- عبدالله الهنائي: نسعى لحفظ الإنتاج الفكري العُماني وتيسير الوصول إليه للأجيال القادمة
يُجسّد المستودع البحثي العُماني “شعاع” رؤية وطنية طموحة لتجميع الإنتاج العلمي العُماني في منصة رقمية واحدة، تحفظه وتجعله متاحًا لكل باحث ومهتم بالمعرفة. مبادرة وُلدت لتكون ذاكرة رقمية توثّق الفكر العُماني وتنشره للعالم، وتواكب في الوقت ذاته مسيرة التحول الرقمي التي تشهدها عمان، مُعزّزة بذلك مكانتها في ميادين البحث والابتكار.
حول فكرة المشروع وأهدافه وخدماته ودوره في تعزيز مكانة عُمان البحثية، كان لنا هذا الحوار مع الفاضل عبدالله بن سالم الهنائي، مدير المكتبة الطبية بجامعة السلطان قابوس و عضو مجلس إدارة “شعاع” ، الذي تحدّث عن المراحل التي مر بها المشروع، وأبرز إنجازاته، والتحديات التي تواجهه، ورؤيته المستقبلية لبناء ذاكرة رقمية عُمانية تُسهم في دعم التعليم والبحث والابتكار.
- في البداية، نود أن تطلعنا على فكرة المستودع البحثي العُماني شعاع، وكيف وُلدت هذه المبادرة الوطنية؟
المستودع البحثي العُماني "شعاع" هو منصة رقمية وطنية تهدف إلى جمع وحفظ وتنظيم وإتاحة الإنتاج العلمي والبحثي العُماني في مكان واحد، بما يشمل رسائل الجامعات، الأبحاث، المقالات، الدراسات، الصور، الاحصائيات المسحية، المخطوطات، ورش العمل، براءات الاختراع، البيانات الفنية للوزارات، الخرائط، الخدمات الاستشارية المواد السمعية والبصرية وذلك لتعزيز الوصول المفتوح إلى المعرفة ودعم منظومة البحث والتعليم والابتكار في سلطنة عُمان. بمعنى جمع كل الإنتاج الفكري الذي كتبه عمانيون او كتب عن عمان.
تأسس المشروع بمبادة من جامعة السلطان قابوس ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وتم إطلاقه في سنة 2020 بعد الانتهاء من رسم السياسات والتشريعات، وتصميم قاعدة البيانات، وإدخال مجموعة من الإنتاج الفكري لجامعة السلطان قابوس. بعدها تباعاً وقعت المؤسسات العمانية اتفاقية الدخول في المشروع، وتأسست وحدة للرقمنة، وفرق للفهرسة، والتسويق، والدعم الفني.
أبرز محطات ولادة “شعاع”:
الدافع والحافز: مع تنامي الاهتمام العالمي بالمستودعات الرقمية بوصفها أدوات استراتيجية لحفظ الإنتاج العلمي وتعزيز لمبدأ الوصول الحر للمعلومات ، برزت الحاجة إلى إنشاء مستودع وطني موحد، يُعنى بجمع وتنظيم الإنتاج البحثي العُماني وإتاحته بطريقة شاملة وسهلة الوصول. فقد أدّى تشتّت هذا الإنتاج بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية المختلفة إلى صعوبة استفادة الباحثين منه بصورة متكاملة، الأمر الذي استدعى إيجاد منصة وطنية تُمكّن من توحيد الجهود البحثية وتُسهّل الوصول إلى النتاج الفكري العُماني ضمن بيئة رقمية موثوقة ومستدامة.
التنسيق المؤسسي: في السابع من أبريل عام 2022، وُقِّعت اتفاقية رسمية بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار وجامعة السلطان قابوس لإدارة وتشغيل المستودع البحثي العُماني “شعاع”، بوصفه مشروعًا وطنيًا يعكس توجه السلطنة نحو تعزيز منظومة البحث العلمي والوصول المفتوح. وقد تم حوكمة المشروع وفق آلية تكاملية بين الجهتين؛ إذ تتولى الوزارة توفير الدعم المالي والبنية التحتية التقنية بما في ذلك التخزين السحابي والدعم الفني المستمر، في حين تضطلع جامعة السلطان قابوس بمسؤوليات الفهرسة، وإدخال البيانات، والمراجعة والتدقيق، إلى جانب التسويق والتدريب، بما يضمن جودة المحتوى واستدامة تشغيل المنصة وفق المعايير الدولية للمستودعات الرقمية.
