشار، والقضاء على العديد من الحشرات والطفيليات الضارة التي تعيش متطفلة داخل التربة وداخل جذوع الأشجار وتهدد بقاءها. وكذلك تسهم حرائق الغابات بتشكيل غابات جديدة في مساحات جديدة لأن بعض النباتات تعتمد في تكاثرها على الحرائق حيث لا تفتح مخاريط البذور، مثل مخاريط الصنوبر، سوى في درجات الحرارة العالية”.

تأثير عالمي

وهذا يعني أن العالم كله يـتأثر نتيجة هذه الحرائق كما يؤكد الدكتور طلال الحوسني ويقول: “التغيرات المناخية ظاهرة عالمية وما يتبع ذلك من آثار ليس له حدود، فالأضرار لن تستثني مجالًا دون آخر، والتأثير سيكون أكبر على اﻻﻗﺘﺼﺎد، واﻟﺒﻴﺌﺔ، وﺻﺤﺔ اﻹﻧﺴﺎن.
على المستوى البيئي ستشمل تأثيرات التغير المناخي زيادة درجة حرارة سطح البحر، وتنـاقص الغلاف الجليدي، وتغيرات في الملوحة، وحركة التيارات البحرية، وارتفاع مستوى سطح البحر، وإغراق العديد من المجتمعات الساحلية التي ستشهد زيادة في مستوى الفيـضان وتـسارعًا فـي تآكل الشواطئ وتداخل مياه البحـر مـع مصادر المياه العذبة.
وستتأثر الأنظمة البيئية نتيجة التغير المناخي لتشمل النقص في الموارد المائية والإنتاج الغذائي، وزيادة معدلات الفيضان والجفاف والتعرض لموجات الحر والعواصف، وزيادة الطلب على الطاقة من أجل التبريد، وزيادة في عدد المعرضين للأمراض، وتباطؤ التيارات البحرية ما له من تأثير على الثروة السمكية، وزيادة هجرة الحيوانات والطيور وتقلص أعداد الكائنات، وغيرها.
ويتضمن تأثير التغير المناخي على الزراعة زيادة التبخر من التربة والنباتات، وتفاقم مشكلات المياه بسبب الجفاف وقلة الأمطار، وتأثر إنتاج المحاصيل الزراعية، وتفشي الأمراض الزراعية والآفات على نطاق أوسع”.

تأثيرها على الخليج والسلطنة

ويقول الدكتور طلال: “إن حرائق الغابات تسهم في التغيرات المناخية وما يتبع ذلك من آثار ليس لها حدود دولية، لهذا يتوقع زيادة الجفاف وانخفاض معدلات سقوط الأمطار على الخليج ولكن سيكون التـأثير طفيفـًا على النظم الأيكولوجية هنا لأن المنطقة أصلا جافـة. كما أن النقص الشديد في كميات الأمطار وانخفاض الموارد المائية يؤدي إلى حلول مكلفة مثل التحلية. كذلك زيادة عدد الأعاصير ومداها وشدة الفيضانات الناتجة عنها له آثار اقتصادية واجتماعية، إذ يؤثر هذا التغير على إنتاج القمح والأرز والمحاصيل في العالم والتي تصدَّر إلى دول الخليج مما يؤثر على توفر هذا المنتجات الغذائية عندنا، أي أن آثار حرائق الغابات المباشرة ربما لن تصل إلينا ولكن غير المباشرة فنعم.
ولن تكون آثار التغيير المناخي في مجملها سلبية حيث ستزيد الأمطار وتزدهر الزراعة في بعض المناطق، ولهذا فتأثر واردات الخليج ربما له حلول وبدائل لأنها تدريجية، وهناك تصورات أخرى للتغير المناخي وآثاره على الخليج بأن بعضها سيكون إيجابيًّا ولكن الأدلة محدودة حتى الآن”.

 

About the Author