حوار / خلود البوسعيدية
ما بعد عمر ناهز الـ 60 عامًا، ووهن ألمَّ بالجسد، وحياة حافلة بالعمل والاعتماد على الذات عبث بها الزمن.. يتوارى الجانب النفسي من حياة كبار السن ولا نكاد ننتبه إليه! في الحوار الآتي يتحدث الدكتور حمد بن ناصر السناوي، طبيب استشاري أول ـ طب نفسي المسنين – بمستشفى الجامعة، عن الأمراض النفسية في حياة المسنين، ومسؤولية الجميع أسرة ومجتمعًا لمساعدتهم، في هذه المرحلة العمرية، على عيش حياة أهنأ بالًا وأسلم نفسًا.
تعرُّض الإنسان للإصابة النفسية.. هل هو جزء طبيعي من تقدُّم العمر؟
“كلا.. لا يُعدُّ المرض النفسي جزءًا من التقدُّم في العمر، غير أن الإنسان مع تقدُّم العمر يمرُّ بالعديد من التجارب والتحديات التي تزيد من احتمال إصابته بالأمراض النفسية المختلفة، مثل التغيرات العضوية كالأمراض المزمنة التي قد تعيق الفرد من ممارسة الأنشطة المختلفة وتتطلب مساعدة الآخرين. كذلك التغيرات الاجتماعية، مثل التقاعد وما يصاحبه أحيانًا من عزلة اجتماعية فضلا عن الضغوطات الاقتصادية. وهناك أيضًا التغيرات النفسية، مثل ضعف الذاكرة وصعوبة تعلُّم مهارات جديدة، إضافة إلى افتقاد روح المغامرة التي تعيق الفرد من ممارسة بعض الهوايات”.
“ولكن معظم كبار السن يستطيعون التكيف مع هذه الظروف بسبب العوامل الفردية كقوة الإرادة والتحلي بالإيمان والصبر، إلى جانب دور الأسرة في دعم المسن نفسيًّا عبر استمرار إشراكه في صنع القرارات مما يساهم في إشعاره بمكانته وتحسين حالته النفسية”.
هل تختلف أمراض كبار السن النفسية عن غيرهم؟
“لا.. بشكل عام لا تختلف الأمراض النفسية التي يصاب بها الإنسان بناء على مراحل العمر المختلفة، لكن الأعراض قد تختلف نوعًا ما، فحسب الدراسات النفسية وملاحظاتنا في عيادة الطب السلوكي نجد أن أعراض مرض الاكتئاب تختلف عند المسنين عن الفئات العمرية الأخرى، فنجد المريض يعاني من العديد من الأعراض الجسدية مثل الآلام المختلفة وضعف الذاكرة وصعوبة التركيز، وقد يحدث الخلط بينها وبين أعراض مرض الزهايمر!”.
قبل تعرض المسّن لهذه الأمراض.. كيف يمكن تجنّبها؟
“حسنًا.. تساهم أنماط الحياة الصحية مثل: الغذاء الصحي المتوازن وممارسة الرياضة وتجنب التدخين في تحسين الصحة الجسدية والنفسية، وكذلك القراءة وبعض الألعاب التي تنشط الدماغ مثل حلِّ الكلمات المتقاطعة أو تلك التي تحفِّز النشاط العقلي؛ تساعد في الوقاية من اضطرابات الذاكرة. ولا ننسى دور الأعمال التطوعية والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية في جلب السعادة للمسن من خلال مشاركته الآخرين وإدخال الفرحة إلى قلوبهم”.
ثمة آثار عديدة لهذه الأمراض على المسن ومن حوله.. فما مداها؟
“فعلا.. تسبب الأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب الكثير من الآثار السلبية على المريض وقد تمنعه من ممارسة حياته الطبيعية والاستمتاع بالحياة والمساهمة في بناء المجتمع، كما يشعر المقربون من المريض، في معظم الأحيان، بالحيرة وعدم القدرة على فهمه ومعرفة الطريقة الصحيحة في التعامل معه أو مساعدته. وفي بعض الأحيان يقوم المريض ببعض التصرفات الغريبة التي تجعل من حوله يتجنبون الحديث معه أو مساعدته مما يزيد الأمر سوءًا!”.
ما الذي نحتاج إليه حتى نفهم المسن ونساعده على تجاوز المرض النفسي؟
“التثقيف الصحي! فهو من أهم العوامل التي تساعد على فهم المريض وتقديم المساعدة اللازمة له مع الاحتفاظ بحقوقه وكرامته؛ ففي بعض الأحيان يلجأ الأهل إلى منع مريض الخرف، على سبيل المثال، من الاختلاط بالآخرين لأن سلوكه يسبب الحرج! وقد يتجنب البعض الحديث مع المريض النفسي ظنًا منهم أنه يشكل خطرًا على الآخرين، وهذا السلوكيات تمنع المريض من إخبار الآخرين بما يشعر فيعاني في صمت وتزداد حالته سوءًا مع مرور الوقت في غياب الدعم النفسي والعلاج الطبي”.
“وللأسف الشديد توجد العديد من المفاهيم الخاطئة والمتداولة عن المرض النفسي تسبب وصمة العار للمريض ومن حوله، ومن هذه المفاهيم أن المرض النفسي يصيب ضعاف الإيمان فقط، وهذا غير صحيح.. المرض النفسي يصيب كل أحدٍ بغض النظر عن درجة إيمانه وتدينه.. ويوجد بين المرضى المراجعين في عيادات الطب السلوكي من إمام مسجد ومدرس الشريعة والطبيب والمعلم والمهندس!”.
“ومن المفاهيم الأخرى الخاطئة أن الأدوية النفسية تسبب الإدمان وهذا غير صحيح؛ فالأدوية تساعد في علاج العديد من الأمراض، وفي معظم الأحيان يتمكَّن المريض من التوقف عنها حسب إرشادات الطبيب وحين تتحسن حالته”.
ماذا عن وجود مركز خاص لرعاية المسنين في السلطنة يختص بهذا الجانب؟
“الحقيقة.. موضوع وجود دار رعاية للمسنين شائك نسبيًّا، فهناك من ينادي بعدم إنشاء مثل هذه الدار لأنها تشجع الأبناء على العقوق والزج بآبائهم وأمهاتهم في هذه المراكز، بينما يرى آخرون أن مثل هذه المراكز يمكن أن تُقدِّم رعاية صحية ونفسية جيدة للمسنين الذين لا يجدون من يرعاهم بسبب عدم وجود أبناء!”.
“من وجهة نظري فإن الخيار المعتدل يتمثل في إنشاء مراكز الرعاية النهارية أو المجالس الشعبية لكبار السن خلال الفترة الصباحية، بحيث توفر الخدمات الصحية والنفسية والأنشطة المختلفة التي تساعد المسن على التغلب على الوحدة والملل في ظل انشغال الأبناء في أعمالهم، فيمكن أن تكون هذه المراكز فرصة للتجمع وتوسيع حلقة العلاقات الاجتماعية وتنمية المهارات المختلفة مما يساهم في تحسين الصحة النفسية للمسن”.