تشكيل الهيئة التنفيذية: تم تشكيل لجنة تنفيذية للمستودع البحثي العُماني “شعاع” برئاسة الدكتور نبهان بن الحارث الحراصي، وعضوية فريق عمل يضم ممثلين عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار وجامعة السلطان قابوس، إضافةً إلى عدد من الجامعات الخاصة، وذلك بهدف ضمان تكامل الأدوار وتوحيد الجهود المؤسسية في إدارة المشروع وتنفيذه.
وفي إطار توسيع قاعدة المشاركة وتعزيز تنوّع المحتوى البحثي، تم توقيع مذكرات تفاهم مع عدد من الجامعات والمكتبات والمراكز البحثية العُمانية، بما يتيح لهذه الجهات إيداع إنتاجها العلمي والمعرفي في المستودع، ويسهم في إثراء المحتوى الوطني وتحقيق التكامل في حفظ ونشر المعرفة ضمن منظومة رقمية موحدة.
إطلاق المنصة: تم إطلاق منصة شعاع في عام 2020، لتعمل ضمن منظومة خدمات الشبكة العُمانية للبحث والتعليم (OMREN)، بوصفها أحد المشاريع الوطنية الداعمة للبنية التحتية الرقمية للبحث العلمي في السلطنة. وقد أتاح هذا التكامل مع الشبكة بنية تقنية متقدمة تضمن الاستضافة الآمنة، والاستدامة التشغيلية، وسرعة الوصول إلى المحتوى البحثي، مما عزّز من مكانة “شعاع” كمستودع وطني موثوق يُجسّد توجه السلطنة نحو التحول الرقمي والانفتاح المعرفي في مجالات التعليم والبحث والابتكار.
- ما أبرز الخدمات التي يقدمها المستودع للباحثين والطلبة، وكيف يسهم في حفظ وإتاحة النتاج الفكري العُماني؟
أولا الخدمات المقدمة للطلبة والباحثين:الوصول المفتوح إلى الإنتاج البحثي العُماني:يتيح المستودع للباحثين والطلبة الوصول المجاني إلى الرسائل الجامعية، والمقالات، والمخطوطات، ووقائع المؤتمرات، والتقارير والإحصاءات، مما يعزز من فرص التعلم الذاتي والبحث العلمي التشاركي.
خدمة البحث والفهرسة الذكية:يُوفّر “شعاع” واجهة بحث متقدمة تسمح بالبحث الموضوعي، أو حسب اسم المؤلف، أو المؤسسة، أو نوع المحتوى، وذلك بفضل الفهرسة المعيارية التي تتبع أنظمة عالمية لتنظيم المعرفة.
خدمة الإيداع المؤسسي (Institutional Repository Service):يتيح للجامعات والمراكز البحثية في السلطنة إيداع إنتاجها العلمي بشكل مباشر، ضمن نظام موحد يضمن حفظ حقوق الملكية الفكرية وتعزيز ظهور الأبحاث في محركات البحث الأكاديمية.
التكامل مع منصات وطنية ودولية: يُسهم المستودع في ربط المحتوى العُماني بالمنصات البحثية العالمية عبر بروتوكولات التبادل مثل OAI-PMH، ما يزيد من انتشار الأبحاث والاستشهاد بها دوليًا.
خدمات التدريب والتسويق العلمي: ينفذ فريق العمل ورشًا تدريبية لتعريف الأكاديميين والطلبة بآلية الإيداع واستخدام المستودع، إلى جانب الترويج للمحتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الأكاديمية.
ثانيًا: دور المستودع في حفظ وإتاحة النتاج الفكري العُماني:حفظ رقمي طويل الأمد: يقوم “شعاع” بحفظ النتاج الفكري العُماني بما في ذلك الأبحاث والمخطوطات والابتكارات والبيانات الفنية ضمن بنية سحابية آمنة تضمن استدامة المحتوى وحفظه وإتاحته للأجيال القادمة.
