X638311283768843821

 

 

Anwar-Banner

من هم الشباب الذين يصنعون التغيير؟

27 Nov, 2025 |

 

د. المعتصم بن محمد المعمري، طبيب اختصاصي أول، الصحة النفسيّة للأطفال والمراهقين.

 

 

قد يبدو لك هذا السؤال مألوفًا، وإجابته يسيرة يمكن التنبّؤ بها. يمكننا الإجابة مثلًا أنّ الشباب الذين يصنعون التغيير هم نخبة شباب الوطن، الذين تسلّحوا بالخبرات العميقة، والتخصصات الدقيقة، وهم الذين نالوا المعارف الواسعة، والشهرة الذائعة، وهم الذين بلغوا المراتب الوظيفية الرفيعة، وحقّقوا التغيير عبر مسارات سريعة، ولكن في الحقيقة هذه الإجابات الشائعة منفصلة تمامًا عن الواقع، بل وتدفعنا - حين نسمعها ونصدّقها - للانفصال عن الواقع.

تذكّرني هذه المسألة بموقف حدث قبل خمس سنوات، حين كنت أتسامر الحديث مع بعض الأصدقاء، ونحن نفترش السهل، في ليال الشتاء الطويلة، فدار حديثٌ عن انطلاق رؤية عُمان 2040 وعن التطلعات والآمال، وعمّا يجب فِعله أولًا وما علينا اجتنابه. وبينما كنت أقود سيارتي عائدًا إلى المنزل، تفكّرت في حوارنا الطويل هذا. لقد لفت انتباهي أنّ حوارنا - الذي امتد لساعات - تطرّق إلى أدوار مؤسساتنا الوطنية، وواجبات صُنّاع القرار، ومسؤولية الإدارات العُمانية في مختلف القطاعات، إلا أنّنا لم نذكر أبدًا كيف يمكننا نحن أن نُسهم بأي طريقة في تحقيق هذه الآمال، ولو بالفعل اليسير. وجدتُ بأنّ هذا الحوار - الذي تسمعه دائمًا عزيزي القارئ - مبني على وجود مجموعة مُتخيّلة من عُمّال الدولة، ممن يُناط بهم تحقيق آمالنا الوطنيّة، دون أن نستطيع تحديد من هم أفراد هذه المجموعة. ولعلّ هذه المُغالطة المنطقيّة هي وسيلة عقليّة تُساعدنا على تبرئة أنفسنا من أي مسؤولية، أو إحساس بالتقصير. أما التفسير الأكثر لُطفًا، فهو أنّنا لا نُؤمن بأثرنا وقدرتنا على إحداث التغيير، فنتخيّل أنّ من يستطيعون إحداث هذا التغيير هم بشرٌ ذوو قدرات خارقة، وعبقريّة استثنائية.

أمّا اليوم، وبعد تمحيص هذا الرأي في الميدان الواقعي، فيمكنني القول بكل ثقة أنّ محبّة عُمان هي شرطٌ كافٍ لتحديد الشباب الذين يصنعون التغيير في واقعها. فإن أحببتَ عُمان، ستجد ألفَ بابٍ لخدمتها. هذه المحبّة الخالصة هي المُحرك نحو التفكير والتغيير، فتجدها تدفعك تارةً للتعلّم، وتارةً للتجربة، وتارةً لمطالعة تجارب الإرث الأصيل، وتارةً للتعرف على النماذج العالمية المتنوعة، وأنت في كل ذلك، إنّما تصنع التغيير دون أن تشعر، فالتغيير ليس نقطة زمانية محددة، تحدث في وقت ومكان دقيق، إنّما هي عملية تراكمية مستمرة يُوقدها المخلصون بحرارة قلوبهم دون توقّف. والأهم، أنّ التغيير لا يتطلب موقعًا حساسًا ورفيعًا بالضرورة. فذلك التحسين الذي لطالما استهنتَ به وقلّلتَ من أهميّته، قد يكون له "تأثير الفراشة"، فتتجاوز آثاره دائرة توقّعاتك.

لذلك، حين تلتقي بشبابٍ عُمانيين في المرة القادمة، اسألهم: هل تصنعون التغيير في حاضر بلادكم؟ قد يتردّد بعضهم في قول نعم. ولكن بادرهم بالسؤال الآخر: هل تُحبونها؟ وسيجيبون قطعًا دون تردد. أخبرهم بأنّ ذلك برهانٌ كافٍ على صناعتهم للتغيير. ولا أقول ذلك من باب أنّ النيّة والشعور يُغنيان عن العمل، وإنّما من باب أنّ المحبّة الصادقة لهذه البلاد وأهلها لابدّ أن تتحول إلى عمل صادق مهما قلّلنا من أهمّيته. والخير كلّ الخير في شباب عُمان أينما كانوا.

 

  • تابع ملف نشرة أقرا بعنوان (عمان تصنع المستقبل)على الرابط:

About the Author