X638311283768843821

 

كيف تؤثر التغيرات الاقتصادية على أهمية التخصصات الجامعية؟

09 Oct, 2025 |
  • بقلم: أماني بنت خصيب الجلبوبية، مركز التوجية الوظيفي.

في كل عصر تتغير ملامح العالم وتتبدل أولويات الشعوب لكن في زمننا هذا يبدو أن التغيرات الاقتصادية أصبحت أشبه بعاصفة لا تهدأ تهبّ على كل قطاعات الحياة فتُعيد تشكيلها وتفرض على الأفراد والمؤسسات أن يراجعوا أنفسهم ويعيدوا التفكير في ما كان يُعدّ من المسلَّمات.

ولطالما كانت التخصصات الجامعية انعكاسًا لحاجات المجتمع وأداة لصياغة مستقبله المهني والفكري. ولكن حين يتغير الاقتصاد تتغير خارطة الطلب على المهارات والمعارف فتفقد بعض التخصصات بريقها وتكتسب أخرى مكانة جديدة.

ومن الواضح أن الاقتصاد لم يعد مجرد إطار خارجي يحيط بالتعليم الجامعي بل أصبح قوة مؤثرة في توجيه مساراته بل وإعادة تعريف بعض تخصصاته.

ومع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي اتجهت الأنظار إلى مجالات مثل علوم البيانات والأمن السيبراني والهندسة الحيوية وتكنولوجيا الطاقة فأصبحت هذه التخصصات مطلوبة في سوق العمل ومرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالنمو الاقتصادي العالمي.

وفي المقابل تراجعت أهمية بعض التخصصات التقليدية لا من حيث القيمة المعرفية بل من حيث الطلب الوظيفي مما أدى إلى تقليل الإقبال عليها أو النظر إليها باعتبارها أقل نفعًا من الناحية العملية.

ولكن هذا التراجع الظاهري لا يعني أنها تخصصات غير مهمة بل يشير إلى ضرورة تجديد طريقة تقديمها وتوسيع آفاق تطبيقها لتتواكب مع متطلبات العصر.

فالقيمة الحقيقية للتخصص لا تكمن فقط في مدى قدرته على تأمين وظيفة مباشرة بل في مدى مرونته وعمق أدواته وقابليته للدمج مع تخصصات أخرى تُنتج معرفة حديثة ومهارات مركّبة.

وفي ضوء ذلك لم يعد يكفي أن يختار الطالب تخصصًا جامعيًا تقليديًا بناءً على الرغبة الشخصية أو الميول الثقافية بل أصبح من الضروري أن ينظر إلى الأفق البعيد إلى ما يحتاجه العالم وإلى المهارات التي يمكن أن تجعل منه شخصًا فاعلًا في هذا السوق العالمي المتغير.

ولكن على الرغم من كل ذلك لا ينبغي أن نُسلّم تمامًا بسلطة الاقتصاد على التعليم فالمعرفة ليست فقط وسيلة للرزق بل هي أداة لتشكيل الوعي وبناء الإنسان وتحقيق الذات.

وهنا تظهر أهمية إعادة النظر في فلسفة التخصصات الجامعية لا من حيث الإلغاء أو الإبقاء بل من حيث التحديث والتكامل.

وحين نُعيد صياغة المناهج بحيث تدمج بين الجانب النظري والعملي ونُشجع التخصصات البينية التي تجمع بين التقنية والعلوم الإنسانية فإننا نخلق جيلاً قادرًا على المنافسة والإبداع.

وتقع على عاتق الجامعات مسؤولية كبيرة في هذا التحول إذ ينبغي لها أن تعيد النظر في مناهجها وأن تسعى لربط التخصصات الجامعية بالواقع الاقتصادي بطريقة ذكية ومتوازنة.

وكما يجب أن يكون للطالب دور فاعل لا في اختيار تخصصه فحسب بل في بناء نفسه مهنيًا ومعرفيًا بما يجعل من تخصصه أداة للحياة والعمل معًا لا مجرد شهادة تؤطره ضمن قالب محدود.

ولا يمكن النظر إلى التخصصات الجامعية بمنطق الربح والخسارة فقط لأن القيمة لا تُقاس فقط بمؤشرات اقتصادية لحظية بل بالقدرة على التأثير والإبداع والإضافة إلى الحقل المعرفي والمهني على السواء وإذا كانت التغيرات الاقتصادية تُفرض بقوة فإن التعليم الجامعي يجب أن يُواجَه بقوة الفكر وعمق الرؤية ومرونة التفاعل.

ويمكن القول التخصصات الجامعية ان ليست ضحية التغيرات الاقتصادية بل هي مرآتها وأداتها معًا وإذا استطعنا أن نواكب هذا التغير بعقل منفتح وروح مبدعة فإننا لا نحافظ فقط على قيمة التعليم الجامعي بل نُعيد إليه دوره الحقيقي أن يكون سبيلًا للفهم والعمل والنهضة.

About the Author