توثيق الإنتاج الوطني: يسهم المستودع في توثيق الهوية العلمية العُمانية من خلال جمع النتاج الفكري في منصة واحدة، ما يُبرز مساهمات الباحثين والمؤسسات على المستويين الوطني والدولي.
تعزيز مبدأ الوصول الحر للمعرفة (Open Access):يعمل المشروع وفق مبادئ الوصول الحر، مما يجعل المعرفة متاحة لجميع فئات المجتمع، ويعزز العدالة في الوصول إلى المعلومات.
رفع الكفاءة البحثية والمؤسسية: من خلال تسهيل الوصول إلى الإنتاج البحثي المحلي، يُساعد “شعاع” الجامعات والمؤسسات على تحليل التوجهات البحثية، وتحديد مجالات القوة والاحتياج في منظومة البحث العلمي.
الإسهام في التحول الرقمي: يمثل “شعاع” أحد نماذج التحول الرقمي في التعليم العالي والبحث العلمي، ويتكامل مع رؤية عُمان 2040 التي تؤكد أهمية المعرفة والابتكار كمحرّكين للتنمية المستدامة.
- كيف ترون دور المستودع في تعزيز مكانة عمان في مجال البحث العلمي والنشر الأكاديمي على المستويين الإقليمي والدولي؟
يُسهم المستودع البحثي العُماني "شعاع" بدورٍ محوري في تعزيز مكانة سلطنة عُمان في مجالي البحث العلمي والنشر الأكاديمي على المستويين الإقليمي والدولي، من خلال مجموعة من المسارات التكاملية التي تجمع بين التوثيق، والإتاحة، والتأثير المعرفي، ويمكن تلخيصه في الاتي:
- تعزيز الهوية العلمية العُمانية:يشكّل “شعاع” واجهة وطنية موحدة تُبرز الإنتاج الفكري والبحثي العُماني، وتُعرّف بالمؤسسات الأكاديمية والباحثين محليًا وعالميًا، مما يعزز الهوية البحثية الوطنية وتوجهاتها ويُظهر مساهمة السلطنة في التقدم العلمي والمعرفي العالمي.
- توسيع نطاق الوصول والاعتراف الدولي: من خلال تطبيق معايير الوصول الحر (Open Access) والتكامل مع الشبكات البحثية العالمية مثل OMREN وOAI-PMH، يتيح “شعاع” انتشار الإنتاج العلمي العُماني على نطاقٍ واسع، ويزيد من معدلات الاستشهاد بالأبحاث ويُحسّن تصنيفات الجامعات العُمانية في مؤشرات البحث والنشر الدولية.
- دعم التنافسية البحثية الإقليمية: يُعد “شعاع” خطوة استراتيجية نحو بناء بنية تحتية بحثية وطنية تُضاهي المستودعات الإقليمية الرائدة في الخليج والعالم العربي. فهو يوفّر منصة معيارية تتيح المقارنة، والتعاون البحثي، وتبادل البيانات بين المؤسسات، مما يعزز الحضور الإقليمي لعُمان كمركز للمعرفة والابتكار، وقد فاز المستودع البحثي العماني في هذا الشأن بجائزة الشارقة للأدب المكتبي عام 2024.
- تمكين صُنّاع القرار والباحثين: من خلال البيانات والإحصاءات الموثقة، يُتيح المستودع إمكانية تحليل الاتجاهات البحثية الوطنية، وتحديد مجالات القوة والاحتياج في منظومة البحث العلمي. وبذلك، يقدّم أداة علمية لدعم التخطيط الاستراتيجي وصناعة القرار المبني على الأدلة.
