X638311283768843821

 

العلوم الإنسانية بين النقد وإعادة التموضع في زمن اقتصاد المعرفة

 

  • كتبت: سالِمة بنت علي الهاشمية

نظمت كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، جلسةً حوارية بعنوان «الإنسانيات النقدية وإعادة بناء العلوم الإنسانية في مؤسسات التعليم العالي: آفاق الاندماج في اقتصاد المعرفة ورؤية عُمان 2040»، وذلك في قاعة الفعاليات الثقافية بالكلية تحت رعاية المكرم الأستاذ الدكتور محمد بن ناصر الصقري عميد الكلية، بمشاركة نخبةٍ من الأكاديميين والباحثين العرب.

أدارت الجلسة الفاضلة بلقيس البوسعيدي (مساعد باحث)، التي قدّمت في بداية الجلسة تمهيدًا حول أهمية هذا الموضوع في ظل التحولات المعرفية الكبرى التي تستدعي إعادة النظر في موقع العلوم الإنسانية ضمن مسار التنمية الوطنية.

استهلّت الجلسةَ الدكتورة مريم الهنائية، الباحثُ الرئيسي في المشروع البحثي المموَّل من قِبل كلية الآداب والعلوم الاجتماعية «مستقبل العلوم الإنسانية في مؤسسات التعليم العالي في سلطنة عُمان». وأشارت في كلمتها إلى أسئلة الدراسة الأساسية، وأهميتها في إعادة تصوّر الإنسانيات ودمجها في اقتصاد المعرفة. كما أوضحت الجانب النظري للدراسة القائم على مفهوم الإنسانيات النقدية بوصفه إطارًا فلسفيًا يعيد النظر في إنتاج المعرفة ويتحدّى المركزية الأوروبية، بينما يشمل الجانب التطبيقي تحليل طرائق تدريس العلوم الإنسانية وأساليب البحث فيها في أربع جامعات عُمانية هي: جامعة السلطان قابوس، وجامعة الشرقية، وجامعة نزوى، وجامعة ظفار.

تحدّث في الجلسة الأستاذ الدكتور بدران بن لحسن، مدير مركز ابن خلدون في دولة قطر، في مداخلةٍ رئيسةٍ بعنوان «الإنسانيات النقدية في المنطقة العربية: الواقع والآفاق»، عرضَ فيها واقع الإنسانيات العربية من خلال تقرير المجلس العربي للعلوم الاجتماعية لعام 2023، وتجربة مركز ابن خلدون في معالجة هذا الواقع من خلال أربعة أُطُرٍ استراتيجية هي: البينيّة، والتوطين، والمواكبة، والمثاقفة. وأكّد في توصياته أن الاستثمار في العلوم الإنسانية ليس رفاهًا أكاديميًا، بل ركيزةٌ لضمان تقدّم المجتمع وبناء وعيٍ نقديٍّ يعزّز مناعة الإنسان أمام تحديات الاقتصاد الرقمي والعولمة الثقافية.

كما قدّم الدكتور الشريف طاوطاو ورقةً بعنوان «البُعد النقدي في درس الإنسانيات بالجامعات العربية العُمانية»، عرضَ فيها مجموعة من المصطلحات المحورية في سياق الجلسة، من بينها الإنسانيات النقدية والإنسانيات الكلاسيكية، مبرزًا ضرورة تجديد المناهج وربطها بسياقات الواقع الاجتماعي والثقافي، ومعتبرًا أن إعادة بناء العلوم الإنسانية تبدأ من قاعات الدرس التي تُشكّل عقل الجيل القادم.

وتحدّث الدكتور أحمد يوسف في ورقته المعنونة «البينيات: تصوّرات واصطلاحات» عن إشكالية الدراسات البينية بوصفها جسرًا بين العلوم الطبيعية والإنسانية، مشيرًا إلى أهمية تكامل التخصصات في تطوير حلول واقعية لقضايا المجتمع، وإلى أن غياب هذا التكامل يؤدي إلى ضعف الأثر التنموي للمعرفة. كما أوصى بأهمية التواصل المعرفي بين العلماء والباحثين العرب.

فيما ركّز الدكتور سيف المعمري على دور الجامعات والمؤسسات المختلفة في دعم المشاريع البحثية التي تدمج البُعد الإنساني في الاقتصاد والسياسة والتعليم، مؤكدًا أن تعزيز القيم والمسؤولية المجتمعية في المناهج يُعدّ أحد المداخل الأساسية لتحقيق رؤية عُمان 2040، وأن هذه الرؤية تمثّل وثيقةً إنسانيةً لمشروع حضاريٍّ متكامل يجمع بين المعرفة والقيم والهوية والنمو الاقتصادي.

وقدّمت الدكتورة مريم بنت علي الهنائي مداخلةً فكرية بعنوان «اقتصاد المعرفة ومستقبل تدريس العلوم الإنسانية في الجامعات العُمانية»، تناولت فيها العلاقة بين العلوم الإنسانية واقتصاد المعرفة من منظورٍ نقدي يؤكد أن التنمية لا تُقاس بالجدوى الاقتصادية وحدها، بل بقدرتها على حفظ القيم وبناء الإنسان المفكر والمسؤول. وأشارت إلى أن التحدي الحقيقي أمام مؤسسات التعليم العالي يتمثل في إعادة تموضع العلوم الإنسانية في صميم مشروع التنمية، عبر دمج القيم والثقافة في المنظومة التعليمية والبحثية، ودعم الدراسات البينية، وتمويل الأبحاث الإنسانية بوصفها عنصرًا محوريًا في بناء اقتصاد معرفةٍ قائمٍ على الوعي النقدي والمسؤولية المجتمعية. وختمت بالتأكيد على أن تحقيق طموحات رؤية عُمان 2040 لا يكتمل إلاّ بجعل العلوم الإنسانية شريكًا أساسيًا في بناء اقتصادٍ معرفيٍّ أكثر إنسانيةً وعدلاً واستدامة.

واختُتمت الجلسة بمجموعةٍ من التوصيات التي أكدت ضرورة تعزيز الحوار الأكاديمي بين التخصصات، ودعم الأبحاث البينية، وتوسيع الحضور المؤسسي للعلوم الإنسانية في الخطط الوطنية للتنمية، لتظلّ المعرفة حجرَ الأساس في بناء الإنسان العُماني الواعي والقادر على الإسهام في مستقبل وطنه.

 

 

About the Author