- المساهمة في تحقيق رؤية عُمان 2040: يتوافق مشروع “شعاع” مع مستهدفات رؤية عُمان 2040 التي تؤكد على بناء اقتصاد معرفي قائم على البحث والابتكار. فهو يُجسّد التحول الرقمي في التعليم العالي، ويُسهم في بناء مجتمع علمي قادر على إنتاج المعرفة وتداولها وفق المعايير الدولية. كما يعزز صناعة القرار في الدولة من خلال ما يتيحه من معلومات موثوقة، وكذلك التخطيط الاستراتيجي المبني على الحقائق والبيانات المؤكدة.كما يعمل المستودع على رقمنة الإنتاج الفكري العلمي العماني بالكامل، وحفظ مستند رقمي من كل وثيقة، وهذا الإجراء يتوافق مع استراتيجية سلطنة عمان للتحول الرقم وتقديم الخدمات عن بعد.
- ما هي التحديات التي قد تواجه عملية إيداع البحوث والرسائل العلمية في شعاع، وكيف يمكن التغلب عليها؟
تواجه عملية إيداع البحوث والرسائل العلمية في المستودع البحثي العُماني "شعاع" عددًا من التحديات التي تتراوح بين الجوانب التقنية والتنظيمية والثقافية. من أبرزها قضايا حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بسياسات النشر والإتاحة، وضعف الوعي الأكاديمي بأهمية الإيداع والوصول الحر، إلى جانب تفاوت القدرات التقنية بين المؤسسات التعليمية، ونقص الكوادر المتخصصة في وصف البيانات والفهرسة وفق المعايير الدولية. كما يشكّل ضمان جودة المحتوى واستدامة التمويل تحديًا إضافيًا أمام استمرارية المشروع وتطوره.
وللتغلب على هذه التحديات، قام المستودع البحثي العماني وبدعم من شركة تنمية نفط عمان بعمل وحدة متكاملة للرقمنة، لتسهيل تحويل الكتب الورقية الى كتب الكترونية. كما يوصي المستودع بتبني سياسات وطنية واضحة للإيداع المفتوح تُنظّم حقوق الاستخدام والنشر، وتعزيز برامج التوعية والتدريب الأكاديمي. كما يُعدّ بناء القدرات الوطنية في مجال الميتاداتا، وتفعيل أنظمة المراجعة والتدقيق الداخلي، إلى جانب تعزيز الشراكات البحثية الإقليمية والدولية، من العوامل الرئيسة التي تسهم في ضمان جودة الإيداع واستدامة المستودع كمصدر وطني موثوق للمعرفة والبحث العلمي في سلطنة عُمان.
من التحديات الأخرى التي يواجهها المشروع تأخر بعض المؤسسات العمانية الحكومية في الانضمام وتوقيع الاتفاقية التي تسمح بدخول إنتاجها. وتحاول إدارة المشروع تكثيف اللقاءات مع هذه المؤسسات للتوضيح أهميته، وضرورة تسجيل وحفظ كافة الإنتاج الفكري العماني بغض النظر عن الجهة المنتجة.
- كلمة أخيرة تودون توجيهها للطلبة والباحثين لحثّهم على الاستفادة من المستودع والمشاركة فيه؟
ندعو دائما الطلبة والباحثين في مؤسسات التعليم العالي بسلطنة عُمان للاستفادة المثلى من المستودع البحثي العُماني "شعاع" والمشاركة الفاعلة فيه، بوصفه المنصة الوطنية للمعرفة التي تجسّد التوجّه نحو الوصول المفتوح والبحث المستدام. إنّ إيداع البحوث والرسائل العلمية في هذا المستودع يُعد مساهمة نوعية في بناء الذاكرة البحثية الوطنية وتعزيز منظومة الابتكار والإنتاج العلمي في عمان.
ويمثل كل عملٍ بحثي يُودع في “شعاع” إضافة حقيقية إلى الرصيد المعرفي العُماني، ودعامةً لتمكين الباحثين من تبادل الخبرات والتعاون العلمي على المستويين الإقليمي والدولي. ومن ثمّ، فإن المشاركة في هذا المشروع الوطني تعكس وعياً علمياً ومسؤولية أكاديمية تجاه دعم التحول المعرفي، وترسيخ مكانة عُمان في محيطها البحثي العالمي، لتبقى المعرفة شعاعاً يُنير الطريق نحو مستقبلٍ علميٍ مزدهر.